PNGHunt-com-2

رؤية الشاعر عماد فياض لقصيدة /تيمنا بالورد/ للشاعرة سعاد محمد

مساء الياسمين أيها الأحبة..
وردة شكر عن كل شبر يفصل صاحب الهدية عن هذه البلاد التي رغم تعبها كريمة بالورود..
مقالة الشاعر الجميل (عماد فياض) التي تناولت مجموعتي (تيمُّناً بالورد)، المقالة نشرت في الأسبوع الأدبي..
--------------------------------------------------------------

(تيمّناً بالورد*) للشاعرة سعاد محمد..
الأديب عماد فياض
عند قراءة المجموعة الشعرية(تيمُّناً بالورد) للشاعرة سعاد محمد، لا بد لنا من الانتباه إلى المعنى المتواري في القصيدة، حيث نجد هذا المعنى يحفر مجراه في الجملة الشعرية بكثير من الروح التأملية للذات الشاعرة، وهذا المعنى المتواري لا بد له من حدس لتذوقه لأنه يتخفى وراء الصور الكثيرة، وانطلاقاً مما سبق أجد البدء بهذا المقطع الشعري مناسبا:
"الأربعُ والعشرون، أبداً لا تكفي/ لإقامة شعائر الحياة حتّى دون النّوافل/ليومٍ مرشحٍ دائماً ليكونَ الأخير صفحة 9 ".
فيما قرأنا تبدو الذات الشاعرة في سباق محموم مع الزمن، ذاتٌ لديها الكثير لتقوله لكن الزمن يضيق، لذلك هي تريد وقتاً إضافياً خارج الزمن المحدد الذي يقيد اللحظة الشعرية، والهاجس المُلّح هو أن كل يوم بساعاته الأربع والعشرين يبدو اليوم الأخير من العمر، ثم نقرأ:
"أحتاج وقتاً خارج الزمن /لأهيلَ الزَّمن على كلَّ المسلسلات/التّي أُسندَ إليَّ فيها دورُ السّاعةِ!/ووقتاً لأنهبَ كلَّ شجرِ الشّعرِ المشاع/الّذي زرعَهُ الأسبقون/وأزرعُ باسمي قصيدةً بعنوان:/(القيمة أنثى) لو اختلت بالموت لأنسنته!"
تبدو الذات الشاعرة هنا تحمل روحاً متمردةً ورافضة، ويتمثل ذلك بفعل (لأهيل) الذي يعني هنا فعل الهدم، ولو سألنا: هدم ماذا؟ نكتشف أنه هدم السائد والتمرد على دور الأنثى ووظيفتها كساعة مراقبة للزمن، ثم أنها تريد وقتاً إضافياً للاستفادةِ من تجارب ما سبقها من الشعراء، ولو سألنا:لماذا؟ ستكون المفاجأة أنها تريد كتابة قصيدة مختلفة بعنوان: (القيمة أنثى)، هذا دليلٌ إضافيٌّ على الروح التواقة للذات الشاعرة التي تبحث عن الاختلاف وذلك بانحيازها إلى الأنثى التي لو أخذت دورها ربما أصبح الموت أكثر إنسانية. وهنا ستفوز بالساعة الإضافية التي تبحث عنها.
*صورة المرأة في تيمنا بالورد:
للإطلالة على هذا الجانب أجدُ من المناسب قراءة هذا المقطع الشعري:
"أعتذرُ من الرجلَ الّذي أحببتُهُ/ بينما كنتُ أنسجُ له منديلاً قدسي اللّون/سبقتني إليه جميلةٌ بمنديلٍ جسورِ الدّلالةِ  صفحة25"، لدينا هنا صورة نابضة بالحياة لامرأتين وبينهما رجل، الصورة الأولى لامرأة طافحة بالروح والحب والتأمل، وفوق كل ذلك بالحياء، هي امرأة ذات ترجيع داخلي تخفي ولا تفصح، وكل هذا في جملة شعرية تتألف من سبع كلمات ليس أكثر؛ "بينما كنت انسج له منديلا قدسي اللون"، توحي هذه الجملة الشعرية بطول المدة الزمنية (بينما) وهذا ما تستغرقه عملية النّسج وما فيه من تأمل وتفكر واستبطان، ثم أنها تنسج منديلاً وهذا رمز قديم للحب والتواصل بين العشاق، ولا بد من الانتباه أيضاً إلى لون المنديل فهو "قدسي اللون" أي هو تعويذة لحماية الحبيب، وبالمقابل تنهض صورة المرأة  الأخرى التي نقرأ وصفاً لها في: "سبقتني إليه جميلةٌ بمنديلٍ جسورِ الدّلالة". تبدو صورة المرأة الأخرى مستهترة، متسرّعةً وبلا حياء، ويبدو هذا حين قدمت للرجل منديلاً جسورَ الدلالةُ..
السؤال المضمر هنا: ما هو لون المنديل؟ هو جسور الدلالة، أي ليس فيه ما هو قدسي، إذن هو يلعب على الشهوات!
ويبقى الأهم في السؤال المضمر الآخر: من سيختار هذا الرجل الوقف بين امرأتين؟ للإجابة على هذا السؤال أجد من المناسب قراءة المقبوس التالي:
"كلانا يُدينُ الآخرَ بالعديدِ من إشاراتِ الاستفهام/ ألومُهُ على خصلةِ الوعول في علاقتِهِ مع الصّخورِ/ وببغائيّةِ الحالِ/وهو يسخرُ من قصورِ موهبةِ الجزرِ لديَّ/ اندفعُ بحمّى العواطفِ ليصفعني الرّملُ بالنّكران صفحة30"
لدينا هنا صورتان متقابلتان: رجل وامرأة، هي تلومه على عيب لديه عندما تشبهه بالوعل وعلاقته مع الصخور، هي صورة الوعل المعتادة حين ينطح الصخور بلا سبب؛ هنا إشارة خفية إلى أن هذا الرجل متسرع، يصنع أعداء وهميين وليس لديه قدرة على حل المشاكل، وأيضاً من صفاته ببغائية الحال، فهو مقلد وغير قادر على الابتكار، بينما صورة المرأة في المقابل التي يسخر الرجل منها تتمثل في كلمتين، وهما: المد والرمل، هنا صورة البحر الذي هو رمز المرأة في التقلب وتغير المزاج، وهذا لا يد للمرأة فيه فهو مرتبط بالمد والجزر، ،إذن هي تحمل براءتها من تهمة الرجل، لا بد لنا هنا بناء على هذا  المقبوس من استنتاج الجواب عن السؤال السابق، وهو من هي المرأة التي اختارها الرجل؟..
بالتأكيد هي المرأة ذات المنديل جسور الدلالة!.
* الانزياح:
يشغل الانزياح في مجموعة (تيمّناً بالورد) للشاعرة سعاد محمد جانباً لافتاً من الشغل عليه، هو انزياح يعطي  معنى إضافيّاً ومفارقاً لما هو سائد؛ لأنّه يكسر أفق التوقع لدى المتلقي. فمثلاً:
"لكلٍّ ما سلفَ من الأسبابِ الودودةِ واللّدودةِ/أحبّكَ وأغضُّ القلب، صفحة١7"، هذا اختزال لقصة طويلة (لكلَّ ما سلفَ) وهو إشارة إلى حديث طويل سابق بين رجل وامرأة واستعادة للحظات الود والخصام، لكن النتيجة تكون بانتصار الحب لأنها المرأة المضحية والمتفهمة "أحبك وأغض القلب"، ما يهم هنا هو التركيز على الانزياح، لم تقل الذات الشاعرة (أغضُّ الطّرف) لأنها تحمل معنى شائعاً يشير إلى التغاضي، بينما (أغض القلب) تدل صفح ومغفرة المحب.
وهناك كذلك "يسيلُ طيفُكَ عليَّ/يوقظُ يديَّ/(مِنْ مالِ صوتِكَ هاتِ أمنية)/تصدّقْ علي في وضحِ الشّوقِ/ولو بأغنية صفحة 68"، هي حالة حلم جميل أتى في لحظة تأمل واستغراق في هاجس سيطر عليه اللاوعي "يسيل طيفك علي" لكن طيفه أيقظ ما هو غير متوقع لديها "يوقظ يدي" وبحالة مفاجئة تقول: " من مال صوتك هات أمنية ". هي تسولف هنا، وهذا انزياح عن القول المعروف( من مال الله يا محسنين)، لكن لماذا صار الانزياح هنا إلى : من مال صوتك هات أمنية، ثم: تصدق علي ولو بأغنية، وعند السؤال: لماذا الأغنية؟ بالتأكيد الأغنية تشير إلى الزمن الجميل الذي كان.
ولدينا انزياح آخر كما في هذه الجملة الشعرية: "استعنتُ عليكً بالصّمت/ضلعُكَ المنهوبُ أنا..صفحة ١4"، هنا انزياح عن قول ( المرأةُ ضل قاصر)، يبدو من قراءة هذا المقبوس أن هناك علاقة مرتبكة بينها وبينه، ولا نسمع إلا صوتها "استعنت عليك بالصمت" هذا يعني أنه يحقق شخصيته بالصوت العالي بينما هي تلوذ بالصمت، إنه الحياء،  ثم تقول له: "ضلعك المنهوب أنا"، هي تذكره هنا بما ربما قد نسيه، تذكره بأنها جزء منه وليست غريبة عنه، ربما ليخفف من حدته تجاهها.
أيضا في مجموعة (تيمّناً بالورد الشعرية) لا بد من الانتباه إلى حضور مفردات الطبيعة محمولة  على لغة جميلة شفافة رشيقة رشاقة الكلمة المعبرة عن الحالة، وهكذا نقرأ:
" لي من الأرزاقِ../ حدْسُ الغزالاتِ الجفلى/ ونداءُ البعيد/ لي صحبةُ أحرفِ النفي والحفرِ النافرة صفحة١6٨".
تبدو الذات الشاعرة هنا مسكونة بهذا النداء الداخلي السراني الذي يدعوها إليه، وعند البحث عن الذي لديها؛ نكتشف انه قليل لكنه جميل:  لها حدس الغزالات الجفلى ونداء البعيد، ولا بد من الانتباه إلى اللغة التحتية المعبرة عن الروح المتكررة التي لا تثق بما تراه: الغزالات الجفلى. ثم صحبة أحرف النفي والحفر النافرة.
من هنا أعتقد أن  الشاعرة سعاد محمد وضعت يدها هنا على جوهر الشعر، الشعر الذي لا يقبل بالسائد، الشعر الذي لا بد له من ذات شاعرة متمردة تهجس دائماً بنداء البعيد.
---------------------------------------------------------------
* تيمنّاً بالورد- ديوان شعري للشاعرة سعاد محمد- الهيئة العامة السورية للكتاب-دمشق ٢٠٢١
عماد فياض ــــــــ هولندا
آذار ــــــ 2022

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي