PNGHunt-com-2

مدن الذاكرة : الشاعرة مي عساف

"مدن الذاكرة"

في مدن الذاكرة
أعانقُ أحلامي ..
أتجوّلُ معها في طرقاتٍ مكتظة بالخيبات..
أحاورُ أطيافاً تسكنني منذ ألف
حريقٍ وظنون ..
أرقبُ أحلاماً تهاوت رغم كلَّ
ما شيّدتُ لها
من صروح المعاني
دوّنتها بحبر روحي
وماء الذهب ..

أصغي لبقايا بوحٍ
يتأرجحُ بداخلي
بين شتاء الحسرة
و خريف العتب..

صامتة شوارعها
وثرثارة جداً مواجعي
في منعطفات السكون ..
عاجزة أن تخفي
حديثَ العيون
ودمعَ الهدب..
  ♡
وأنا ..
صلصالُ عشقٍ
غيمةُ نور ..
لا تشبهني الأماكنُ المعتمة ..
لا تشبهني غاباتٍ مزروعة بخاويات الأشجار وفارغات السنابل ..
لايشبهني ظلامُ الكهوف
تقلّبُ الريح..
تنمّرُ النرجس ..
ولا خمر العنب
لا يشبهني
نافخُ الكير ..
صانعُ الجروح
على حين غدرٍ
أو على حين غضب..

لذاكرةِ المطر  أنتمي
لعطاء الزرع
لتسامح القلوب ..
لأشرعةِ الحنين
في سفنٍ مهاجرة
لدموعٍ طالما عانقت
انكسارَ مظلومٍ
وخيبةَ عاشقٍ
وحزنَ طفل ..

أنا يا مدن الصمت
يا....كلَّ أنين الذكريات
أنا تلك النخلة الصغيرة
زرعها والدي في حديقة الدار
أنا تلك الداليا التي تسلّقت قلبَ أمي فأزهرت و أينعت وعرّشت بنبضها الدافىء 
في كلِّ المواسم
حنيناً وعطراً وشغب..
أنا تلك اللوحة التي رسمها أخي على جدران الحديقة
فما اكتملت
إلا ببسمتي
وضحكات الصبا
وحكايا المساء
مع بريق نجمةٍ
مع ذاك الشهب

أنا تلك البركة تحفظُ في قعرها كلَّ الصور والذكريات
فتسمع من خريرها
ضجيجاً و من شبابيك
المودة قربها ..
مواويلاً وصخب..

ألا يا مدنَ الذاكرة
العابثة في رأسي
ألا تذكرين؟
أنا في الشتاء ذلك الموقد..
أنا لكانون كلَّ مواجعِ الحطب

رحيقُ المحبة القادم
من عطر نيسان أنا ..
فأيُّ زمنٍ أخافُ وأخشى ؟
و أكسير الحياة
مازال طفلاً يلهو
في واحات قلبي
رغم كلِّ الهزائم
والمواجع والتعب
يهديني بسملةَ الربيع
دهشةَ الندى    ضحكةَ القمر
بريقَ أمنيات..
وعودَ مطر..
بسمةَ نايٍ ..  وبوحَ قصب..

من ديوان
"أنين القصب"
Mai Assaf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي