PNGHunt-com-2

قراءة الناقد غازي أحمد ابوطبيخ الموسوي لنص (ماذا يضيرك ) للشاعرحلمي السعد _العراق

(ماذا يَضِيرُكَ)
في قراءةٍ موجزة

ألنص:
"""""""
غِرِّيدَهُمْ بِالرَّغْمِ مِنْ كَيدِ العِدَى
      فَوقَ العُلا بِالْمَجْدِ صِرْتَ مُخَلَّدَا
يا مَنْ تَلَوتَ الشِّعْرَ فِيْهِمْ آيَةً
        خَرَّتْ لَها كُلُّ المَلائِكِ سُجَّدَا
أَ فَكُلَّما وَضَعُوا القُيُودَ بِحَدِّها
      يَنْثالُ وَحْيُ الشِّعْرِ فِيكَ مُؤَيِّدَا ؟
فَتَصُوغَ شِعْرَكَ لِلْحَبيبِ قَلائِدًا
      حتَّى يَصُوغَ الشِّعْرُ مِنْكَ قَلائِدَا
وتَصِيرَ مِنْ وَهَجِ المَحَبَّةِ رَافِدًا
       فَيَفِيضُ حُبُّ الآلِ مِنْكَ رَوَافِدَا
يا مُتْرَعًا بِالحُبِّ حَدَّ هُيامِهِ
        حتَّى تَبِيتَ  مِنَ  الهُيامِ مُسَهَّدَا
هَمَلَتْ جُفُونُكَ أَدْمُعًا سَكَّابَةً
      فَغَدَتْ قَوافِي الشِّعْرِ جَفْنًا أَرْمَدَا
أَنْشَدْتَ حُبَّ الآلِ أَجْمَلَ نَغْمَةٍ
        يَشْدُو   بِها طَيرُ   الهَزَارِ  مُغَرِّدَا
فَبَنَيتَ مِنْ أَلَقِ القَصَائِدِ قِبْلَةً
       صَلَّى بِحَضْرَتِها الغَيارَى والعِدَى
مُتَجَاهِلًا ضَعْفَ النُّفُوسِ وَكَيْدَها                    مُتَمَلِّكًا   عَرْشَ   المَحَبَّةِ  سَيِّدَا      
وَتَهِيمُ ما بَينَ الدِّيَارِ مُشَرَّدَا
     مَاذا يَضِيرُكَ أَنْ تَكُونَ مُشَرَّدَا ؟
يا حَامِلًا أَكْفانَ مَوتِكَ عَنْوَةً
      أَلْبَسْتَ سِفْرَ الشِّعْرِ حُزْنًا أَسْوَدَا
هُمْ طَارَدُوكَ على الفَضِيلَةِ والتُّقَى
       فَمَلَأْتَهُمْ   رُعْبًا  وَصِرْتَ مُهِدَّدَا  
قَدْ نَاوَؤُوكَ لِبُغْضِهِمْ فَهَجَوتَهُمْ
       حُرًّا    نَبِيلًا     أَحْمَدِيًّا   مُفْرَدَا
وَرَغَمْتَ أَنْفَ المَارِقِينَ وَغَيَّهُمْ
      وَوَطِئْتَ   كُلَّ  مُعَانِدٍ قَدْ عَرْبَدَا 
خَلُدَتْ قَصَائِدُ عِشْقِ آلِ مُحَمَّدٍ
    حتَّى خَلُدْتَ وَبَاتَ شِعْرُكَ سَرْمَدَا 
حَيُّوا الكُمَيْتَ وقَدْ أَنارَ   فَضَائِلًا
     فَطِنٌ    شُجَاعٌ في البَلا ما سَدَّدَا      
سَلِمَتْ قَرِيحَتُكَ التي مِنْ شَجْوِها 
         أَبْكَى صَدَاهُ الكَونَ حِينَ تَرَدَّدَا
        ألشاعر
   حلمي السعد
       البصرة
"""""""""""""""""""""""""""""'"''''''
ألقراءة
"""""""""

ألرّثاءُ..غرض شعري عربي قديم،وربما هو الأقدم ،لأنه يعود إلى نقطة البداية في الشعر العربي..فمراثي المهلهل ماهي الّا مديح لمن فقده الشاعر المهلهل بن ربيعة التغلبي صاحب أول نص شعري عربي وصلنا متكاملاً عروضاً ومضموناً ولغة وعدداً تجاوز الثلاثين بيتاً، كما يؤكد(محمد بن سلام الجمحي ت. 231 ه  )في كتابه الشهير طبقات الشعراء.
والحال ذاته فيما يخص مراثي الخنساء لأخيها صخر التي امتلأت بتعداد صفاته كفارس همام لايُشقُّ له غبار..وهكذا في مراثي الملوك والسلاطين والخلفاء واصحاب الشان،
والامر نفسه في جميع القصائد اللاحقة المتصلة بهذا الموضوع منذ عصر ماقبل الاسلام وحتى اللحظة الراهنة..
ولكنّ جديد هذا النص الذي أمامنا يتمثل في أن الشاعر والاعلامي حلمي السعد لم يرثِ ملكًا او سلطاناً ،بل يرثي شاعراً مثله!!..
فالممدوح ( المرثيُّ) هو الكميت بن زيد الأسدي،وهو شاعر رمز يمثل موقفاً مبدئيًّا مايزال وسيبقى مثارًا للإنتباه،كما وأنه يمثل طاقة شعرية هائلة ومتفوقة باعتراف مجايليه ولاحقيه،
ويكفي ان يقول الفرزدق بحقه (أنت والله اشعر من مات ومن بقي)..
فممدوح شاعرنا إذن..يستحق كل ماقيل فيه قديماً،ويستحق ما قاله اللاحقون ايضاً، ومنهم شاعرنا حلمي السعد المُجيد..ولبيان موطنه ونسبه نقول:
هو الكميت بن زيد الأسدي، شاعر عربي عراقي كوفي، من قبيلة بني أسد ومن أشهر شعراء العصر الأموي، سكن الكوفة واشتهر بقصائده المسماة بالهاشميات. حتى لُقِّبَ بشاعر الهاشميات وكنيته أبو المستهل..
وتلك ثيمة أولى لشاعر هذه القصيدة  تستحق منا الإلتفات،مع انها متصلة طبعاً باسبقيات رائدة ،تختص بمراثي الشعراء للشعراء،امثال مراثي الجواهري للمتنبي والمعري في العصررالحديث،كمثال وليس على سبيل الحصر..
فالأمر أقدم من ذلك  بكثير..
وجميل من شاعرنا تجديد الكتابة على هذا الصعيد وعن شاعر قديم بالذات ،فقد كتب الشعراء المتأخرون الذين مايزال الكثير منهم على قيد الحياة مراثي عن السياب والنواب وسعدي وغيرهم كثير ..
وعودًا على مرثية شاعرنا اقول : إنها قصيدة كلاسيكية مكتوبة على عروض(الكامل التام/ متفاعلن3 في كل شطر)،ومما زاد إيقاعها قوةً قافيتها الدالية التي تنتهي بألف الإطلاق العالية الصدى..
والامر الذي يمنح هذا النص قرباً للذائقة الجمعية العامة أن الشاعر حرص على أن تكون مقارباته الحداثية شديدة الارتباط بالموروث البلاغي ،وبما يجعلها برغم كثرة الأغراض البلاغية فيها اقرب إلى السهل الممتنع منها إلى العناقيد التحديثية المعاصرة..
ولشد ما ادهشتني روعة المفارقة في البيت الذي يقول فيه:
( وَتَهِيمُ ما بَينَ الدِّيَارِ مُشَرَّدَا
     مَاذا يَضِيرُكَ أَنْ تَكُونَ مُشَرَّدَا ؟)!..والذي أراه شخصيًّا بيت القصيد الفريد،الذي خطف منه عتبة النص او ثُريّاه المضيئة(ماذا يضيرك)..
كما وتجدر بنا الإشارة إلى انّ الإنزياحات البلاغية التي يحتشد بها النص جاءت بعيدة عن التعسف ،وبتلقائية محببة كما هي الحال في الجناس الجميل الوارد فيما يلي:
( فَتَصُوغَ شِعْرَكَ لِلْحَبيبِ قَلائِدًا
      حتَّى يَصُوغَ الشِّعْرُ مِنْكَ قَلائِدَا
وتَصِيرَ مِنْ وَهَجِ المَحَبَّةِ رَافِدًا
       فَيَفِيضُ حُبُّ الآلِ مِنْكَ رَوَافِدَا)..
حيث ( قلائداً وقلائدا)و(ورافداً وروافدا)..
وليس ماذكرناه سوى أمثلة للإستشهاد،فالميقات لايتحمل التفصيل، واللبيب بالإشارة يكتفي ويفهم .
ولقد كان بناء القصيدة متوالدًا متناسلًا (يمسك بعضه برقاب بعض) كما يعبر النقاد القدامى،من المطلع فالمقطع فمسك الختام..
تبقى إشارة اراها بالغة الضرورة تتعلق بصدر المطلع،ذلك لانه يمثل الضربة الجاذبة الأولى،والتي يتوجب ان تكون غاية بالإتقان والإحكام وقوة السياق..
ولانني غير واثق تمامًا من الإمساك بمضمون هذا الصدر،في جانب،وبسبب نصب دال غِرِّي(دَ)هم في جانب آخر..كما وأجد نوعًا من القلق السياقي في ارتباط الصدر بالعجز،بما يستدعي تفسير الشاعر أو تأويله،أو ربما تعديله..
من هنا نحتاج إلى هذا الرد في التعليقات،لكي تتوضح الصورة أكثر..وسنقوم بدورنا برفع رد الشاعر تحت المقال مباشرة وبإسمه الكريم..كبادرة نقدية للحوار المباشر بين الناقد والشاعر..
ونحن في كل الأحوال نقترح ان تكون المطالع بعيدة عن التقعيب او التقعير او العنقدة ،لانها مفتاح الدخول الى عمارة الشاعر الشاهقة،فالقصيدة تستحق الكثير من الأكبار..مع التقدير..

              غازي..

صورة الشاعر والاعلامي حلمي السعد الفاضل مع المودة والتقدير..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي