بطاقة تهنئة الى جناب السلطان : الأديب كريم القاسم _العراق
بطاقة تهنئة الى جَناب السلطان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ ...
بمَا مَضَى أمْ بأمرٍ فيكَ تَجديدُ)
- مباركٌ لكم سيدي السلطان في تَسنُّمكم مقاليد البلاد ومصير العباد .
وكل عام وسلطاننا والأمَّة من عارٍ الى عار .
ياسيدي المُبجَّـل :
كعادتي ... في كلِّ مناسبة عيد أزفُّ اليك حروفي وبقايا من نشيد ...
وأَعلمُ أنني كالنافخِ في قِربة مثقوبة ، فلا أنت من الذين يملكون آذاناً صاغية ، أو قلوباً واعية ، ولا أنت بداهية .
فأصبحتُ محتاراً في أمري ؛
كيف اُقدِّم بين يديك مفاتيح التهنئة لهذا العام ؟ لأنك الوالي المُعَظَّم ،ولأنك التاج المُرصّع بالهوان .
كل عام تتشرف سجادتكم الحمراء بسنابكِ أحذيتي اللعينة ، ويتشرف جنابكم بطلعتي أمام طلعتكم الكريمة ، لتنفث شفاهي حروفاً قد تُدخِل النشوة والسرور على مسامعكم العليلة .
كم تمنيتُ ياسيدي المُفَدّى أن أفرحَ في مقدمكم العتيد ؟
وكم تمنيتُ ياسيدي المُبَجَل أن لا أقف مُهَـنِـئاً في طوابير العبيد ؟
وكم تمنيتُ ان أفهمَ ــ ككل شعوب الأرض ــ فلسفة السطان الجديد ؟
لكنني ماوجدتُ غير فلسفة قطع الارزاق من الوريد الى الوريد !!
وماوجدتُ غير فلسفة الخوف من خرافٍ وسنينٍ عِجاف، وذبح لقمتي من جديد !!
ياسيدي السلطان :
انا الذي تجذَّرَتْ في هامتي ألفُ نخلةٍ ونخلة .
أنا الذي هامَتْ الأطيار فوق فراتي .
إبراهيم أَشرقَ كالصبحِ ِ في ظلامي .
عليٌّ توسَّدَ محراب صلاتي .
الحسينُ حاضراً في الأحداق .
ومازلتُ اتوضأ بالظمأ مِن فراتي كلَّ يوم .
مازال الـجـُبُّ ساريّ المفعول ....
وإخوة يوسف في الجوار ...
وقمح يوسفَ في ذبـول .
مازالت أمّي تُرددُ المعوّذتين ، وأناملها تنخل النَصَب ، وأبي يُرتِـل البسمَلةَ والطواسين .
ما زال التنور يفورُ بخبزِ العراق ...
والجواهريُّ غادر دجلةَ ، فلا حمامة تلوذ ولا ماء ولاطين ..
(وحَـمدة) تُغني فوق ترابي ...
و(زينب) تُجاورُ فراتاً مُمَدَداً مُحتَضِرا ....
وفي نينوى أجنحتي بلا دَفيف ، واشجاري بلا رَفيف .
النخاسُ من عربِ الرذيلة ... باع َ خِمارَ مدينتي ...
ومن أجلِ عقيدة السلطان ... سُبيَتْ حبيبتي.
وهناك ... هي تغصُّ بالدمِ والجوع والدموعِ كلّ صباح.
ياسيدي السلطان:
حرائق الزيتون لا انطفاء لها ، وموت الياسمين بلا تشييع ولا أكفان...
حتى الهرَم الذي ما ركعَ يوماً بات مَغشياً عليه من فرط الهوان.
ياسيدي السلطان :
أنا الذي اُضَمِّـدُ جراح الوطن كلَّ حين قبل أن تُـدَنِسهُ كلابكَ المسعورة ..
وانتً مازلتَ ذباباً يُطنطنُ حول جراحي .
فأيّـنا كريم العيش ؟
وأيّـنا تنهيدة الأيام ؟
انا وانتَ كلانا في صراع ... مادام في العقلِ شراع .
يا سيدي المبجَّل :
لا تــنــبــطــحْ ، وإحذر الانبطاح ... كي لايكون (إلانبطاح) شعار المرحلة الجديد .
كفى ....
فاحَتْ فضائحكم ، فلا تجعلهُ شعار الوطن التـليد .
لاتجعلهُ قطعة َحلوى يشتاقها اطفالنا ، أو نشيداً تردده كل صباح سوحِ مدارسنا :
إنبطاحٌ ...... إنبطاح
ياسيدي :
اللصُّ عانقَ المئذنة ... يُكَـبِّـرُ في كل مساءَ وصباح :
(حيَّ على الإنبطاح)
الراقصُ فوقَ الدماء ، و سارقُ المال ، وقاتلُ البنين ، يدعون في كل صلاة :
( انبطااااااااااحٌ ........ نسألكَ ياربُ إنبطاح )
تَبَتْ اياديكم وتَبْ ، ماهكذا تجري الرياح .
ياسيدي السلطان :
سأقَـدّم شكري للخائنين وللخائبين ولجنابكم ... لأنكم بعتُم الوطن من المحيط الى الخليج.
لافرق عندي بينكم ... سوى انكم تجارٌ لبيعِ الكفن أو مصدر ضجيج .
ماعدتُ املك غير كلماتي ... قلمي ... دواتي ... ودينار يركع للدولار بلا خجلٍ كالحمار .
لاداعي للخجلِ .... فشعارنا جَمَلٌ وحمار ...
صار الشعب قبلتكم مِن غير سابق انذار ، وبات الشعب أنبوبة اختبار.
ياليتهم قرأوا حكاية الثعلب والحمار .
شكراً لك أيها السلطان...
فأنا مازلتُ أبتلعُ لقمتي بالهوان .
شكراً لك ....
في كلّ يوم أتَـقـيَّـأ ثورتي ، وعند كل صباح أتَـقَـيَّـأ نشيديَّ الوطني .
مذ طفولتي ، ما وجدتُ غير الكفن ... والنسر المكبَّـل بالجدار ، والسيف في سُبات ، وحاتم الطائيّ يُباع في الجوار، والشيخ يُـزَوِّرُ الحديث ، وطلقة الرحمة ِهدية لِمَن نطقَ أو أَشار ، والشعب ضمير مُستتر ، وانتَ الفاعل المرفوع فوق الرقاب ، وأنت الحِرزُ المنقوش على السِوار .
خوفي على فمي ، وذاتَ يومٍ قد أكون أبكما ً لا أنطق بالصلاة ، ولا أنطق بالنشيد الوطني ، أو بالهُتاف الى الشهيد ، أو أن أُلَبـّي كالحَجيج ... خوفاً من التاج المُرَصَّع بالهوان .
سأهمس في أذنيك ياسيدي السلطان :
بأنني .... ماوجدتُ في الوطن حتى الكَـفَـن .
شكراً لِمَن باع الوطن، وأَلبسَ شعبهُ ثوب الكَفَن.
سأنتظر الساعة التاسعة ، كي ترقص الشاشات من جديد ، فوق أشلاء الوطن التليد.
وستطأ احذيتي اللعينة سجادتكم الحمراء من جديد عندما يتَسَنّم عرشنا حاكمٌ بَليد.
والى الملتقى في عيدٍ جديد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقات
إرسال تعليق