إطلالة الناقدكريم القاسم على الشاعرالمصري أحمد بخيت ونص (الحسين )
(إطلالة على شاعر)
-----------------
• عندما ينطق القلم بحق الحسين بن علي بن ابي طالب -رضيّ الله عنه وارضاه - لابد أن ينطق بحجم الموقف وبحجم الثورة .
كثيرة هي القصائد التي تكتب بحق الحسين ، ولكن هنالك قصيد يجعلك متأملاً سارحاً في الخيال ، مرة لعمق الفاجعة وعمق تجذّرها في تخوم التاريخ ، ومرة لقوة اشراق حضورها ، ومرة لعمق الصورة الشعرية وقوة ابتكارها .
فكم تأملتُ في الصورة البلاغية لافتتاح قصيدة (الحسين) للشاعر المصري الرائد (أحمد بخيت) عندما يقول :
(أَسْمَاُؤنَا الّصحراءُ واسْمُكَ أخْضَرُ **** أرني جِراحَك كلّ جرحٍ بَيْدرُ)
وكم تأملت هذا التكرار الرائع وكأنه يقرأ المستقبل عندما يبتدأ خطابه في عشر ابيات بـ (عندما يأتي زمان) وهو دلالة على صدق الرؤى والموهبة المُبدعة ، حتى أجده قد وضع ترجمة عالية النقاء وبالغة الدقّة عمّا سيجري عليه الحال بعد ثَلم نور آل البيت والعترة الطاهرة ، وهو بيان رائع مهيب قلَّ حضورة في الشعر في مثل هذه الايام .
* الشاعر (أحمد بخيت)شاعرمصري من مواليد محافظة أسيوط. شغل منصب معيداً بقسم النقد والبلاغة والأدب المقارَن بكلّية الدراسات العربية والإسلامية جامعة القاهرة ، ثم ترك العمل الأكاديمي ليتفرغ للكتابة.
صدرت له عدة دواوين رائعة وتُرجِم بعضها الى الانكليزية والفرنسية ، وحاز على جوائز عربية كثيرة .
يتسم شعره بقوة السبك ، وبلاغة المعنى ، وقوة الصورة المبتكرة .
• احترامي وتقديري
......................................................
قصيدة (الحسين)
للشاعر المصري أحمد بخيت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَسْمَاُؤنَا الّصحراءُ واسْمُكَ أخْضَرُ ***
أرني جِراحَك كلّ جرحٍ بَيْدرُ
يا حِنطةَ الفقراءِ يا نبع الرضــــا ****
يا صوتَنا والصمتُ ذئبٌ أحمرُ
يا ذِبــحَ هاجر يا انتحابةَ مريـمٍ ***
يا دمعَ فاطمةَ الذي يَتحَدّرُ
إيهٍ أبا الشهداءِ وابنَ شهيدِهـــم ***
وأخا الشهيدِ كأن يومَك أعْصُرُ
جسدٌ من الذِّكْرِ الحكيمِ أديمُــهُ ***
درعٌ على الدينِ القويمِ ومِـغْفَرُ
عارٍ وتكسوه الدماءُ مهابـــــــــــةً ***
لا غِمدَ يحوي السيفَ ساعةَ يُشْهَرُ
الأنبياءُ المرسلــــــــــونَ إزاءَهُ ***
والروحُ والملأُ الملائِكُ حُضَّرُ
ومحمدٌ يُرخِي علـيــــــهِ رداءَهُ ***
ويقول : يا وَلَدَاه فُزتَ وأُخْسِروا
يا أظمأ الأنهارِ قَبلكَ لمْ تكُــــنْ ***
تَروي ظَما الدنيا وتظمأُ أنْهُرُ
لولا قضاءُ الله أن تظما لــــــــه ***
لسعى إليك مِن الجنانِ الكوثرُ
يا عاريَ الأنوارِ مسلوبَ الــرِّدا ***
بالنورِ لا بالثَوبِ طُهْرُكَ يُسْتَرُ
يا داميَ الأوصالِ لا قَبْرٌ لـــــــــهُ **
أفْدِيكَ إِنِّ الشَّمْسَ ليستْ تُقْـبَرُ
طُلاّبُ موتك يا اَبْنَ بِنْتِ محمـــــدٍ ***
خَرَجوا من الصحراءِ ثم تصحّروا
وكأن خيلَ الله لم تركض بهـــم ***
لا والسامرين بمكةَ لم يسمروا
وكأن برقًا ما أضاء ظلامهــــــــم ***
فمشَوا تجاه النور ثم استدبروا
وكأنما ارتدوا على أعقابهــــــــــم ***
فأبوك أنتَ وهم جميعا خيبرُ
كلُّ القصائدِ فيك أمٌّ ثاكـــــــــــلٌ ***
في حِجْرِها طفلُ النبوةِ يُنحرُ
عريانةٌ حتى الفؤادِ قصيدتــي ***
والشِّعْرُ بَيْنَ يَدَيّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ
أوَلم يشمُّوا فيك عطرالمصطفى ***
كذبوا فعطر المصطفى لا يُنكَرُ
قلْ ليْ بمن ذا يَعدِلونك والـذي ***
فطرَ الخلائقَ شسعُ نعلِك أطهرُ
شتّانَ ما بين الثريا والثـــرى ***
بُعْدًا ويختصرُ المسافةَ خنجرُ
لولا قضاء الله لارتدَّ الــردى ***
عن حُر وجهِك باكيًا يستغفرُ
وَلَرَدَّ ذؤبانَ الفلاةِ ليوثُهــــا ***
واحتز حمزةُ في الرؤوسِ وجعفرُ
ولذادَ عنك أخوك أشجع مَن مشى ***
إلا أبوكَ وجدُك المدّثرُ
ولكان أول من يرد رؤوسَهُــم ***
للشام يعسوبُ الحقائقِ حيدرُ
والله لو لمحوا اللواءَ بكفِّــــهِ ***
لرأوا وطيسَ الحربِ كيف يُسعَّرُ
هو مَنْ علمتَ ويعلمونَ بـــلاءَهُ ***
وهو الفتى النبويُّ لا يتغيرُ
تمشي الملاحمُ تحتَ مَضْربِ سيفـهِ ***
ووراءَ ضربتهِ يلوحُ المَحشَرُ
لو حارب الدنيا بكلِّ جيوشِهـــا **
تتقهقرُ الدنيا ولا يتقهقرُ
يأتي زمانٌ لا نجومَ ليهتـــــــدوا ***
يأتي زمانٌ لا غيومَ ليُمطَروا
يأتي زمانٌ ليس يعلمُ تائــــــــــهٌ ***
هل فيكَ أم في قاتليكَ سيُحشَرُ؟
يأتي زمانٌ والمودةُ غربـــــــــةٌ ***
والكُرْهُ بلدتُنا التي نستعمرُ
يأتي زمانٌ كلُّ شيءٍ زائــــــفٌ ***
حتى اللِّحى العمياءُ وهي تُبصِّرُ
يأتي زمانٌ وابنُ آدمَ خُبــــــــــزُهُ ***
دينٌ يدينُ به وفيه يُكَــــفَّرُ
يأتي زمانٌ والكرامة سُبَّـــــةٌ ***
والعارُ فرعون الذي يَتجبَّرُ
يأتي زمانٌ والسقوطُ وجاهـــــةٌ ***
والناسُ مرعى والرعاةُ الشُّمَّرُ
يأتي زمانٌ كل شيءٍ ضـــــــدهُ ***
الليلُ يُشْمِسُ والظهيرةُ تُقْمِرُ
يأتي زمانٌ لا زمانَ لأهلـــــــهِ ***
إلا رجال الله وهي تبشِّرُ
يأتي زمانٌ فالسلام على الــــذي ***
ذبحوهُ في الصحراء وهو يكبِّرُ
هذا ولائي يا ابن بنت محمـــدٍ ***
أنتَ الشهادةُ والشهيدُ الأكبرُ
يدُ أُخْتِكَ الحَوراءِ مسَّتْ جبهتـي ***
فدمايّ تكبيرٌ وصوتي "المنبرُ"
كفّي على جمرِ المودةِ قابـــضٌ ***
ودمي بحبِكُمُ الطَّهورِ مُطــهَّرُ
بايعتُ عن نجباءِ مصرَ جميعـم ***
وأنا ابنُ وادي النيل واسْمي الأزهرُ
.............................................................................
تعليقات
إرسال تعليق