PNGHunt-com-2

رؤعية نقدية للشاعر عباس الصهبي لقصيدة (رد قلبي) للشاعرسهل بن عبد الكريم

🌹🌹🌹🌹🌹🌹
🌹  رؤيــــــــــــة 🌹
🌹 نـقـديـــــــــــة🌹
🌹🌹🌹🌹🌹🌹

                كيـــــــــف نجــــــــــح
      الشاعر الدكتور/ سهل بن عبد الكريم
                فـــــــــي وضـــــــــع
            مشاعر المرأة المرهفة الحس
                   علـــــــــــــــــــى:
         «منصة اهتمام "الـرأي العــام"»
           عبـر قصيدته: «رُدَّ قَلْبِــيٖ»؟!!
              ****************

🌹 فاجأني العزيز «ميتا»- المدعو «فيسبوك» سابقاً- وربنا يجعل كلامنا عليه «خفيفاً»؛ هذا الصباح بإرسال قصيدة على صفحتي، لم تسبق لي رؤيتها، ، لشاعر السعودية والعروبة المبدع الكبير/ دكتور سهل بن عبد الكريم..
   وقد أدهشتني القصيدة، بـعنوانها: ««رُدَّ قَلْبِــيٖ»، وبـ«مغزاها»، قبل أن تدهشني فتشدني إليها بـ«مبناها» و«معناها»..
   وكعادتي سارعت بتهنئة صاحبها الصديق الغالي جداً على نفسي- لقيمته الإبداعية المتفردة- وسوف تكتشفون" صدق حُكمي" حين «تتوغلون» معي في «صُلب» القصيدة ذاتها..
    وقد كان تعليقي «المبدئي» والمتسرع لتهنئته على منشور قصيدته الجديدة؛ كما يلي:
   🌹- حقاً؛ ما أروعه من «نَصّ» عبقري!
    فـ«التقمص الشعري» لـ«شخصية أخرى» غير شخصية الشاعر المبدع، هو وبحد ذاته؛ من أصعب «فنون القول»، فما بالنا عندما يكون ذلك من خلال «فن الشعر»؛ ومن خلال شخصية «المحبوبة» الأنثى!
   ولغوياً؛ معروف أن: «نَصَّ الشَّيْءَ : رَفَعَهُ، أَظْهَرَهُ.
نَصُّوا الرَّئِيسَ : أَقْعَدُوهُ عَلَى الْمِنَصَّةِ أَوْ نَصَّبُوهُ سَيِّداً عَلَيْهِمْ.» (معجم المعاني الشامل)..
   ومن هنا تبدو روعة وطرافة هذا «النص» في حد ذاته، وعبر هذه القصيدة العاطفية الرومانسية بالذات، والتي ينهض نصُّها لوضع «مشاعر المرأة النبيلة المستنيرة» على «منصة اهتمام "الرأي العام"»، دون «خطابية» رنانة لإظهار «مناصرة جوفاء لحقوق المرأة»..
    فعندما يُعبِّر الشعر لشاعر مشهود له برهافة حسِّه الإنسانيّ النبيل الحقيقي؛ عن مشاعر صادقة في صميم وجدان «المرأة المحبوبة» المعاصرة، وعبر ضميره الشعري «الراصد» لجمال الرقة الرقيقة الراقية لدبها؛ فإنه يجتاز بنا آفاقاً جديدة، وغير مصطنعة لفهم «سيكلوچية المرأة المُحِبة النبيلة» على وجهها السوي المستنير الصحيح..
   أما بقية عبقرية جماليات القصيدة فقد «شغلتني»  عن كل اهتماماتي في هذه اللحظة؛ لأكتب المزيد عنها في «رؤية نقدية»- على صفحتي المتواضعة- لكي «أسبر» المزيد من «غَوْري» أنا شخصياً من جمالها اللافت، و«غَوْر» أحبائي؛ من الجمال الفني والإبداعي لهذه القصيدة العصماء المُحْكَمَة الإبداع.. وتشرفني «العودة» لوضع رابطها هنا (فور اكتمالها).
   تهانينا لشاعرنا عملاق الإبداع في عصرنا صاحب المعالي الدكتور/ سهل بك بن عبد الكريم، ولأستاذي الإعلامي المبدع الراقي الكبير (شاعر الصوت والصورة) معالي الأستاذ/ حسن بك الشاذلي.🌹

🌹هكذا استطال مني تعليقي، وأخذني من نفسي؛ لأجدني أكتب هذه الـ«رؤية نقدية»؛ ومنذ استوقفني، وقبل «المغزى» و«المبنى» و«المعنى» عنوانها المدهش: «رُدَّ قَلْبِــيٖ»!!
«رُدَّ قَلْبِــيٖ»!!
********** في الوعي الثقافي العربي!
                   ********************
    العنوان- «رُدّ قلبي»- «مألوف» للمثقف العربي؛ سواء من خلال مؤلف الرواية الرومانسية لكاتبنا  الخالد الذكر/ يوسف السباعي، رحمه الله وغفر له وأسكنه فردوسه الأعلى؛ أو من خلال الفيلم الشهير، الذي أُنتج بنفس الاسم، عام 1957، وبعد حوالي العامين من صدور الرواية-في جزئين- فكان الفيلم من إخراج عز الدين ذو الفقار، وبطولة: شكري سرحان، ومريم فخر الدين، وصلاح ذو الفقار، وحسين رياض، وهند رستم؛ ويعتبر أحد أهم أفلام السينما المصرية..
    وقد تمَّ تصنيفه في احتفالية «مئوية السينما المصرية»، عام 1996؛ في المركز الـ«13»؛  ضمن «أفضل 100 فيلم» في تاريخ السينما المصرية، في استفتاء النقاد؛ ودارت أحداثه-وباختصار- عقب ثورة 1952، عندما يرأس الضابط «علي» ("ابن الجنايني"  الذي يعمل عند الباشا، ويحب ابنته) لجنة «مصادرة أملاك «الباشا»، فتلقاه محبوبته "بنت الباشا"  «إنچي»؛ فتظنه جاء شامتاً، لكنها تكتشف صدق عاطفته النبيلة نحوها، وتنتهي الرواية بأن يُطْلق «علاء»- أخو «إنچي» وابن الباشا- الرصاص نحو «علي»، محاولا قتله فيصيبه إصابة بالغة؛ ولكن «علي» يقتله في النهاية!!
   وكانت من أجمل تعبيرات الكاتب الروائي الكبير- «السباعي»- "الخالدة بحق"- ولا تُنسى بأذهان جيل قرأ الرواية وشاهد الفيلم، وربما المسلسل بنفس الاسم أيضاً في السنوات الأخيرة؛ كلمات مؤلفها الأكثر من رائعة؛ لدعم «علي» في حبه لـ«إنچي»:
    «إنك تأبى إلا أن تقف وراء سدود التقاليد والفوارق المهمومة.. تتطلع من ورائها إلى أيديك الساحرة.. تَطَلُّعَ ابن الجنايني من كوخه إلى أسوار القصر العالية.. إنك تفكر بعقلية القرون الوسطى.. وكذلك هي.. إنها ما زالت تنتظرك حبيسة في أبراج القصر.. حتى تتخطى الأسوار»!!

«عــــــــودة»
********* لقصيــدة: «رُدَّ قَلْبِــيٖ!!
               ******************
   لما كان جمال «فكرة القصيدة» يسبق عندي في أهميته بناء القصيدة ومعانيها؛ لأن «الفكرة المبتكرة» هي التي تُشكِّل «رأس الجمال الإبداعي» (على        "المحور الرأسي" في القصيدة) لكل جماليات الإبداع في العمل الشعري بكامله (على المحور الأفقي)، والتي من المفترض أن تتوالى بعد ذلك؛ فقد توقفت لأتأمل الجمال في:
    «فكرة عنوان القصيدة»: «رُدَ قلبي»!!
    فالعنوان معروف، حتى لدى العامة؛ فلماذا استدعاه  شاعرنا في قصيدته الآن؟ بل وإلى أين يريد أن يبحر بنا هذه المرة، وهو البحار الجسور والمتمرس الجريء على مخاطر خوض «بحور الشعر» بأفكاره المبتكرة الجديدة؟! (بل؛ وعلى ماذا يريد أن «يثور بنا أدبياً» هذه المرة؟! وهو «فارس الإبداع الثائر» الدؤوب؛ فمازالت في ذاكرتنا «ثورته البيضاء» برائعته الشعرية: «ثورة على "ثورة الشك"» قصيدته المعارِضة لقصيدة سمو الأمير المغفور له الراحل الشاعر الكبير/ عبدالله الفيصل؛ وقد تشرفتْ «رؤية نقدية» بعرضها أيضاً في حينها)!!
   وقد بدأ القصد من واء فكرة العنوان يضيء نفسه ذاتياً بداخلي، وبالتدريج، ومنذ «أول كلمة» قالتها «المحبوبة»  لمحبوبها في القصيدة الرومانسية الدرامية، ومن أول بيت فيها لشاعرنا المبدع المجدد الكبير:
«قَالتْ بِأذْني ( رُدَّ قَلبي ).. شَاعِري
                          مَا كانَ غَيرُكَ مَالِئاً أكوابِي!»!!
   إذن، بطلة القصيدة ليست محبوبة أرستقراطية- مثل «إنچي» بنت الباشا- ولكنها محبوبة عصرية تشكو لوعة محبتها لمحبوبها المنصرف عنها في انشغالاته اليومية بعد أن ملأ أكواب وجدانها بعاطفة محبته النبيلة..
   (ربما من توفيق الشاعر هنا توظيفه لكلمة «أكواب» كناية عن تَشَرُّبِها محبته إلى درجة التشبع والامتلاء)!!
    وفي دفاعها عن حبها تثبت أنها «امرأة عصرية ونبيلة» فعلاً، وأنها وإن لم تكن «أرستقراطية بنت باشا»- كما كدنا نتصورها حالاً؛ "بسبب «الإحالة» في اسم القصيدة"- إلا أنها «ليست عادية» أبداّ؛ وقد بدأت ملامح شخصيتها «بنت الأصول» تظهر واضحة عبر كلماتها؛ إذ تضيف:  
«أنا لَمْ أكُنْ عَادِيَّةً كَيْ أدَّعِي
              مِنكَ انسِحَابي.. أو حَجبتُ سَحابِي»!!
   (وما أروعها المقابلة المجازية، هنا؛ بين كلمتيْ: «الانسحاب» و«السحاب» "الواعد بالأمطار")..
   وتستمر المحبوبة النبيلة في توضيح مدى معاناتها الوجدانية فيما بدا من انصراف قلب محبوبها عن  قلبها النبيل الهائم به، رغم «تفرُّغ» قلبها النبيل لحبه وحده، حتى صار" حبيس محبته"، وبمنتهى الإخلاص؛ فتقول:
«قَلبي رَهِينُكَ ، أنتَ مَن قيَّدتَهُ
                         بِسَلاسِلٍ مَوصُولَةٍ بِغيابِ»!!
   إنه «الغياب»، وآهٍ منه غياب المحبوب، وآهٍ بالأكثر من «غَيْرة» المحبوبة من هذا الغياب، وهي تعلم أن محبوبها، هو الآخر «محبوبٌ» بطبعه وطبيعته؛ لكل من هم حوله وحولها، حتى باتت تخشى أن يتم «اختطاف» قلب محبوبها من قلبها لقلوب أخريات؛ ومن هنا كان «الافتقاد» الحقيقي:
«إنِّي افتقدتُكَ.. لَستُ أعلَمُ مَا جَري
                      أنتَ المُضِيءُ بِعالَمِ الأحبَابِ»!!
   إنها محبوبة مستنيرة العاطفة والعقل، ومن حقها أن «تغار» فعلاً، لأنها تدرك "فارق المسافة" بينها وبين محبوبها، وياله من فارق، ربما كان أصعب من «الفوارق الطبقية» (بين «إنچي» و«علي» مثلاً»؛ لأنه «فارق» "عاطفي وجداني وجودي" يلاحقها في كل مواقف حياتها اليومية، وفي نومها ويقظتها طالما استمر الغياب!!)..
   فها هي تدرك أنه بينما محبوبها هو «المُضِيءُ بِعالَمِ الأحبَابِ»، مايعني أنه «خبير بأمور الحب»؛ فإنها، وبالعكس؛ تتعرض معه لـ«تجربة الحب الأول»، "و لأول مرة"، بالتأكيد في حياتها؛ فيما أوضحته؛ بقولها:
«مَا كُنتُ أعرِفُ أيَّ مَعنىً للهَوى
                 مِن دُونكَ احتَارَتْ مَعِي أسبَابِي»!!
   ومن هنا تبدأ «دراما الحب» النبيلة؛ إذ تتذكر عناقهما لأول مرة؛ فتقول:
«مَازِلتُ أذكُرُ يَومَ أنْ عَانَقتَني
                هَدأتْ هِضَابِي يَومَ زُرتَ شِعَابِي»!!
   ياله من تعبير، مبتكر، وغير مسبوق: «هَدأتْ هِضَابِي يَومَ زُرتَ شِعَابِي»؛ دلالةً على منتهى الاستمتاع الروحي والمادي؛ وعبر موثوقية ومصداقية كل هذا الحب؛ هاهي أصبحت ترى أنها تتملك بمفردها قلب المحبوب، وهو ما صرَُحت به، وبلغة أدبية في غاية الرهافة الوجدانية، وبمنتهى الدقة، والرقة الرقيقة الراقية؛ بقولها: 
«أصبَحتَ لِي.. أصبَحتَ بِي.. وغَدَا دَمِي
                            لُغَةً مُطَرَّزَةً بِحِبرِ كِتابي»!!
   ثم تنتقل بنا المحبوبة النبيلة وبيدها «كاميرا ڤيديو الشعر»- بالتعبير المعاصر-لتقدم لنا «مشهدية» حياتها كمحبة في هذه الحالة، وقد  صورت نفسها بنفسها؛ إذ تعترف؛ فتقول:
«لا استَطِيعُ بِأنْ أعِيشَ دَقِيقَةً
                أبداً بِدُونِكَ.. هَل فَقَدتُ صَوابِي؟»!!
    وتتمادى في تصوير «اللقطة المشهدية»؛ فتتوسَّع فيها- على طريقة «الفلاش باك» في استرجاع الماضي- حين تقول:
«فِي الصُّبحِ أُغنيةُ الوجُودِ تَكُونُها
               فِي الَّليلِ أرقصُ لَو سَتَطرُقُ بَابِي»!!
   ويزداد إمعانها في تصوير "الاعتراف" بحالها المنكوب من أثر غياب المحبوب (رغم امتلاكها الأعناب وسط صحراء الحياة)؛ فتقول:
«الرُّوحُ  كَالصَّحراءِ دُونَكَ.. رُبَّمَا
                       لَو جِئتَ تَعرِفُ لَذّةَ الأعنَابِ»!!
   وهاهي وقد اعترفت بأنها رغم امتلاكها أشهى "الأعناب" في صحراء الوجود(ولا يستطيع أن يعرف قيمة الاعناب في الصحراء إلا من جرَّبهما)؛ غير أنها لا تستطيع الاستمتاع بأعنابها بمفردها دون وجود محبوبها؛ في لقطة المشهد التالية؛ حين تقول بصراحتها المعهودة:
«قَلبي أعَاصِيرٌ وقَلبُكَ وَاحَةٌ
                  سَتذُوبُ عِشقَاً حِينَ تُدرِكُ مَابِي»!!
   وفوق ذلك؛ تضيف:
«نَجمِي يُفتِّشُ عَن سَمَائِكَ.. فَاعطِنِي
                         فُلْكاً أدُورُ  بِهِ بِغيرِ حِسابِ»!!
   غير أنها محبوبة، وإن كانت «هائمة في لُجى العشق»- التعبير الذي تعلمته من شاعرنا في قصيدة عبقرية سابقة؛ إلا أنها تثبت حقاً أنها «ذات ضمير ملفوف في رهافة حسها؛ إذ رغم مافعله فيها محبوبها؛  فإنها مستعدة أن يفترش محبوبها «رموش عينيها» لو أحس بالتعب حتى من تحليقه حولها (منتهى الإبداع التعبيري الشعري الراقي الجميل النبيل)؛ إذ تقول:
«سِرْ أينَ شِئتَ فَكُلُّ أرضِي جَنَّةٌ
                  وإذا سَتَتعبُ فَافتَرِشْ أهدَابِي»!!
   وهاهي المحبوبة، في آخر مشاهد اعترافاتها تُشرق في روحها ثقافتها العريقة المستنيرة، فتقوم باستدعاء قصة «سيدتنا هاجر»، رضي الله عنها، في حيرتها بطفلها، سيدنا إسماعيل، عليه السلام (نموذج الحب في المعنى الدلالي في خلفيات القصيدة)؛ لتصور حيرتها في «السعي» عند غياب المحبوب؛ وكأنه سعي سيدتنا «هاجر» بطفلها بين الصفا والمروة في غياب سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أزكى الصلاة والسلام..
   فتصور نفسها بأنها صارت مثل «هاجر»، إنما في سعيها لمحبوبها؛ فتقول:
«أصبَحتُ هَاجرَ فِي الغَرامِ.. ودَائِماً
             أسعَى إليكَ.. وقَد  عَشِقتُ  سَرَابِي»!!
   وهنا؛ يختتم الشاعر- «د. سهل بن عبد الكريم»- قصيدته بما يشبه «لحظة التنوير في القصة القصيرة؛عبر بيتين شعريين رائعيْن، يؤكدان قدرته العبقرية بحق في «إحكام بناء قصيدته»؛ حين «يكافيء» محبوبته في القصيدة،(ومعها يكافئنا نحن أيضاً كمتلقين متابعين لتطور أحداث قصيدته الدرامية؛ فيلجأ لـ«الحل السعيد»؛ في النهاية؛ قائلاً لملهمته المحبوبة المثقفة الواعية المستنيرة:
«فَضَممتُها.. قَالتْ:«أُحِبُّكَ» .. فَاحتَمِلْ
                         مَا كَانَ مِن لَومٍ وَبَعضِْ عِتَابِي
أنَا لَن أرُدَّ عَليكَ قَلبَكَِ.. قُلتُهَا
                        فَتَبَسَّمَتْ.. وَتَعَلَّقَتْ بِثِيابِي»!!
                  *****
    حقاً؛ كادت دموعي تنهمر، وأنا أقرأ خاتمة القصيدة، ومرة أخرى عندما سمعتها في الڤيديو المعبر بصوت الإعلامي التنويري المࢪهف الحس والمبدع الكبير/ أحمد بك الشاذلي؛ برنين إلقائه الشعري التعبيري الجميل الحسّاس الملائم- والمتفاعل مع- تطور أحداث الدراما الشعرية المتلاحقة في القصيدة!
   والآن فقط نستطيع أن نكون كلنا قد عرفنا المغزى من وراء استدعاء اسم «رُدَّ قلبي» في القصيدة؛ فهو استدعاء كان شاعرنا "موفقاً جداً" فيه؛ للأسباب التالية:
(1) جملة «رد قلبي»، في حد ذاتها؛ تجسد أرقى تعبير أدبي نبيل حين يعلن المحبوب أو المحبوبة رغبة أحدهما في «التوقف المفاجىء» عن «تجربة الحب»؛ فيرغب في «استرداد» قلبه الذي كان قد منحه لشريكه في المحبة، ولا يمكن أن «يسترد» أحد «شيئاً» إلا إذا كان،أصلاً؛ قد منحه له، وعن طيب خاطر.
(2) يوميء الشاعر في قصيدته إلى أن «المحبوب الغيور» يشعر بـ«فارق» يشبه «الفوارق الطبقية»، خاصةً ربما في «بعض» مجتمعاتنا الشرقية الذكورية؛ ما يستوجب معه الالتفات لمشاعر الإناث في التجارب العاطفية، وعلى الأقل؛ ضرورة الرفق بـ «القوارير» بمفاهيم عصرنا الحديث الأكثر استنارة- على الاقل على مستوى الأفراد- من كل عصور الماضي؛ فما أصعب خدش القلوب المرهفة النبيلة، وما بالنا فوق ذلك لو «كسرناها»، أو حتى لو كسرنا بخاطرها، لا قدَّر الله!!
(3) لم يأبه الشاعر بتوظيف اسم معروف في رواية بالغة الشهرة، باعتباره تأكده كان واثقاً بنفسه، ومنذ البداية؛ من أن معالجته الدرامية لقصيدته مختلفة عن المعالجة الدرامية في الرواية؛ لاختلاف «الغرض من المضمون» في كل منهما!
(4) أدرك شاعرنا المبدع المجدد أهمية توظيف،  الماضي في الحاضر، وأهمية بدء القصائد العصرية بكلمات سهلة، تجري على لسان العامة؛ ليكون «استهلال القصيدة» ومن أولى لحظات بدئها أقرب ما تكون للكلام الطبيعي والتلقائي في ذهن وخاطر المتلقي؛ ليكسب لقصيدته المزيد من اهتمام أكبر عدد من الرأي العام، من عشاق الشعر؛ ليتابعوا بكل أريحية  أحداث التطور الدرامي بقصيدته، خاصةً إذا كانت قصيدة من «الوزن الثقيل»، كهذه القصيدة؛ ومليئة بتطورات أحداثها المتشعبة؛ والدقيقة في رصد أدق مشاعر الحبيبين مرهفة الحس في القصيدة عندما تكون تحت أصعب الضغوط العاطفية بغياب المحبوب وغيرة المحبوبة عليه.
(5) لم يعبأ الشاعر باستدعاء اسم العمل الروائي ليوظفه في قصيدته الدرامية، تاركاً تأثيره في بداية القصيدة كخلفية أدبية لقصيدته، من أجل دعم الإحساس بالنبل الوجداني؛ مُدركاً أن التقاطع بين العمل الروائي وعمله الشعري؛ حتماً سيكون في أوائل القصيدة عند «منحنى التقاطع» عندما تبرز «حقائق وأحداث جديدة» في القصيدة الدرامية!
(6) نجح الشاعر في التعبير عن «دراما الحب المعاصرة»، وبتفاصيل أكثر من كثير من شعراء سبقوه في نفس هذا المجال؛ ليقدم لنا في النهاية «وثيقة شعرية رومانسية» عن مجريات الحب في زمننا المعاصر.
(7) فاتني أن أذكر أن شاعرنا المرهف الحس جداً؛ وإن كان قد سبقه شاعر العروبة الراحل المجدد العظيم بحق «نزار قباني»، رحمه الله وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى؛ في «تقمص شخصية المرأة المحبة» إلا أن شاعرنا- د.  سهل بن عبد الكريم- لم يلجأ لـ«لأسلوب النزاري» الشهير، ولو كان قد فعلها، وقلَّده؛ لأثنينا عليه أيضاً؛ فكم اشتقنا لـ«النزارية الشعرية»، وبالذات في وقتنا الحالي؛ للاستفادة على الأقل بجمال نقدها لواقعنا الأدبي والاجتماعي المعاصر؛ ولكن شاعرنا المعاصر- أطال الله عمره أراد  أن يمتعنا دائماً بما هو أحلى، وأحدث في التقنيات المبتكرة في أسلوب سرد المعاني بدلالاتها الوجدانية الواقعية الملائمة لروح عصرنا الجديد، في عسرينيات القرن الحادي والعشرين- وهكذا أصرَّ بجاهزية فرسان «المدينة المنورة» أن يقتحم بنا «الأصعب»، وهو ما يوضحه البند القادم (8) ليأخذ التوضيح حقه..
(8) أدرك شاعرنا أن «نزار العظيم»، وهو «رائد شعر التعبير عن المرأة العربية»،كان لا بد له في نطاق «سقف حرية التجديد» "المسموح به" في عصره؛ أن يوظِّف الماديات المتعلقة بخصوصية المرأة، ملابسها مثلاً: (حتى فساتيني التي أهملتها.....) في التعبير، وبشكل، غير مباشر، عن دقائق مشاعر المرأة المحبة؛ أي قام بتوظيف «دلالات معاني الماديات» في إبراز المعاني المعنوية الشعورية للمرأة، أما شاعرنا المعاصر- «د. ابن عبد الكريم»- فانتهز «سقف الحرية الذي رفعه «نزار»؛ ليرفع لنا،وللشعراء من بعده؛ «المزيد من سقف الحريات التعبيرية» بتبنيه التصوير الحسي المادي الواقعي، بجانب الإيحاء بالتأكيد؛ ما أتاح له التعبير بـ«واقعية مفرطة»، وبشكل مباشر أكثر؛ ليكشف لنا مساحات لم تكن مسكونة بالشعر عن عواطف المرأة المتحضرة المعاصرة؛ حيث تم تركيزه بوضوح أكبر على عواطفها،  وبكل دلالات معانيها المادية؛  كما في قوله على لسان المحبوبة:
«مَازِلتُ أذكُرُ يَومَ أنْ عَانَقتَني
                هَدأتْ هِضَابِي يَومَ زُرتَ شِعَابِي»!!
   وكذلك في البيت:
«الرُّوحُ  كَالصَّحراءِ دُونَكَ.. رُبَّمَا
                      لَو جِئتَ تَعرِفُ لَذّةَ الأعنَابِ»!!
    غير أنه نجا من «كمين» "النقد العربي» الكلاسيكي، والذي فَصَل في الماضي بين ما أسماه بـ«الغزل العفيف» عن «الغزل الحسي»؛ مستفيداً- شاعرنا- بثقافته الأدبية الواسعة من تجربة الشاعر القرشي الأموي عمر بن أبي ربيعة («68 عاماً؛ من: 644 إلى 712م)، فانتهج نهجه في «التعبير الحسي» عن المرأة دون أن يقع في فُحش القول مثلما وقع، مثلاً؛ الشاعر «بشار بن برد»- في العصر العباسي- وغيره ممن يطلق عليهم «شعراء المجون»، فشاعرنا المعاصر رغم تصويره الواقعي المادي الحسي؛ قد تفاعل بكل احترام وإكبار، تقديراً لخصوصيات المرأة المستنيرة النبيلة في عصرنا الحديث؛ وهو ما ينبغي أن يُحسب أيضاً له!
(9) يبقى من زاوية أخرى أن نتساءل: هل شاعرنا د. سهل بن عبد الكريم، والذي بات يُنظر إليه في عصرنا الحالي كـ«رائد لفن المعارضات الشعرية» قد أراد أن يمر بـ«تجربة رائدة» في:  معارضة «القصيدة الشعرية» لـ«الرواية الأدبية»، وقد كان الأسبق منا جميعاً في إدراك أهمية «فن المعارضات» في «تجديد الوعي الجمعي» للإبداع السابق، وإعادة إحيائه على ضوء تجارب معاصرة جديدة، توضح مدى الاختلاف بين عصر وآخر، وإن كان ليس بالبعيد عنه تماماً..
   أم أن شاعرنا في تأثره الواعي المرهف المستنير؛ أراد أن يقدم لنا «نهاية أخرى» للرواية الشهيرة، تتواءم مع روح عصرنا الجديدة؛ وتنتصر لـ«إنچي»-المعاصرة- ولمشاعرها العاطفية النبيلة، وقد تألم شاعرنا من خسارة المرأة المحبة في الخمسينيات؛ حيث كانت خسارتها في الرواية على الجانبين: «شقيقها» و«محبوبها»، وفي لحظة واحدة!!
         ༺༺༺༻༻༻
   والآن، إلى القصيدة الدرامية بالغة الروعة، لتكلمنا بنفسها عن نفسها، وقد انطلق صهيلها العبقري بحق!!
          ༺༺༺༻༻༻
قصيـــدة:
••••••••
           رُدَّ قَلبـــــــــــي!!
         *************
         شعــر/ دكتور سهـل بن عبـد الكريـم

«قَالتْ بِأذْني ( رُدَّ قَلبي ).. شَاعِري
                            مَا كانَ غَيرُكَ مَالِئاً أكوابِي!

أنا لَمْ أكُنْ عَادِيَّةً كَيْ أدَّعِي
                 مِنكَ انسِحَابي.. أو حَجبتُ سَحابِي

قَلبي رَهِينُكَ ، أنتَ مَن قيَّدتَهُ
                               بِسَلاسِلٍ مَوصُولَةٍ بِغيابِ

إنِّي افتقدتُكَ.. لَستُ أعلَمُ مَا جَري
                           أنتَ المُضِيءُ بِعالَمِ الأحبَابِ

مَا كُنتُ أعرِفُ أيَّ مَعنىً للهَوى
                     مِن دُونكَ احتَارَتْ مَعِي أسبَابِي

مَازِلتُ أذكُرُ يَومَ أنْ عَانَقتَني
                     هَدأتْ هِضَابِي يَومَ زُرتَ شِعَابِي

أصبَحتَ لِي.. أصبَحتَ بِي.. وغَدَا دَمِي
                                 لُغَةً مُطَرَّزَةً بِحِبرِ كِتابي

لا استَطِيعُ بِأنْ أعِيشَ دَقِيقَةً
                     أبداً بِدُونِكَ.. هَل فَقَدتُ صَوابِي؟

فِي الصُّبحِ أُغنيةُ الوجُودِ تَكُونُها
                    فِي الَّليلِ أرقصُ لَو سَتَطرُقُ بَابِي

الرُّوحُ  كَالصَّحراءِ دُونَكَ.. رُبَّمَا
                            لَو جِئتَ تَعرِفُ لَذّةَ الأعنَابِ

قَلبي أعَاصِيرٌ وقَلبُكَ وَاحَةٌ
                      سَتذُوبُ عِشقَاً حِينَ تُدرِكُ مَابِي

نَجمِي يُفتِّشُ عَن سَمَائِكَ.. فَاعطِنِي
                               فُلْكاً أدُورُ  بِهِ بِغيرِ حِسابِ

سِرْ أينَ شِئتَ فَكُلُّ أرضِي جَنَّةٌ
                        وإذا سَتَتعبُ فَافتَرِشْ أهدَابِي!

أصبَحتُ هَاجرَ فِي الغَرامِ.. ودَائِماً
                   أسعَى إليكَ.. وقَد  عَشِقتُ  سَرَابِي

فَضَممتُها.. قَالتْ أُحِبُّكَ .. فَاحتَمِلْ
                         مَا كَانَ مِن لَومٍ وَبَعضِْ عِتَابِي

أنَا لَن أرُدَّ عَليكَ قَلبَكَِ.. قُلتُهَا
                           فَتَبَسَّمَتْ.. وَتَعَلَّقَتْ بِثِيابِي»!!
#صهيل

(بصوت الإعلامي المتميز
حسن الشاذلي)
༺༺༺༻༻༻
(«رؤية نقدية» فجر "الأربعاء": 5/6/2024)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي