PNGHunt-com-2

رؤية الأستاذمحمدعرفة (لم نفقد عزيمتنا) لنص (قلتها يوما) للقس الشاعر جوزيف إيليا

لم نفقد عزيمتنا
---

تحت هذا العنوان الجميل المشجّع قام الأستاذ محمد عرفة مشكورًا بدراسةٍ توضيحيّةٍ حول قصيدتي "قلتُها يومًا"
فله محبّتي وكلّ التّحيّة عليها ولكم أيضًا وأنتم تقرؤونها
---
القس جوزيف إيليا
٢٠ / ٥ / ٢٠٢٤
----

قرأت نقدًا، وهو في الحقيقة إطراء لقصيدة الشاعر القس چوزِيفْ إِيلِيَّا كتبَهُ الناقدُ الحصيف عباس الصهبي الذي طَوَّفَ من خلاله بدوان الفخر العربي منذ العصر الجاهلي وصدر الإسلام وعصور الدول الإسلامية ( الأموية - العباسية - الأندلسية ) حتى ذكر أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأبا القاسم الشابي، وذكر أبياتًا من كل عصر أشار إليه.

استمتعت بالنقد من رجل أكاديمي سَخَّرَ علمَهُ لإلقاء الضوء على القصيدة، وأشكره على ما أفادنا به لكن الحق والحق أقول إنه قد تخطى شعور المواطن العربي البسيط عندما يقرأ مثل هذه القصائد، والشاعر لم يقصد الفخر الجمعي إنما قصد العزيمة والإصرار والشعور بالذات لدى كل رجل عربي لم يتخل عن عروبته ورجولته، ولم تُثْنِهِ الغربة ولا مَن غَرَّبَه عن قول سديد يعبر به عن ذاته وعزيمته وثباته على المبدأ القويم، ومعرفته بقدر نفسه وما لديه من كنوز مطلوبة فيها من درر المعاني وجواهر الكلمات ما لم يَمْسَسْهُ زيفُ المنافقين المزيفين.

بدأ القصيدة بقوله:
قُلْتُهَا يَوْمًا: أَنَا لَا أُهْزَمُ
بدون أن يترك للقارئ أيّ فرصة للسؤال عما قال، قال: أنا لا أهزم.
بدون مراوغة ولا مماطلة ولا استطراد، وبدون أن يترك ذهن القارئ للسؤال عما قال، قال: أنا لا أهزم.
جملة فيها إصرار وعزيمة على النصر، فيها طرد لليأس والاستسلام، والذي آمن بكونه لا يُهزم عَرَفَ أنه منتصر إن تقدم ولم يتراجع.
يقول:
وَنَشِيدِي صَارخٌ لَا يُكْتَمُ
والصراخ الصياح بشدة وهو دلالة على العزم في إيصال صوته لمن يريد من الناس ( لا يكتم ) نفي الكتم تأكيد على عدم الخفاء، وهو كناية عن مقدرته على إيصال صوته وعجز الذين لا يريدون له الظهور أمام قدرة الشاعر الكامنة في ذاته على ايصال صوته لمن يريد.

انتقل الشاعر لبيان أن شر الأشرار قد هاج واشتد، وأن نيران شرهم لا تزال موقَدَة.

اضْطَّرَمَتِ النَّارُ الْتَهَـبَتْ اشْتَعَلَتْ، مَازَالَتِ النِّيرَان تَضْطَرِمُ
يقول:
وَالَّذِي أَوْقَدْتُهُ مُتَّـقِدٌ  ** وَالَّذِي أَطْفَأْتُ لَا يَضْطَرِمُ
ذاك كلام رجل حكيم أخمد نارًا - خصومات - لا ينبغي لها أن تشتعل، وأشعل نارًا - خصومات - لازالت مشتعلة ملتهبة.
ومن الخصومات التي لم تخمد نارها معركته مع الذي قال عنه:
وَالَّذِي عَنْ نَجْمَتِي أَبْعَدَنِي ** قَدْ تَـنَاءَتْ عَنْ سَمَاهُ أَنْجُمُ
فهو أبعدني عن نجمة واحدة كانت سببًا في بُعْدِ نجوم عديدة عن سمائه أينما حل وأينما ارتحل بينما نجمة شاعرنا رافقته في غربته كما سنعرف من البيت التالي.
يقول:
لَمْ أَزَلْ أَمْشِي عَلَى أَرْصِفَـتِي ** مَا هَوَتْ لِيْ فِي مَسِيرِي قَدَمُ
الأرصفة كناية عما اختطه الشاعر لنفسه للسير عليه طوال حياته.

وها هنا الشعور بالنصر وعدم الهزيمة إذ ارتحلت معه أرصفتة التي تنسب إليه،  - أو قل خططه التي اختطها لنفسه - لأن الأرصفة الطرق المؤدية إلى الغايات الموصلة للأهداف، وسيظل يمشي على تلك الأرصفة ما دام يهوى في مسير حياته المشي عليها، وكنى بالقدم عن الذات كاملة.
وهو كما قال في البيت التالي ما زال معطاء لمن ادخروا فيه رجاءهم، وعلقوا به آمالهم حيث أعطى لنفسه صفة البيدر - الجرن - الذي تجمع فيه السنابل، ويؤخذ منه الحب.
يقول:
وَأَنَا مَا زَالَ ثَـرًّا بَيْدَرِيّ ** وَشِفَاهِي لَمْ تَزَلْ تَـبْـتَسِمُ
والثَّـرُّ: كثير الخير والفائدة للغير الذي لا يُقصر خيره على نفسه، ويستأثر به وحده بل يبذله بسرور وشفاهٍ مبتسمة.
وأكد أنه طيب الأصول والأعراق مَن أراد الطعن فيها لا يسلم، يقول:
وُتُخُومِي لَمْ أَزَلْ أَحْرُسُهَا ** مَنْ أَتَاهَا غَازِيًا لَا يَسْلَمُ
والتخوم الحدود الفاصلة بين الأراضي، وهي أيضًا: طيب التخوم: طيب الأصول والأعراق ما زال حارسًا لها قادرًا على رد المعتدين عنها خائبين غير سالمين.
وكنى بالتخوم عن القيم والمبائ التي يدافع عنها، وعن الأهداف والغايات التي يرمي إليها، وأنه منتصر رافع لواء النصر ورايته، يقول:
عِشْتُ حُرًّا لَمْ تُحَاصَرْ لَفْظَـتِي ** وَعَلَا لِيْ فِي حُرُوبِي عَلَمُ
لم يستطع أحد أن يمنع المدد عن قولي - لفظتي - ويقصد أن الداعمين له لم يتخلوا عنه، وأنه قادر على كسر الحصار، وأن علمَهُ يرفرف عاليًا في حروبه التي دخلها.
يقول:
أَنَا مَنْ صُغْتُ زَمَانِيْ دَفْـتَـرًا ** فِيهِ مَا زِلْتُ بِلَوْنِي أَرْسُمُ
متمكن تحكم في زمانه، وجعله طوع أمره بلا إرادة مثل الدفتر يلون فيه صاحبه باللون الذي يشاء، والفنان الرسام، والشاعر الفنان كلاهما يرسمان، أما الأول فيرسم بريشته صورة للعيان، والثاني يرسم صورة في الأذهان.
والشاعر لم يغتصب حق أحد، ولم يستحوذ على أرض طائلة لكنه يدفع فقط عن داليته الصغيرة المحدودة، وهي: قطعة الأرض الصغيرة تُسْقَى بالدلو، ويمكن أن تكون الدالية شجرة العنب، وأيًّا ما كانت فهي كناية عن شيء محدود يملكه ويدافع عنه، يقول:

أَطْرُدُ السُّرَّاقَ عَنْ دَالِـيَـتِي ** وَحَصًى وَجْهَ الدَّيَاجِي أَرْجُمُ
وكنى بالدالية عن شيء معنوي يدفع السراق عنه الذين يريدون أن يُفْقِدوه إياه، وبحصى الكلمات يرجم الظلام الذي يريدونه أن يعيش فيه، ليتثنى له التمسك بالقيم والأخلاق والعادات والتقاليد التي تربى عليها.
يقول:
لَمْ تَـزَلْ قَافِـيَـتي رَاقِصَةً ** صَوْتُهَا فِي كُلِّ سَمْعٍ نَغَمُ
لا يحتاج لشرح كي لا يفقد معناه، فأي شرح له سيعجز عن تقريب مراد الشاعر للقارئ.
يقول:
وَكُـنُوزِي لَمْ تَـزَلْ مَطْـلُوبَةً ** وَأَنَا لِلزَّيْفِ لَا أَسْتَسْلِمُ
ولما كانت كنوزه حقائق وقيمًا وأخلاقًا ومبادئ عليا طُلِبَت في الزمن الماضي، وما زالت تطلب في الوقت الحاضر، فكلامه درر ونظمه جواهر خالصة نقية لن يستبدلها بكلام مزيف مهما كانت المغريات.
وهذا هو البطل الذي يُبْطِل اعتداء المعتدين، ويردهم على أعقابهم خائبين، وهو ثابت في مكانه، يقول:
بَطَلًا أَحْيَا وَفَوْزِي دَائِمٌ ** وَسِلَاحِي كَـلِمَاتٌ وَفَـمُ

وهكذا يكون البطل لا يفقد عزيمته ولا رجولته يحالفه الفوز دائمًا، ويظل متمسكًا بالقول السديد، وسلاحه الكلمات، وآلته الفم.

لا فض فوك حضرة القس جوزيف إيليا
ودمت ودامت قصائدك العصماء
أعتذر عن ذكر التوريات الواردة بالقصيدة لأن شرحها يحتاج وقتا أطول في الإعداد
محمد عرفة

++++++++++++++
أترككم مع القصيدة لتستمتعوا بها:

قُلْتُهَا يَوْمًا: أَنَا لَا أُهْزَمُ ** وَنَشِيدِي صَارخٌ لَا يُكْتَمُ

وَالَّذِي أَوْقَدْتُهُ مُتَّـقِدٌ  ** وَالَّذِي أَطْفَأْتُ لَا يَضْطَرِمُ

وَالَّذِي عَنْ نَجْمَتِي أَبْعَدَنِي ** قَدْ تَـنَاءَتْ عَنْ سَمَاهُ أَنْجُمُ

لَمْ أَزَلْ أَمْشِي عَلَى أَرْصِفَـتِي ** مَا هَوَتْ لِيْ فِي مَسِيرِي قَدَمُ

وَأَنَا مَا زَالَ ثَـرًّا بَيْدَرِيّ ** وَشِفَاهِي لَمْ تَزَلْ تَـبْـتَسِمُ

وُتُخُومِي لَمْ أَزَلْ أَحْرُسُهَا ** مَنْ أَتَاهَا غَازِيًا لَا يَسْلَمُ

عِشْتُ حُرًّا لَمْ تُحَاصَرْ لَفْظَـتِي ** وَعَلَا لِيْ فِي حُرُوبِي عَلَمُ

أَنَا مَنْ صُغْتُ زَمَانِيْ دَفْـتَـرًا ** فِيهِ مَا زِلْتُ بِلَوْنِي أَرْسُمُ

أَطْرُدُ السُّرَّاقَ عَنْ دَالِـيَـتِي ** وَحَصًى وَجْهَ الدَّيَاجِي أَرْجُمُ

لَمْ تَـزَلْ قَافِـيَـتي رَاقِصَةً ** صَوْتُهَا فِي كُلِّ سَمْعٍ نَغَمُ

وَكُـنُوزِي لَمْ تَـزَلْ مَطْـلُوبَةً ** وَأَنَا لِلزَّيْفِ لَا أَسْتَسْلِمُ

بَطَلًا أَحْيَا وَفَوْزِي دَائِمٌ ** وَسِلَاحِي كَـلِمَاتٌ وَفَـمُ
---

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي