نبذة عن الشاعرة المغربية نبيلة الوزاني بقلم الأديبة د.خديجة غربوب
استطاعت الشاعرة نبيلة الوزاني أن تسجل حضورها في الأفق الشعري المغربي و تجعل من الفعل الشعري عالما يحتضن الخراب والقسوة والقلق . لقد تمكنت من الاعتماد على العديد من المرجعيات التي أكسبت تجربتها الشعرية سمة العمق والثراء والجمال .وما يثير الانتباه هو قدرة الشاعرة على تذويب مرجعياتها وتمتيعها بالروح الشعرية والجمالية ,اذ لانشعر بالفجوات بين ماهو شعري وخيالي وواقعي .لقد خرجت الشاعرة من قبضة الذات وانفتحت على الهم العربي الفلسطيني وخصصت له حيزا شعريا وخلقت مكونات جمالية وصوتية تناسب هول مايحدث في قطاع غزة .وبذلك كسرت قيود الصمت ومارست مناوشات ذكية وأعلنت استيياءها من السلطة العربية التي تصر على التجاهل والصمت .
ولذلك اختارت الشاعرة عنوانا مثيرا لقصيدتها ( استراتيجية اللعبة ) لتكشف عن المخططات والحيل المحبوكة التي تتلاعب بمصير الانسان الفلسطيني .وابتداء من عتبة العنوان ، نلاحظ تأكيد الشاعرة لفكرة الحضور التمثيلي لللاخر الذي يهدف الى وضع مخطط ، مدروس لتحقيق النجاح وتدمير الذات الفلسطينية ,وربطت الكلمة بلفظة اللعب عن طريق الاضافة مما يعني أننا لايمكن الفصل بينهما ,وبذلك فالعنوان يقودنا الى عالم المتعة وغياب الملل وتنشيط العقل والذاكرة .لكن ان وضعنا العنوان في سياق الذات الفلسطينية فاننا سنحرك الدلالة في اتجاه النصر والثورة والحركية والفعل العقلاني وأشير الى أن كلمة استراتيجية تعود جذور ها إلى الأصل الإغريقي "Strategia " وتعني "فن الحرب".ولعل الشاعرة حاولت أن تمتص من مأساوية العنوان لكن ينفلت الصراع والأهداف من عمق المعنى وتأتي الجملة الاسمية لتعمق سمة الثبات والسكونية التي تحيط بالأفق ,وهذه الوضعية تدفع بالمتلقي العربي الى استعمال مجموعة من الخطط للثورة على الخنوع والاستسلام والركود والانخراط في الفعل الحركي المعقلن الذي ينشر الاحساس بالانتصار.
ومما تجدر الاشارة اليه أن نبيلة الوزاني أسندت قصيدتها الى العديد من المرجعيات لأنها تعرف بحكم التجربة الابداعية ومعايشتها للواقع العربي أن القصيدة لاتكتمل الا بوجود المرجعيات المتنوعة التي تمنح للرؤية سمة العمق والوضوح والقوة والقدرة على التأثير ,أي انها لاتصفف الكلام بل تفجر كل المنابع ومصادر المعرفة في أفق المتلقي حتى لايكون فريسة في يد الاعلام المزيف ,فهي تبني كينونة الانسان ليظل متمسكا بالأرض وتحميه من الهشاشة والفراغ والاغتراب واليأس .وهذه عملية ليست سهلة بل تطلبت من الشاعرة مجهودات كبيرة لتذويب المكونات الثقافية والجمالية وصهرها في البوتقة الشعرية .
ونظرا لأهمية دور المرجعيات في بناء النص الشعري وتمكينه بالفاعلية الجمالية والاقناعية سأقف عند المرجعيات المهيمنة في النص الشعري ,ويمكن تصنيفها الى مايلي :
المرجعية التاريخية :اتخذت الشاعرة من التاريخ جسرا للتعبير عن الأزمات التي مر بها الانسان الفلسطيني وربطها بالراهن ولم تتعامل معه بطريقة جافة بل صاغته بشكل فني وجمالي وتمكنت من تذويب الفواصل بين الماضي والحاضر بهدف ايقاظ الذاكرة والبحث عن منافذ جديدة لتجاوز الأخطاء .والمتأمل لقصيدة الشاعرة يجد أنها اختارت كلمات مشحونة بالوجع التاريخي :مِنْ أَيْنَ آتِي بِحِبْرٍ
يَكتُبُ عنْ كُلِّ هَذا
الخَرابِ
والأَلْوانُ تَتشابَهُ
فِي هذَا اللَّيلِ ؟
كَيفَ لِي
بِمَركَبةٍ بُراقِيَّةٍ
كَيْ أَسْترِدَّ الأَزْمنَةَ الأُولَى
بِلا وَقتٍ فَارِغٍ مِن سَاعاتِهِ
كَيْ يُرتِّبَ التّارِيخُ أَوْراقَهُ ...؟
حاولت الشاعرة عبر أسلوب الاستفهام أن تعثر عن صيغة لاحتواء الخراب على المستوى الشعري وتحويله الى سؤال,لكن وجدت نفسها عاجزة عن توفير لغة قادرة على خلق التماس مع الواقع المفجوع والأمر هنا يتعلق بهول مايحدث في قطاع غزة , اذ يصبح الواقع أكبر من حجم اللغة والمتخيل ونراها ارتمت في عوالم سوريالية كي تفك الغموض عن الذاكرة وتمنت أن تجد السبيل الى مركبة براقية تعيدها الى الماضي لترتيب أوراق التاريخ ,ولعل عملية الترتيب ترمز الى نفض الغبار عن الحقائق والوثائق التاريخية واخراجها من الفوضى واللامنطق .
ونلاحظ أن الشاعرة ورطت المتلقي في السؤال وعملت على اشراكه في عملية التفكير حتى لايكون عرضة للصدمة وهشا أمام هذا العبث الوجودي ,وافتتحت قصيدتها بصيغة استفهامية
كي تنتصر على الشحنة الانفعالية التي تفتعل بداخلها ونتحسسها في نبض الكلمات التالية : ( بحبر يكتب - الخراب - الليل)وأيضا لتقاوم الفقد والفراغ والضياع الذي توحي به كلمة ( أسترد ). بمعنى ان العودة الى التاريخ هي ارتباط بالهوية والانتماء والأرض وخلق الدوافع للتمسك بالكينونة الوطنية والانسانية.
المرجعية الواقعية . لقد استندت الشاعرة على المرجعية الواقعية واستثمرتها لبناء رؤياها الشعرية دون الوقوع في التقريرية والابتذال وبرودة الفعل الشعري .ولعلنا نستشف ذلك من خلال المقطع الشعري التالي :
الأَعَاجِيبُ كُلُّها
تَكتظُّ فِي الرَّصيفِ المُغايِرِ
وَبِالمُقابِلِ
جَمِيعُ الأَصْواتِ
تَتبَلَّدُ فِي مِيكْرُوفُونِ
المَعْبَرِ
فَلا يَمْشِي النَّهارُ
اختارت الشاعرة كلمة" أعاجيب " يصيغة جمع التكسير للدلالة على كل ما يدعو الى العجب ويخرج عن المعتاد وعملت على تقديمه لأهميته في المرحلة الراهنة المشحونة بالابتذال والسكونية و قد تكون مقصديتها هي الذات الفلسطينية التي خرقت الصمت العربي وجعلت الأنظار تتجه اليها وقاومت الذات الصهيونية المحتلة التي يتمثلها الآخرون كذات قوية لايمكن مواجهتها والمس بقوتها العسكرية وقد تتخذ كلة أعاجيب دلالات متعددة وترمز الى الموت اليومي الذي يعيشه قطاع غزة ولا يتراجع الى الوراء لأنه صاحب قضية واتخذت من المفارقة التي نلامسها في قولها :(تكتظ في الرصيف المغاير // وبالمقابل )
سيبلا للتعبير عن الوضع المأساوي الذي يعيشه الانسان الفلسطيني وفي المقابل هناك صمت وغباء يطبغ المنابر العربية والعالمية .وبذلك فالمفارقة أحالتنا الى العديد من المواقف الني تتسم بالجبن والذل والهوان وتتلذذ بمشاهد الموت المأساوي , وتأتي لا النافية لتخرج الزمان الفلكي من دائرة الحركية وتعمق المشاعر الدرامية وتنقلنا الى عوالم سوريالية مشحونة بالسكونية والموت والظلام وبذلك فهذا التقابل التصادمي تروم الشاعرة من خلاله خلق اليقطة الانسانية والثورة على واقع يتحكم فيه الظلم والعنف والخوف والخنوع.
يتبع
تعليقات
إرسال تعليق