رؤية نقديةللشاعرعباس الصهبي في قصيدة (بكائية الورد) للشاعرجمال ربيع /مصر
🌹🌹🌹🌹🌹🌹
🌹 رؤيــــــــــــة 🌹
🌹 نـقـديـــــــــــة🌹
🌹🌹🌹🌹🌹🌹
كيــــــــــف نجـــــــح
شاعر مصر والعروبة الكبير/ جمــال ربيــع
بـ«إصـراره المتحدي»
علــــــــــــى
«أصعب القوافي»
في تجسيد "وعي الإصــرار العربي"
بقصيدته المُعْجِزَة:
«بُكَائِيَّــةُ الــوَرْد»!!
***************
🌹شاعر متفرد، يتفاعل مع كل الأحداث حوله؛ يكاد لا يكون لتقنية إبداعه مثيل في عصرنا!
وعندما تشرفت بلقائه، ومنذ سنوات، طالت الآن؛ وجدت نفسي تلقائياً، ومن واقع انبهاري بأشعاره؛ أقول له:
- أنت يا أستاذ «جمال ربيع» الشاعر الذي جاء «اسمه» حقاً على «المسمى»!!
وحين استفسر مني عن السبب؛ قلت له:
- هذا لأن شعرك فيه «جمال الإبداع» الذي منه سيبدأ طلوع فجر «ربيع شعرنا العربي المعاصر»!!
وعندما قابلته بعد ذلك، وأهداني أحد دواوينه الجديدة- وقتئذ- فإني ما أن ألقيت على الديوان نظرة سريعة، وتصفحته أمامه؛ حتى قلت له:
- يبدو أن «جمال ربيع الشعر» بك قد بدأ خلاص!!
ولم أكن في كل ما قلته "مجاملاً" لشخصه المستحق لكل "ثناء" حقيقي؛ بإنجازاته الشعرية المتلألئة بجمال متفرد في انتقاء جمالي: مُكثَّف، وخلَّاب، ومتفرد؛ لـ«قاموسه الشعري» الزاخر بـ«أجمل الكلمات» حتى تبدو القصيدة الواحدة عنده كأنها «عقد» مُرصَّع؛ يجمع اللؤلؤ إلى الماس إلى الياقوت، بل وإلى كثير من أجمل وأثمن جواهر كلمات لغتنا العربية الجميلة العبقرية!!
وقد أثبتَ لي، عملياً؛ بقصائده الأقرب ألفاظها إلى "الدرر" في شكلها الخارجي العام- وبما تفرزه بالطبع من المعاني المبتكرة الجديدة- أن أحد "أهم" مفاتيح إشراق «المعاني الجميلة» على القصيدة؛ وباختصار؛ إنما هي أصلاً: «الكلمات الجميلة»!!
ولعل من أجمل وأرق اشعاره؛ قوله((في وصف الطبيعة)):
«بالأمسِ قابلتُ المساءَ مودِّعًا
والصُّبحَ من بینِ التّخومِ مُفارِقي
الیومُ بعد اليومِ یرکبُ سکَّتي
وعلی حصانِ الوجدِ جاءَ مُسابقي
يطوي المسافةَ في دمي ببراعةٍ
ويَدُسُّ أوجاعي بجيبِ مَفارِقي
أنزلتُ ساعةَ حاٸطي ومسحتُها
وجلستُ في ميناٸها کالغارقِ
فهمستُ في أُذُنِ العقاربِ إهدأي
ياحُلوَتي لاتعجَلي بدقاٸقي»!!
وكذلك قوله((في شعر الحب والعاطفة)):
«في كلِّ مساءٍ تنقُرُني
بنتٌ ياقلبُ تحاورُني
إذ تدخل أوردتي غصبًا
بلهيبِ الشوقِ تحاصرُني
تتمشى داخلَ أفكاري
نيلٌ في صمتٍ يأثِرُني
إنْ غابَ العِطرُ تُعاتبُني
تلتفُ بروحي تبهرُني
وترشُّ بهاءَ أنوثتِها
كالصُّبحِ ضياءٌ تعبرُني
بحنانٍ يسبق خطوتها
بأنوثتِها تتسوَّرُني»!!
وأيضاً؛ قوله(( في شعر التأمل الوجداني)):
«قلبي اهتدى وسِكَّتي تأبى
من ذا الذي لي يؤنِسُ الدَّربا
على مشارفِ الرَّجا أمَلي
يسيرُ بي يستنهضُ الرّكْبا
لكنَّ شيئًا ما على قَدَمي
يجُرُّها خَلفَ الرَّجا غَصْبا!»!!
وقوله(( في رمزية شعر الحب)):
«نرجِسَةٌ
قابلَها عصفورٌ
يبحثُ عن نصفٍ آخرَ
غازَلَها
دخلت غرفتها
ألقت فوق أنوثتها
بعضَ مساحيقٍ من شنطتها
نزلت للبستانِ وكشفت عن ساقيها
رأت العصفورَ التَحَمَ بأخرى
مِنْ حُرقَتِها
صَرَخَتْ
صَرَخَتْ:
" خَرِبَ السّوقْ "»!!
ويعتبر الشاعر/ جمال ربيع في الواقع أحد أهم الشعراء المتميزين بـ«الغزارة الإبداعية»؛ فقد صدرت له حتى الآن «6» مجموعات من شعر الفصحى، هي دواوين: ((من حالاتِ شاعرٍ مغترب)): عن «دار الأديب» للنشر والتوزيع، عام 2018؛ و ((وللكلماتِ أشجار))، 2019؛ و ((بنتٌ على قلبي تسير)): عن «دار يسطرون»(الواحة) للنشر والتوزيع» بنفس العام، 2019؛ و(( علی جدار الصمت )) الفائز بحايزة النشر الإقليمي لمحافظة الجيزة،2021؛ ثم (( مالا يراهُ الناظرون )): عن«دار نادية للنشر والتوزيع»، 2023؛ وبعده (( طفلٌ من الورقِ )) عن «دار الجندي للنشر والتوزيع/ على نفقة إتحاد كتاب مصر»، هذا العام،2024.
وفوق ذلك مازال له «تحت الطبع» ديوانان:((إيماءاتٌ في الزمن الصعب))؛ و((العَطَش))!!
وأمام شاعريته العبقرية المُجَدِّدة المتجددة؛ تعودتُ معه عندما يخبرني بأنه سيتلو عليَّ إحدى أحدث قصائده؛ أن أجدني- وعلى الفور- أقول له:
- يللا، «هات الجمال» يا أستاذ «جمال»!!
ولذا؛ فعندما شرَّفني بالزيارة مؤخراً-في مرضي- وكان معه أحبائي: الشاعر والقاص والناقد الكبير/ عبد الله الخولي..«أمين سر «واحة الفكروالفن» بحلوان»؛ والشاعر الكبير/ خالد هلال.. «رئيس نادي قصر ثقافة حلوان».. والشاعر الكبير (الشهير بـ«شاعر الجبل) وكذلك بـ«شاعر الهايكو»/ عبد الله مغازي..
وجدتني، تلقائياً؛ أقول للشاعر الكبير/ جمال بك ربيع «جملتي المعتادة» لسيادته :
- «هاتِ الجمال يا أستاذ جمال»!!
فإذا بمعاليه يفاجئني بسماع «" جميلة جميلات" قصائده العبقرية» عن محبوبة "قلوب العرب جميعاً"؛ الآن: "غزة وفلسطين"..
وكان أول ما أدهشني في القصيدة إصراره على، «لزوم ما لا يلزم» للشعراء، وبالذات في عصرنا الحالي؛ من ناحية: الحفاظ على "قافية": «حرف الزاي بعده التاء المربوطة»، أحد أصعب معالم «الرويّ والقافية» في لغتنا الفصحى العبقرية، والتي لم يسبق- حتى الآن- لأحد من كل شعراء العروبة "خوضها" في أشعارهم «بكل هذا العدد الضخم» في نهاية أبيات قصائدهم الشعرية الرصينة!!
غير أنه بدا وكانه لم يُفاجأ؛ عندما سالته:
- لماذا بذلت كل هذا المجهود في قافية نعرف كلنا أنها في غاية الصعوبة؟!
فابتسم، وبنوع من الحسرة لا تخلو من المرارة؛ أجاب:
- يا صديقي، هذا أقل واجب نفعله، نحن الشعراء- من أجل «غزة وفلسطين»؛ فإذا لم يُتح لنا أن «نحتشد بأجسادنا» لنفتدي أهلنا هناك؛ فعلى الأقل- وهو اقل واجب- رأيت ضرورة أن «نحتشد بإبداعنا» نكتب، ونؤرخ، ونوثِّق مأساة جرائم ما حدث!
وبسرعة؛ أضاف:
- قد تندهش أكثر إذا عرفت أنني وجدت أبيات هذه القصيدة لوحدها تطول معي، وعلى نفس القافية التي تشهد انت بنفسك أنها في غاية الصعوبة؛ ليصل عدد أبيات هذه القصيدة، بالذات؛ إلى مايزيد على «ضعف عدد» هذه الأبيات؛ ولكن!!
- ولكن؛ ماذا؟!
- لم يعد الجيل الحالي، حتى من متذوقي الشعر، وعشاقه؛ يتحملون القصائد الطويلة؛ فضلاً عن أنني، إزاء ذلك «الإعراض العام»؛ شعرت بأني لو ألقيت في الساحات الشعرية هذه القصيدة بطولها الذي اختصرته؛ قد يبدو لبعض السادة المتلقين والنقاد كأن المسالة كلها، ومن أولها لآخرها؛ مجرد استعراض لــ«إبراز الصنعة» وقدرة ومهارة الشاعر على إبراز «حرفيته الإبداعية»؛ بدلاً من التركيز على «المضمون العروبي» في القصيدة؛ والذي هو برأيي أهم شيء في قصيدتي: «بُكائيةُ الورد»!!
وافقته، برأيه؛ وقد استحوذت القصيدة على كل اهتمامي؛ حيث بدأها بوصفه العبقري لـ«موقف» وحال إنساننا العربي أمام وقائع ما يحدث من قتل وتخريب ودمار؛ وبما يدعم ما ينبغي أن تكون عليه «الصورة النفسية "السوية" للعربي أمام نفسه "Image"»؛ إذ يؤكد أن إنساننا العربي وإن كان جسده خارج- غزة وفلسطين- إلا أنه مع كل أهلنا الأبطال هناك، وبكل روحه وكيانه؛ إذ يقول:
«كُلّي هُنا وأنا هُناكَ أشدُّني
فالجُرحُ يقضِمُ من شِفاهِ الطِّفلِ كَرزَهْ»!!
ما أروعه-حقاً- من مشهد افتتاحي «يتسع» لكل الطبيعة المحزونة المتألمة من حوله، حين يواصل قصيدته؛ قائلاً:
«والحقلُ أوثَقَ نفسَهُ ، بدموعِهِ
والماءُ غاضَ من التَّصَحُّرِ ضَلَّ أَرزَهْ
والجوعُ يمشي عابِثًا
مالم يكُنْ قد جازَ
جازَ
كأنّما الأهوالُ كَنزَهْ»!!
يستوقفنا هنا تعبيره المجازي والواقعي، بنفس القدر: «... مالم يكُنْ قد جازَ جازَ...»؛ فلا أحد في العالم، وبما في ذلك العرب؛ كان "يتوقع" «أن تصل وقاحة المأساة إلى هذا الحد الوحشي المنافي لأبسط القيم الإنسانية النبيلة»؛ ما يعتبر "كشفه" بهذا «التعبير الشعري» النابه، "دعماً" لصورة العربي المعاصر أمام نفسه، "والذي يُراد تحقيره أمام ذاته"؛ كما أن في هذا التعبير الشعري الصادق" نوعاً" من الاعتذار-وإن جاء متأخراً- لأهلنا في فلسطين وغزة..
ويواصل شاعرنا قصيدته، وبنوع من السخرية المؤلمة؛ من «الصمت العربي»:
«والصامتونَ يصفِّقونَ لكونِهم
ما انفَكَّ في أثوابِهم للريحِ غُرزَةْ»!!
ثم يقدم لنا الشاعر ما يراه من مشهدية «الصمت العربي» إزاء ما يحدث أمام كل العيون من كوارث؛ فيقول:
«غابَ البيانُ عن الكلامِ تخاصَما
الصَّدرُ في بيتِ القصيدةِ عَقَّ عَجْزَهْ
فشُجَيرَةُ الزيتونِ فوق خنوعِهم
ترنو لدقاتِ الثواني مُشمئزةْ»!!
«وألله عليك يا جمال يا ربيع» - هتفتُ بها في حينها- حين أضاف:
«الزعترُ المبدورُ فوقَ الأرضِ هَنَّ
ولم يَعُد يهوى - مع الأيامِ - فَرزَهْ»!!
(هَنَّ:«فعل».. هَنَّ هَنًّا، وهَنِينًا.. هَنَّ : بكى بكاءً مثلَ الحنين «معجم المعاني الشامل»)..
وبعد فاصل قصير- تنهال معه دموعنا- باعتبار «الزعتر» أحد رموز غزة وفلسطين والشام، وإهداره على الأرض «تلميح بإهدار القضية الفلسطينية العربية كلها»؛ يواصل الشاعر:
«قلبي من الألَمِ المُعَبأِ في فَمي
غادرتُهُ في أضلعي أعلنتَ عَجْزَهْ
يا أيها الوَجَعُ الذي في جُعبَتي
يُلقي جِراحًا في دِمي ويزيدُ وَخْزَةْ»!!
غير أن الشاعر غير المستسلم لكل ما يدور حوله من دمار؛ يعلنها صريحة: «عدم الاستسلام»؛ وبما يؤكده قوله:
«لن تستبيحَ موانعي وكرامَتي
مهما عَلَتْ بالكونِ ريحُكَ مُستَفِزَّةْ
أَو كنتَ صادقتَ الرَّصيفَ بشارعي
أو جاءَ غَدرُكَ بالطريقِ يُثيبُ جُرْزَهْ»!!
(أرضٌ جُرُز: أرض جرداء، لا نبات فيها، وانقطع عنها الماء فهي يابسة: «معجم المعاني الشامل)..
ويواصل بنا شاعرنا قصيدته؛ ليؤكد مدى الإصرار على مقاومة ظلم المعتدي، مهما حدث؛ فيقول:
«أو كنتَ قد أوجَعتَ قلبي مرَّةً
ولبابِ منزلنا اخترقتَ وَكَزتَ وَكْزَةْ
أو كنتَ خِنزيرًِا يعانقُ طينَهُ
بالمهملاتِ بشارعي يقتاتُ عَوزَهْ
لن تستريحَ على دمي لو لحظةً
إنَّ الفدا هو ساحتي والروحُ رَمْزَهْ»!!
وبتهديد الفرسان يواجه المعتدي المتوحش؛ على لسان غزة:
«الأرضُ تفرشُ نفسَها بطريقِنا
اعلمْ بأني هاهُنا لا زِلتُ غَزَّةْ»!!
ويشتعل وجدانه؛ لتشتعل من وهجه وجداناتنا العروبية كلها، فيعانق نبضنا صوت غزة البطولة:
«أنا غَزّةُ الولدُ الذي باعَ الهوى
ما بيننا والمُشتَهى للموتِ قَفْزَةْ
أنا غَزّةُ البنتُ التي فُستانُها
وقِماطُها صَبرٌ بهِ ، تقتاتُ خُبْزَهْ»!!
وهاهي غزة «لا تسكت فينا»؛ حين تواصل، وعلى ألسنتنا جميعاً، وقد بدا دفاعها عن نفسها جزءأً مما نريده لها، ومما نريد نحن أيضاً أن نقوله معها:
«سيجوبُ زيتوني البلادَ وزعتري
فجميعُ أرضي غاضبٌ سيُريكَ رِجزَهْ
نحتاجُ "موتًا كي نعيشَ" يضمُّنا
طينٌ كطينِ جلودِنا ويكونَ رِكْزَهْ»!!
حقاً؛ ما أروعه تعبيره: «نحتاج "موتًا كي نعيشَ"»، ما دام الموت صار قدراً مقدوراً على حياتنا؛ لينهي شاعرنا- البطل حقاً- قصيدته الشجية المؤثرة-حقاً- في قلوب العرب بكل مكان؛ صادحاً بأقوى نبرات القصيدة في ختامها القوي المتوعد:
«وبيوتُنا موشومةٌ بعبيرِنا
مهما تباعدنا لنا في الوصلِ هَمْزَةْ
وبكلِّ شِبرٍ في براحِ مدائني
- يا خائنًا - تجدُ القلوبَ تنِزُّ عِزَّةْ»!!
*****
ما أروعه شاعرنا المبدع الكبير/ جمال بك ربيع في رائعته الشعرية «بُكَائِيَّــةُ الــوَرْد»!! والتي كلما زدناها تأملاً نكتشف المزيد من جماليات مبنى ومعنى مضمونها الرائع الساطع:
(1) نجح الشاعر، فعلاً؛ في أن «يُبكي»، وبالدموع؛ «ورد الأصالة والشهامة والإباء» بداخلنا نحن العرب بكل مكان على ما آلت إليه قضيتنا العادلة!(فهل ياترى تنجح دموعنا المتساقطة بأعماقنا في أن تسقي بداخلنا هذه الورود، وترويها؛ لإنقاذ محبوبة قلوبنا الشجاعة الباسلة النبيلة، وبأي شيء؛ وقبل فوات الأوان؟!)!!
(2) نجح الشاعر، وبامتياز متفرد وحقيقي؛ في تقديم قصيدة، تُحفِّز الهمم والمقاومة والنضال، دون أن يستعين بـ«الخطابية الرنانة المعهودة» (والتي كثيراً ما تفشل في تقديم مضمون منطقي ومفيد للمتلقي)!
(3) وحتى عندما رأينا غزة الصمود ترفع صوتها، في نهاية القصيدة؛ لتؤكد عزتها وصمودها، بدا ذلك موقفاً «طبيعياً جداً» في مشهدية نهاية القصيدة!!
(4) استعان الشاعر بقاموسه الشعري الجمالي المتفرد في بيانه الشعري بالقصيدة، وبخياله العلوي المجنح؛ وكأنه يكتب قصيدة عاطفية رومانسية لنا؛ ما كان له تأثيره الأقوى في تأجيج مشاعرنا القومية النضالية أكثر مما تعودناه حتى في كثير من قصائدنا الحماسية المشهورة!
(5) أثبت الشاعر بتوظيفه المنطقي المتعقِّل، في القصيدة؛ لـ «المجاز» أن "المجاز"-وإن استعان وبالضرورة بلاغياً بالخيال- إلا أنه يمكن أن يكون الأقدر على «تجسيد صورة الواقع الحي» أكثر حتى من الكلمات التقريرية المباشرة!
(6) إصرار الشاعر على كتابة قصيدة طويلة، وعلى «قافية» صعبة «زة» تمثل وحدها: ثلثيْ اسم غزة يعتبر نوعاً من «التوفيق العبقري» للشاعر: 1- لأنه جعل اسم غزة يتردد في مسامعنا وأمام عيوننا على مدى «زمن القصيدة». 2- ولأنه بذلك يؤكد ضمنياً أن غزة لا يمكن أن تنتهي مهما طال العدوان والدمار والخراب عليها. 3- وجود الثلثين من اسمها متكرراً في نهاية كل بيت بالقصيدة، يؤكد بدلالاته المعنوية الضمنية قدرة غزة، ومهما فعل بها المجرمون- المتسترون بحجة دفاعهم الجبان عن أنفسهم- قدرتها أن تنتفض من جديد لتسترد كامل حقوقها العادلة.
(7) عندما أتأمل" المفارقة" في البداية الناعمة- شبه الرومانسية- في القصيدة:
«كُلّي هُنا وأنا هُناكَ أشدُّني
فالجُرحُ يقضِمُ من شِفاهِ الطِّفلِ كَرزَهْ»!!
ثم أقارنها بـ«النارية المفرطة» لآخر أبيات القصيدة:
«وبكلِّ شِبرٍ في براحِ مدائني
- يا خائنًا - تجدُ القلوبَ تنِزُّ عِزَّةْ»!!
أشعر بمدى حرفية هذا الشاعر الجبارة في حُسن استقبالنا الكريم «الهاديء» -بل شبه المتلطف معنا- ليقدم لنا إثر ذلك «أسخن مضمون شعري»؛ ما يكشف عن أولويات ودبناميات سيطرته على القصيدة، وإلى حد القدرة على التحكم والسيطرة، إثر ذلك؛ على مشاعرنا نحن المتلقين من خلال عمله الشعري المتدرج في إيقاظ وعينا بإصرار متزايد؛ حتى لا يكون بوسعنا التملص منه، خاصةً وأن كل بيت بالقصيدة يضيف لعقولنا- المتدرجة الصحيان- مزيداً من المعلوماتيات المثيرة عن الخطر القادم بعد كل بيت في القصيدة!
(8) هذا العمل الشعري المتكامل، بالذات؛ نرشحها لمن تهمهم أمور «الأمن القومي الحقيقي» لتكرار نشرها وإذاعتها بكل وسائل الإعلام؛ لأنها تكاد تكون "أقوى الردود" على محاولات «غسيل المخ العربي»، بما تنتهجه أبواق الدعايات المعادية للوجود العربي في كل منطقتنا العربية؛ عندما يواصل الاعداء تقتيل الأبرياء، وهم يعرفون أننا نرى بعيوننا، وعلى كل الشاشات؛ حالات الموت والذعر والدمار؛ وكأنهم يُخرجون لنا ألسنتهم؛ قائلين:
- «هانحن قتلنا أختكم أمام أعينكم، ولم تستطيعوا إنقاذها؛ فكيف ستنقذون أنفسكم منا عندما يجيء الدور عليكم»!!
༺༺༺༻༻༻
حقاً؛ قصيدة عبقرية «رائعة»، ولكن «الأروع» أن نقرأها، معاً؛ كاملة متكاملة:
༺༺༺༻༻༻
🌹قصيــــــــــدة 🌹
•••••••••••••••••
بُكائيــــــــــةُ الـــــــــوَرْد!!
*******************
شعـــــــــــر/ جمـــــــــال ربيــــــــــع
«كُلّي هُنا وأنا هُناكَ أشدُّني
فالجُرحُ يقضِمُ من شِفاهِ الطِّفلِ كَرزَهْ
والحقلُ أوثَقَ نفسَهُ ، بدموعِهِ
والماءُ غاضَ من التَّصَحُّرِ ضَلَّ أَرزَهْ
والجوعُ يمشي عابِثًا
مالم يكُنْ قد جازَ
جازَ
كأنّما الأهوالُ كَنزَهْ
والصامتونَ يصفِّقونَ لكونِهم
ما انفَكَّ في أثوابِهم للريحِ غُرزَةْ
*****
غابَ البيانُ عن الكلامِ تخاصَما
الصَّدرُ في بيتِ القصيدةِ عَقَّ عَجْزَهْ
فشُجَيرَةُ الزيتونِ فوق خنوعِهم
ترنو لدقاتِ الثواني مُشمئزةْ
الزعترُ المبدورُ فوقَ الأرضِ هَنَّ
ولم يَعُد يهوى - مع الأيامِ - فَرزَهْ
قلبي من الألَمِ المُعَبأِ في فَمي
غادرتُهُ في أضلعي أعلنتَ عَجْزَهْ
يا أيها الوَجَعُ الذي في جُعبَتي
يُلقي جِراحًا في دِمي ويزيدُ وَخْزَةْ
*****
لن تستبيحَ موانعي وكرامَتي
مهما عَلَتْ بالكونِ ريحُكَ مُستَفِزَّةْ
أو كنتَ صادقتَ الرَّصيفَ بشارعي
أو جاءَ غَدرُكَ بالطريقِ يُثيبُ جُرْزَهْ
أو كنتَ قد أوجَعتَ قلبي مرَّةً
ولبابِ منزلنا اخترقتَ وَكَزتَ وَكْزَةْ
أو كنتَ خِنزيرًِا يعانقُ طينَهُ
بالمهملاتِ بشارعي يقتاتُ عَوزَهْ
لن تستريحَ على دمي لو لحظةً
إنَّ الفدا هو ساحتي والروحُ رَمْزَهْ
*****
الأرضُ تفرشُ نفسَها بطريقِنا
اعلمْ بأني هاهُنا لا زِلتُ غَزَّةْ
أنا غَزّةُ الولدُ الذي باعَ الهوى
ما بيننا والمُشتَهى للموتِ قَفْزَةْ
أنا غَزّةُ البنتُ التي فُستانُها
وقِماطُها صَبرٌ بهِ ، تقتاتُ خُبْزَهْ
*****
سيجوبُ زيتوني البلادَ وزعتري
فجميعُ أرضي غاضبٌ سيُريكَ رِجزَهْ
نحتاجُ موتًا كي نعيشَ يضمُّنا
طينٌ كطينِ جلودِنا ويكونَ رِكْزَهْ
وبيوتُنا موشومةٌ بعبيرِنا
مهما تباعدنا لنا في الوصلِ هَمْزَةْ
وبكلِّ شِبرٍ في براحِ مدائني
- يا خائنًا - تجدُ القلوبَ تنِزُّ عِزَّةْ»!!
༺༺༺༻༻༻
(«رؤية نقدية»: الأحد 30/6/2024)
༺༺༺༻༻༻
تعليقات
إرسال تعليق