PNGHunt-com-2

رؤية الناقد سيد جعيتم لنص الأديبة تغريد بومعي (أسير ضالته)

رؤية الناقد سيد جعيتم لنص الكاتبة والمترجمة اللبنانية  تغريد بو مرعي "أسير ضالته"

نص جميل للأستاذة تغريد بو مرعي، أعتبره خواطر أدبية بامتياز، أبدعت أستاذتنا في اختيار المفردات، والمرادفات اللغوية بلغة عربية فصحى.
عنوان النص أنبأنا عن أسير لضالته، والضالة هنا ليست الشيء التائه ،لكنها ما حدده ويصبو إليه ويريده الأسير، وإن كان لا يملكه، ولم يكشف العنوان النص وهذا نجاح للكاتبة فقد أفلحت في أن نظل منتبهين لنتعرف على ماهية هذا الأسير .

تدخلنا الكاتبة مباشرة في زلزال يجب تلافيه بالتحرك الواعي فقد أصبح الانتظار  دون جدوي بعد سقوط أرصفته، ودعوة للخروج من التخصيص على فئة أو مكان للتعميم، فلا أرصفة للانتظار في أي مكان.
ومحور الموضوع  هو أسير ضالته الذي ارتدى المجد الزائف كرداء فسقط بين حطام، تشعبت  تمزقات أوصالها ، و هنا إسقاط على الإنسان الذي أفسد في الكون وباتت نهايته وشيكة ونهاية كونه قريبة .

والرحم هنا هو الكون، الذي أفسده هذا الواهم بوهمه فأوجد أسبابًا للفرقة وقطع الأرحام، بل جعل الرحم عقيمًا لا يقدر على أداء وظيفته في التناسل والتراحم، وهنا تكمن المأساة أو التراجيديا التي ترمز لفقد المكان والمكانة.
ويزاحم الأسير عنصر الترقب المتمثل في شيطانه المنشغل في تدبير المكائد،  والذي يترقب أن تحين الفرصة ليخرج الأسير من عقيدته، كما سبق وأخرج أبويه من الجنة.

المكيدة جعلتها الكاتبة كائن حي، فأنجبت مولودًا نقدر له أن يكون أضحية قبل أن يولد، فوُلد ذبيحَةٌ لن تعمر بل سقطَتْ خرابًا منفصمة ومضطربة نفسيًا، لا تميز الواقع وتسيطر عليها التخيلات والهلاوس، ومنفصلة عن الواقع مرتبطة بالأساطير وخرافات الأوليين الخارقة والغريبة، وهي أحداث تاريخية غيرتها الذاكرة مع مرور الزمن وأضافت إليها .

وقد ربطت الكاتبة رمزيًا بين نظرية الانفجار العظيم البينغ بانغ ونظرية نشأة الكون وبين سفر التكوين، فهل قصدت بالترميز بين نظرية الانفجار العظيم وهي نظرية تخيلية مستندة على بعض الحقائق العلمية وسفر التكوين على أنها أساطير، أعتقد هذا، أو هذا ما استنتجته...

وكما نقول في بعض أمثالنا الشعبية عن الكلام غير الجاد كلام الليل، فقد أشارت الكاتبة لوهم أحداث التيه  بل سمّته خرافة تشابكت ذراتها مع طبيعة الليل الذي جعلته سرمديًا طويلاً قد لا يكون هناك نهارًا بعده، والتيه هنا ليس بمعنى أن يضل الإنسان طريقه، لكن  قصد به تيه بني إسرائيل .
فكل الأحداث الماضية وهمًا وما يحدث الآن من معتقدات وهمًا، مرتبطين بطقوس تقام اعتباطًا مستندة على رموز دينية، وخرافات التصقت برحم الطيف والخيال والجنون، خاصة أن المسام قد تبلّدت ولم تعد تفرز وتطرد سموم الفكر وتستبدله بالحقيقة التي حاول البحث عنها في كفه، وهي إشارة إلى أنه لا توجد حقيقة وإنما تنجيم مسيطر على المعتقدات، فظل بطلنا أسيرُ ضالّتِهِ.
تحياتي للكاتبة وأحييها على لغتها واختيارها للمرادفات، وإن كانت نظرتها للحياة أنها وهمية و قاتمة، وأنوار نظرية أو أسطورة لن يتفق عليها اثنان، لأن البشر منقسمين ومتفرقين لشيع ومذاهب مختلفة، وغالبًا اختلافهم يؤدي لدمارهم
كُلّ وَهْمٍ اتّسَعَتِْ انقِساماتُ أصابعه حتّى تفَرّقَتْ إلى أحزابٍ وَشِيَعٍ.   
  كلّ وَهْمٍ في طريقِهِ إلى كلٍّ مِنّا.

أعتقد أنّ كل من يقرأ النص سيقف أمام الإشارات والرموز الخاصة بالنصوص الدينية التي صاغتها بأسلوب فيه بعض الغموض لشحذ فكر القارىء،  وسيخرج برؤية مختلفة بناء على تذوقه ومعالجته.
سيد جعيتم - جمهورية مصرةالعربية

وفيما يلي النص

أسير ضالّتِهِ
تغريد بو مرعي

سقطَتْ أرصفةُ الانتظار،وأنتَ المُذنِبُ الأوّلُ وأنتَ المُتسَربِلُ بينَ الحُطامِ والحُطامِ،كشرخٍ تَشلّعَتْ أوصالُهُ.
  كان الوهم قد فرّقَ رحمَ العجزِ،وأثارَ جدَلاً تراجيديًّا غيرَ مَفهومٍ
   وكان التّرقّب وقتذاكَ مُنشغِلاً في تدْبيرِ المكائدِ ، يُولدُ منها ذبيحةٌ سقطَتْ خرابًا.
الانفصام كان أبعَدَ مِن أن يلتقِطَ حبلهُ السّرّي، ويربطُهُ بما يناسِبُ أساطيرَ الأوّلينَ
    كمن راهَنَ على ليلةٍ ظلماء، وبينَهُ وبينَ البينغْ بانغْ سِفرُ التّكوينِ
    كلّ وَهمٍ أقيمَت على جنباتِهِ فيزياء الليل،وتشابكت ذرّاتهُ ليخرِجَ مِن سرمدِهِ خرافةَ التّيهِ.
   كلّ وَهمٍ اتّسعَت انقساماتُ أصابعه حتّى تفرّقَتْ إلى أحزابٍ وشِيَعٍ.   
  كلّ وَهمٍ في طريقِهِ إلى كلٍّ مِنّا.
     ذاكَ القائِمُ على اللاشيء،ذاكَ المَرئيّ واللامرئيّ،ذاكَ المُرهَقُ بالطّقوسِ والرّموزِ واللعَناتِ.
   فلتصغِ لأصواتٍ موسومةً بالتّيهِ الأبَديّ،ولتصغِ لخرافَةٍ التصقَت برحِمِ الطّيفِ.
   كان مِنَ الصّعبِ أن يَبْصُقَ التّبلّد عِرْقَ مسامهِ،وكان مرارًا يقرأ كفّهُ المُصدَّع بالسّهوِ واللهوِ،حتّى حينَ مزّقَ وجهَهُ في زحْمةِ الليلِ، كان واضحًا أنّهُ أسير ضالّتِهِ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي