PNGHunt-com-2

الخليل والنجيب في ضيافة أبي الحسن :د.مهند ع صقور

الخَليلُ والنّجيبُ في ضِيافَةِ أبي الحَسَنِ (4)

التَّرَاتِيلُ العِذَابُ في أدَبِ الوقوفِ على الباب

وَقفَةٌ تَأمُّلِيَّةٌ عَلى أعتَابِ مُقَدِّمَةِ الشَّاعِر الكبير نَجيب جَمال الدِّين , لملَحَمةِ الشّاعِرِ الذّرِبِ خليل فَرحَات الشِّعريَّةِ ( في مِحرَابِ عَليّ)

============== (4)

=============== (الرَّاهِبُ الإمَام)

(وَعَليّ هُوَ ذلِكَ البَطلُ المُوجَعُ المُتَألِّمُ , وَالفَارِسُ الصُّوفيّ , وَالإِمَامُ الشّهيدُ ذُو الرُّوحِ الَعميقَةِ القَرارِ التي يَكمنُ في مَطاويها سِرُّ العَذابِ الإلهيّ ..)
 
البُرفِسور الفَرنسي" كارّا ديفو"

كَأنِّي عَلى الدُّنيا لأنّكَ مُلهِمي
=============== أجرُّ ذُيولَ الفَخرِ كَالمارِدِ النَّمرِ
 
رَقيتُ رُبى النَّاسُوتِ ثُمّ سَبرتُهُ
============== وَطوَّفتُ بِاللاهوتِ شِبراً ورا شِبْرِ
 
لعَلّي أراكَ انزَحتَ قَيدَ قُلامةٍ
============== لِيبرُزَ بعضُ الظّنّ أو طيفُهُ السّرّي
 
فمَا كُنتَ في الكُنهَينِ إلاَّ هُما معاً
=============== وما كُنتَ إلاَّ ذلِكَ البَاذِخُ المُثري
 
وَمَا كُنتَ إلاَّ السَّيِّدَ الضَّابِطَ الدُّنى
================ عَجيباً غَريباً مُفرداً وبلا نِظْرِ
 

خَليلُ فَرحَات كانَ يَعرفُ أنَّهُ لا يُدخَلُ عَلى اللامَعقُولِ إلاّ بِجِنسِهِ , فَتَسَلَّحَ بِذَخيرَةٍ لا بَأسَ بِها مِنَ الجُنونِ وَدَخلَ , ولَكِنْ أيّ دُخولٍ كَانَ ذَاكَ .؟ وَالمَسَافَةُ تَطولُ وَتَطُولُ والأرضُ قَتادٌ , وَاللغَةُ رُغمَ فَخَامِتِها تَشكو القِصرَ والعَيَّ , والرِّحلَةُ إلى إمَامِ اللغةِ وَربِّ بَيَانِها , إلى حَضرَةِ ذَاكَ المُتَرَبِّعِ عَرشَ الزّمَانِ وَالمَكَانِ .!

وَلَقَد أصَابَ النَّجيبُ وَكَانَ مُخلِصَاً بِوَصَايَاهُ / النَّصَائِحِ لِقَارِئ مَلحَمَةِ الخَليلِ , وبَرَّاً بِهِ إذْ قَالَ لَهُ : عَلَيكَ أيُّها القَارِئُ أنْ تُهَيِّئَ نَفسَكَ لِكلامٍ هُو غَيرُ الكلامِ , وَأنْ تُتقِنَ طُقُوسَاً لا يَقُومُ بِها إلاَّ الكَهَنَةُ أو سَدَنَةُ الهَياكِلِ , وَأكثرَ مِنْ ذَلكَ فَهُنَاكَ رِيَاضَاتٌ لا بُدَّ مِنهَا لِلتَّذَوُّقِ الجَيّد وَهَذهِ لا تأتي عَلى سَطحِ الماءِ أو بِكَبسَةِ زرّ بل تَحتَاجُ لِجهُودٍ أشبَهُ مَا تَكونُ بِالمواجيدِ .

إذاً الصَّقلُ والتَّطهيرُ نقطةُ البَدءِ , وَمَهما عَلَتْ عَظَمَةُ المِحرابِ , وشَمَخَتْ , وَمَهما زَخرفَ الصُّنَّاعُ فيهِ وَنَقَشوا وَرقَشوا , فالمَهزَلَةُ كُلُّ المَهزَلَةِ إنَّما تقعُ عِندَمَا يُديرُ المُصَلِّي ظَهرَهُ إلَيهِ , وَكانَ عُمرُ فاخوري يَقولُ : أنَا أضمَنُ لكُم الكَاتِبَ الجَيِّدَ , فَمَنْ يَضمَنُ لي القَارِئَ الجَيِّدَ .؟
القَارِئُ الجَيِّدُ يَا سَيِّدي القَارِئ هُو : الذي (يَشتَلِقُ )  والاشتِلاقُ هُو لَفظٌ يُطلِقُهُ عَامّةُ النَّاسِ على لَونٍ مِنَ الفِطنَةِ الهَامِسَةِ التي تُلاحظُ بِعينِ عَقلٍ , لا عَينِ وَجهٍ , هُوَ هذا اللمحُ الموهوبُ لم أجِد شَيئَاً أوضَحَ للدَّلالَةِ عليهِ مِنْ لَفظَةِ الاشتِلاقِ فَقَنصتُهَا , وإلاَّ لو كَانَ القَارِئُ مَحرومَاً تِلكَ العَينِ التي بُؤبُؤهَا في الدِّماغِ ,  وقَصَرَ نَظرَهُ مثلاً في الآيَةِ التي يَتَوعَّدُ اللهُ فيها العُصَاةَ عَلى العَينِ المَعرُوفَةِ , فَقَرَأ ( كُلَّمَا نَضجتْ جُلُودُهم بَدَّلنَاهُم جُلُودَاً غَيرَهَا ) , نَعم لو اكتَفى القَارِئُ بِتِلكَ العَينِ المعرُوفَةِ لَوقعَ في مَعصِيةٍ تَهونُ عِندَهَا كُلُّ المَعَاصي الأُخرى  .

قُلتُ هَذا عَنِ الاشتِلاقِ لأُجَنِّبَ القَارِئَ مَتَاعِبَهُ معَ هَذهِ الرِّحلةِ إذا هُو تَسَلَّحَ بِبَعضِ السَّعَةِ , وَمَارسَ بَعضَ الطُّقوسِ ,  والرِّيَاضَاتِ , وتَغَلغَلَ في بَعضِ المَجَازاتِ , وكَانت لهُ حَضارةً في المُفرَدَاتِ ,  فَإن قَرَأتَ خَليلاً مُخَاطِبَاً الإمَامَ بِقولِهِ :

دَلَلتَ عَلى الرَّحمَنِ هلْ كُنتَ غَيرَهُ
  فَفيكَ استَوى الرَّحمانُ بِالفِعلِ والفِكرِ
 

لا تَأخُذَنَّ الكلامَ عَلى ظَاهِرِهِ , وَلا تَقِف عِندَ تُخُومِ الكَلِمَةِ المَرسُومَةِ , وَاذكُرْ أنَّ التَّأويلَ مِنكَ قَريبٌ , وَأبوابَ المَجَازِ مُشرَعَة المَصَاريعِ , وأوِّلْ مَا طابَ لكَ , وَلا تَرشقِ الرَّجلَ بِوَردَةِ شَكٍّ أو شِرك .

وَتأكّد أيضَاً يَا رَعَاكَ اللهُ , أنَّ النَّصّ كُلَّما كُتِبَ بِجُودَةٍ , كُلَّما احتَاجَ إلى عِلمٍ وَسيعٍ , وَذَوقٍ رَفيعٍ , وَعَقلٍ جَميعٍ , وَبَصَرٍ بِاللغةِ قَصِيٍّ حَديد , تتضَافرُ كُلُّها لِتَرفعَ الغِطاءَ عنهُ , فَيظهَرُ مَا فيهِ مِنْ رَواءٍ وبَهاءٍ وشَذاءٍ كما هو مَعروفٌ ومَشهورٌ عن مُحكَمِ التَّنزيلِ , حَيثُ النَّصُّ هُناكَ كُلِّيٌّ وَكَامل , كَمَا شَاءَ اللهُ مُبدِعُهُ الكَامِلُ فَكَان .

وَأيضَاً فَالقَارِئُ الجَيِّدُ يَا سَيِّدي القَارِئ  , هُو المُغتَسِلُ بِالحِيَادِ المُتَطَهِّرِ مِنَ الجُمُودِ السَّلَفيّ , واليُبُوسَةِ السَّبقِيَّةِ , الخَالِعُ عَندَ دَفَّةِ الكِتَابِ الأُولَى , كُلَّهُ لِيَلتَقيهِ عِندَ الدَّفَّةِ الأُخرى , النَّاطِرُ الذي كَانَ وَدَّعَهُ , وَيَسألَهُ عَن جَديدِهِ , وَمِنْ ثمّ يَدورُ بَينَهُما الحِوارُ الذي يَجِبُ أنْ يَدورَ , وَإلاَّ فَمَا نَفعُهَا القِراءة .؟ وَمَاذا أفَادَتْ.؟ مَعَ الأخذِ بِعَينِ الإعتِبَارِ نقطَةً في غَايَةِ الأهَمِّيَّةِ ألا وهِيَ : ليسَ كُلّ نَصٍّ يُقرَأُ يَجبُ إخضَاعَهُ لِهَذِهِ الحَنبَليّةِ , بِمعنى التَّشَدُّدِ اليَابِسِ لا أكثر , وَلا كُلّ كِتَابٍ تُقتَضَى لَهُ كُلّ هَذِهِ الطُّقُوسِ , وَلا كُلُّ هَذِهِ الطُّقوسُ تُستَخدَمُ في القِراءةِ , وَهُنا بالذَّات  فالأمرُ مُختَلِفٌ , والقَضيَّةُ جُوديَّةٌ , والغَايَةُ تَفوقُ العقلَ بملايينِ المرَّات , وكيفَ لا وهِيَ في حَضرَةِ إمامِ الأئِمَّةِ , وَربِّ البَيَانِ , وَصَاحِبِ النَّهجِ , أميرِ المؤمِنينَ ( عَليّ ) عليهِ السَّلام , مَن خَاطبَهُ نَبيُّ الرّحمَةِ مُحمَّدٌ يَومَ الغَديرِ : ( مَنْ كنتُ مولاهُ فَهَذا عليٌّ مولاهُ , اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ , وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ , وَانصُرْ مَنْ نَصَرَهُ , وَاخذُل مَنْ خَذَلَهُ , وَأدِرِ الحَقَّ مَعهُ حيثُ دَار )

شُهُبُ الوَلايَةِ مِنْ غَديرِكَ تَسطَعُ
================= فتَمسّ مُجدِبَةَ العُقُولِ فَتُمرِعُ
 
وَالبَيعَةُ الكُبرى وَميثَاقُ الهُدى
============== في يَومِ " خُمٍّ " : شَمسُها وَالمطلَعُ
 
وَلِـ" حَيدَرٍ " في الذّكرِ آيٌ مُحكَمُ
================== فَاللهُ يَتلو وَالخَلائِقُ تَسمَعُ
 
آيٌ بِهِ " طهَ " أتمّ رِسَالةً
================= في مَتنِها كُلّ الشّرائعِ تُجمَعُ
 
مَنْ كُنتُ مَولاهُ فَهَذا " حَيدَرٌ "
================== مَولىً لهُ وَإمامُهُ وَالمرجَعُ
 
يَا ربّ والِ مَنْ تَوالاهُ وخُذْ
============== بِيَدِ الأُلَى  صَدَقُوا الوَصِيَّ  وَبَايَعُوا
 
هِيَ حِكمَةُ المولى العَليِّ وَسِرُّهُ
================= تَمحُو وَتُثبِتُ مَا تَشَاءُ وَتمنَعُ
 
هَذا " غَديرُكَ " يَا " عَليُّ " وَهَذِهِ
================= أنوَارُهُ مِنْ كُلِّ أُفقٍ  تَسطَعُ
 
ذُو الحِجّةِ الميمُونُ ثَامِنُ عَشرِهِ
================= لِجَلالِهِ كُلُّ العَوَالِمِ  تَخضَعُ
 
يَا مَنْ أعَدتَ الديّنَ أبلجَ ناصِعاً
================ وَإليكَ عِشقَاً تَستَطيلُ الأذرعُ
 

بِقَلَمي

مُهَنّد ع صَقّور

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي