صارحتني : الكاتبة السورية نداء حسين
صارحَتني ..
حين أمسكتُ القلم للمرة الأولى ، كتبتُ كلمة ( وطن ) ..
كان الوطن في عيني هو أصائص الورد التي زرعتها أمي على سطح منزلنا ، سقتها بعناية و حادّثتها كما تحادث صديقتها المقربة ..
تلك الطفلة الشقراء الحالمة ، كتبت الوطن كما زرعته أمها ..
أحبته كما أحبت أمها ..
حين رأيتُ أبي يعمّر حدود السطح بالحجارة الإسمنتية ، سألته :
- ماهذا ؟
أجاب :
- إنه سورٌ يحميكِ و إخوتك من السقوط ..ويمنع عنكم أخطار الخارج و مايأتي عبره من شرور ..
سألته :
- ، هل السور وطن ؟؟
ضحك أبي وقال :
- نعم ياطفلتي ..السور وطن ..
سهرنا مساءً على سطح منزلنا ، قرب ورود أمي ..
أحضر أخي العود ، وبدأ يعزف ..
غنينا سوياً ، كنت أحاول رفع صوتي بالغناء لكنّني لم أنطق كلمات الأغاني بالطريقة الصحيحة أبدأ ..
وكثيراً ماأعاد إخوتي كلماتي و ضحكوا ، كنت أضحك معهم دون أن أعرف السبب .
حين أوقفوا الغناء قلت لهم :
- الغناء جميل ، فهل الغناء وطن ؟
ضحكوا وقالوا :
- نعم ...الغناء وطن و الموسيقى وطنٌ أيضاً ..
فرشت لنا أمي الفُرُشَ على سطح منزلنا ، دثرتنا بالأغطية ، راقبنا ضوء القمر ، أنار ضوءُه الليل ، وقبل أن أفتح فمي ، سبقوني إلى السؤال :
- هذا القمر جميل ، فهل القمر وطن ..؟؟
ضحكوا ...ضحكتُ معهم ثم بكيت ...
احتضنتني أمي قائلةً :
- نعم يابنيتي ..إن القمر وطن ..لاتغضبي من إخوتك فالإخوة أيضأ وطن ..
نظرت نحو إخوتي ، تظهر وجوههم تحت الأغطية ، نائمةً ، غافيةً ، مضيئةً بنور القمر ...قلت لها : أحبهم ..
فأجابت : أحسنت يابنيتي ...فالحب وطن
من يومها عرفت أن الوطن أمٌّ و أبٌ وقمرٌ و أرضٌ وموسيقى و إخوةٌ و سور ..
و أن كل ماهو جميل في الحياة ....يُدعى وطن .....
......................................... ..........
تعليقات
إرسال تعليق