PNGHunt-com-2

في عالم الشعر :الأديب غازي أحمدابوطبيخ الموسوي

في عالم الشعر
كلما احتشد النص بالمشاعر والأحاسيس أكثر كان النص أقرب إلى الشعرية بشرط الإتقان..والحديث عن الإتقان يطول..لسنا بصدده الآن..

لكننا أردنا الإلماح إلى ضرورة حضور العقلنة الدقيقة عند الحديث عن الرواية والقصة والمسرحية على وجه الخصوص..
هذا ما أثار لغطًا وجدلًا واسعًا حول رواية يوليسيس لجيمس جويس،بين أكثرية رافضة وأقلية منحازة..
ولقد دعانا إلى هذا التقديم المتسارع ما كتبه الروائي التركي
"عزيز نيسين" عبر
قصة قصيرة مبنية بناءً محكمًا ،وكأنّي به مهندس معماريٌّ من طراز رفيع..

هذه القصة لها دلالات عظيمة،يتحدث فيها عن عائلة تعيش في بيت كبير..
ولم تجد مانعًا من أن تؤجر حجرة واحدة منه في البداية..ثم تصاعد الأمر إلى تأجير حجرة أخرى..ثم حجرة ثالثة.. وهكذا جرى المال في يد أفراد الأسرة..ولكنها راحت تنفقه على أشياء مترفة لا لزوم لها من دون ان تجد بدائل أخرى..كأن تستثمر الإيجارات أو يتوجه أفرادها إلى العمل لتحصيل وفرة إضافية تنفع الأسرة ذات يوم قريب او بعيد..وكأن أفراد هذه العائلة قد ضمنوا المستقبل وماعادوا قلقين منه أبدا..
ومع مرور اﻻيام بدأ المستأجرون بالشكوى،نتيجة إهمال العائلة لكثير من شؤون البيت الكبير،وأول هذه   الشكاوى قلة المياه..مما اضطرّ الاسرة على الإقتراض من المستأجرين لإصلاح المياه !!..
ثم اقترضت منهم مرة اخرى  لإصلاح شبكة الصرف..
ثم اقترضت منهم ثالثة لإصلاح الحديقة وترتيب طرقاتها..وهكذا تفاقمت الحال حتى فاقت ديونها للمستاجرين مقادير الإيجارات،حتى عجزت يومًا بعد يوم عن السداد..
هذا ما دفعها لتاجير مزيد من الغرف ،حتى صار عدد الغرباء اكثر من عدد افراد العائلة..بل ازدادت الحال سوءاً ،فقسمت الحديقة قطعًا ،وسمحت  لمستأجرين جددٍ بالسكن كيفما أرادوا..وفي النهاية ثم تركت لهم البيت كله وسكنت فوق السطح.. ثم لم تجد مفرًّا من أن يعمل أفرادها في خدمة هؤلاء الغرباء..حتى اصبحوا خدما لهم..
وفي لحظة شعور الإبن الاكبر بالقهر والهوان صرخ قائلًا:
إن هذا البيت لم يعد بيتنا..فقد أصبحنا فيه غرباء..
لكن الأب غضب غضبًا شديدًا على ما سمعه من ابنه..وسارع بفتح خزانته السرية وأخرج منها ورقة قديمة تثبت أنه ورث البيت أبا عن جد؟!…

ملاحظة مهمة:
دخل الكاتب عزيز نيسين السجن بعد نشره لهذه القصة..
حيث قال المدعي العام بصريح العبارة:
إن هذا الكاتب كان يقصد الوطن بهذا البيت الكبير..
وهنا شعر الكاتب بﻻن رسالته قد وصلت فابتسم ابتسامة ساخرة وقال: مادمتم بهذه الفطنة فلماذا فتحتم أبواب وحجرات الوطن للغرباء حتى احتلونا بالديون وأصبحنا نحن الغرباء رغم سندات الملكية التي نحملها ونحن سعداء بما لا نملكه الآن ؟!!..

تحياتي وعالي التقدير..

غازي احمد ابوطبيخ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي