PNGHunt-com-2

قراءة الناقد محمدمندور متولي لنص الأديبة تغريد بومرعي (نص مهمل)

قراءة بقلم الناقد والأديب محمد مندور متولي - مصر.
في نص الشاعرة والمترجمة اللبنانية تـغـريـد بـو مـرعـي
نصٌّ مهمَلٌ

ها هوَ نصٌّ آخرُ مُهمَلٌ
كفرْدةِ حِذاءٍ رثّةٍ مغشِيّ عليها بين الرّكامِ!
وَها هيَ أصابِعي تنقلُهُ إلى منفىً آخرَ،لعلّ شاهدَ قبرٍ يلْتقِطُهُ وَيضمّهُ إلى التّرابِ!
عبثاً يمتطي صهوةَ التّفاصيلِ المُمِلّةِ فتلوذُ بالصّمتِ مدافِنُ الموتى،وَتحفر في نتوءِ كفّها تضاريس السّرابِ!
ها نحن معًا،
نتراقصُ على وشوَشةِ الرّملِ والحصى، كفراشتينِ خرافِيّتينِ تتسكّعانِ في مدنِ الغيمِ والضّبابِ!
ها أنذا مرّةً أخرى،أجرجرُ النّومَ الغارقَ في مقبرةِ النّصّ!
ها نحن نتمدّدُ كالمجانينِ على مطرِ السّحابِ،نموءُ بالعطشِ، وعرقُ السّماءِ يملأ شجرَ الرّوحِ قصائِد حالمة!
مازالَ النّصّ في عشّ النّسيانِ،
مازالَ مُهملاً في غبارِ الظلّ وسوقِ النّخاسينَ!
مازالَ يجلِسُ على الرّملِ والحصى يُدخّنُ تبغ أوهامه وخيالاته!
وما زلتُ في وسطِ النّصّ، أتجوّلُ مثقلةً بهذياني،أنزف كالشّعراءِ، وأتصحّرُ في موتي!

بقلم: تغريد بو مرعي
....
تتجلى الصور ورمزيتها في تحقيق الغاية الأساسية لنص نثري يمتلئ بالتشبيهات. فالحذاء الذي ينتعله البشر يمثل قمة الدونية لأنه حتى وإن غلا ثمنه وارتفعت قيمته، فهو في النهاية مجرد قالب مفصل لعضو من أعضاء الجسد يحمل في قعره وسخ الطريق ، تعلق على جلده رماد الأرض وطينها،  ومع الزمن يبهت لونه، وتتعطل وظيفته مهما كانت حالته الجيدة عند شرائه، لم تكتف الكاتبة بتشبيه نصها المهمل بالحذاء العطب بل جعلت منه حالة يحزن من أجلها القارئ الفاحص، فبالإضافة إلى كونه  كالحذاء البالي بين حطام الدنيا؛ قد يكون أقرب إلى رجل أرهقته همومه فأغشي عليه منها. أما عن المعنى الجمعي فهو ينعكس بالدلالة على المجتمع ككل لكأنها تكتب لأموات، حروفها مجرد عبث ولهو فارغ لا يُلتفت إليها، رغم وجود هذه الذروة الوصفية نجد وازع الكاتبة النفسي في التغيير يحركها، تجاهد بنقل نصها إلى( منفى) آخر،  إذن هي نظرة تشاؤمية عابسة للعالم، تراه كله سجنًا كبيرًا، وكأنها تقول لو رغبت في انتشال نصها من وجهة لا بصيص فيها لن تجد إلا ظلاما أكثر حلكة في الوجهة الأخرى، فالنقلى تكون هنا من الاحتضار إلى القتل الرحيم، بمعنى أن نصها المهمل الذي يعاني سيدفن بأوجاعه رحمة به من عالم يخنقه.
..
نص دفين الثرى معتل الجانب، يكتب باطنًا مهلهلًا، تفاصيله من وهم، إن نبشته نبشت سرابا. تتلاقى أفكار من يكتبه مع عبثيته، يبتلع ذاتًا بشرية بائسة، فيتخيله كاتبه كروحه المسلوبة، فيتراقصان سويًا على جثتيهما في مدن يسودها العمى، فيرتفعان عن البشرية بقبحها وآثامها يداعبان السحب لتمطرهما قصائد مغناة تسري عن واقعهما التعيس، فيحلمان بمعاني تلك الأبيات المفقودة.
..
تعود الكاتبة من جديد لتؤكد على نسبة نصها لفئة النصوص المنسية بصور انعكاسية مختلفة، فهو لا يزال يقبع في ( غبار الظل) أو ( سوق النخاسين) كما تقول،  تجسده بالآدمية المنعزلة، تسايره بشخصيتها المهتزة .
...
ما سبق هو محاولة لفهم ما يحمله النص من تراكيب صعبة على القارئ، تحتاج لجهد جهيد لفك ترميزاته وتشبيهاته، إلا أننا من خلال النظرة العامة لمفهوم العمل أدركنا أننا نتحدث عن نص متروك مهمل كما كشفه العنوان، أما عن اللفظ اللغوي لاشك أن الكاتبة تتمتع بلغة قوية، ربما تحتاج الصورة الواصفة لشيء من الواقعية حتى يتسنى للمطلع العابر أن يربط بين المعنى المراد والتأويل في سهولة ويسر.
...
في الأخير الإبداع ليس طفرة ناتجة في ظرف خاص، الإبداع موهبة تراكمية تأتي بغير المألوف أو هو دهشة المألوف، والتعبيرات المتتابعة المكثفة هنا، دفقة شاعرة وروح تنزف على أسطر تحييها القصائد الحالمة فقط.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي