PNGHunt-com-2

الحبر ملاذي :الأديبة مي عساف

((الحبر ملاذي))

لم أفكر يوماً بالهرب منه..
كان يحاصرني من جهاتي الخمس
ولم أتساءل رغم شراسة حصاره.. كيف لي أن أنجو
من سطوته؟
بل إليه كنتُ أهربُ وبكلِّ أنفاس الحروف ونبض الأبجديات أتحدُّ به
شعراً..
قصة..
رواية..
حتى أشعر بصدق الأنا وهي تذوب في
كيانه لتجعلني تارةً دمعةَ حرف..
وتارةً بسمةَ كلمة..
وها أنا..
منذ نعومة
أحلامي وأنا أتأرجحُ بين سطرٍ مقروء وكلمةٍ مكتوبة..
ومازال الحبرُ يصوغني على مهل..
يفتحُ في عينيَّ نافذَتَي أملٍ وصبر..
يرسمُ على خدّي ضحكةَ عصفورة
هاربة من مواعيد القدر..
يشكّلُ في عنقي
نهرَ أمنيات ..
وعلى شعري
يُنبِتُ ألف غابة نخيل ..
وبين أصابعي يزرع حقولاً
من الإقحوان
وبكلِّ الحبّ..
"إنما على بطء"
يدلّني على نهر الحكمة
فيُخبرُني النّهرُ العجوز وعلى محمل الصدق..
أنّهُ شرب كلَّ منابع الحكمة.. مذ عاد من عزاء آخر الرجال المحترمين الذين قضوا نحبهم في حادث ثقة ..
فلا فائدة يا ابنتي من منحِ الفرص لمن نجا من شرف الموت وعاد للحياة على متن سفينةِ عارٍ مسلوبة الكرامة..
"يقول ناصحاً"..


على سبيل الاهتمام يهمسُ لي صديقي النهر مؤكداً أنّه امتصّ آخر ما تبقى من هيبةٍ ووقار من عقول رجالٍ طالما حسبناهم رموزاً وقامات ..
فإذا بهم مجرد توابع تستمد حركتها الإعرابية ممّن سبقها..
وتستمدُّ قناعاتها من وعاء الآخرين وإملاءاتهم..
يا لقبح الرجال
حين تُنتَزعُ عباءةُ الكرامة عن أكتاف تاريخهم فيصبحوا
ورجال الصفيح على ذلٍّ سواء!!

على سبيل النصح
يتابعُ صديقي النهر حديثه فيكتبُ لي بأصابع شاخت بين أكفِّ الزمن
في مرايا الحقيقة:
إنَّ الشُّعراءَ ومن تبعهم من الغاوين سيلطخون
جباهَ القصيدة برخص محابرٍ قادمة من سوق النفاق
من تجّار الرذيلة
فمن ينقذ آخرَ محبرةٍ للصدق
من أيدي قطّاع
طرق الثناءات النظيفة
وسارقي عفّة الضوء
من جبهةِ حروف
المديح الصادق
في كلماتٍ
لا تبغي في سيرها سوى وجهة واحدة؟
يتساءل صديقي النهر قبل
أن يتثاءب
قرب مثوى الصمت الأخير لنورسة النوايا الطيبة..

وأتساءلُ أنا
أما في جيوب العمر بعض حكمة
تلهمكم من أمركم رشدا؟
Mai Assaf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي