الغربة والاغتراب في تجربة الشاعر عادل سعيد بالنرويج بقلم الناقدغازي أبو طبيخ الموسوي _العراق
لم يحصل مرةً
و مُذ أوّلِ يومِ خليقةٍ
أنْ دعا الفجرُ الليلَ النعسان
ـ و هو يتسلمُ منه مفاتيحَ الدوام الرسمي ـ
إلى وجبةِ افطار
على شرفِ الصّباح!!
...
،،،
ألمقطع الذي بدأنا به هذه المطالعة يفيد انه لا يمكن ان يلتقي العدل والظلم في جلسة مصالحة وان لكل منهما طريقاً موازيةً للاخرى ينعدم فيه اللقاء
…
…
الغربة والاغتراب في تجربة عادل سعيد Adil Saeed الشعرية :
،،،
إن تواجد عادل سعيد في النرويج ليس السبب الوحيد في شعوره بالإغتراب فالأنسان قد يكون غريباً عن المكان حتى وان كان يعيش فيه، وقد امتدت غربة الشاعر من شبابه الى كهولته ومن العراق الى حيث يعيش الآن وهو ما يجعلنا نحكم بأنه عاش ولا زال حالة من الاغتراب النفسي المتصلة اساساً بموقفه كمعارض منذ بدايات شبابه..
ولقد وقع اختياره على قصيدة النثر ليسجل من خلاله كل الانفعالات التي تعيشها روحه وفكره،تعبيراً عن موقفه الشخصي من الماحول، والذي لا يمكن ان ينفصل عن الواقع العام الذي يتحكم في وجوده،ولا يمكن لشاعر مرهف مثله ان يحياه بسلام .
حيث كان انتماؤه لحركة الأنصار اول ردود فعله على هذا الواقع المعيش..
لكنني ارى من خلال المعايشة الصخصية أن الشاعر عادل سعيد مغترب حتى عن نفسه،وهو على قناعة بأن الحالة التي كان عليها لا ترقى الى مستوى تطلعاته، نتيجة ما آلت اليه آماله وانتظاراته واحلامه ،حتى انه يخاف ان يكون ابنه نسخةً مكررة من خيباته واخفاقاته .
هذه الخيبات مثلت لاحقاً خلاصة تجربة الشاعر الخيالية والتي حولها الى نجاحات ادبية فلا يخفى على أحد ان الاغتراب قد يكون نافذة إبداعية ولكنه بنفس الوقت سيترك أثره على نفس الشاعر،فيبدو منهكا أو منهارا يعيش انفصالا مؤلما بينه وبين واقع لا ينتمي إليه.
لذلك فإن مسألة اغتراب عادل سعيد هي عنصر مساعد له على تفجير طاقاته ابداعيا عن طريق جنس ادبي كثيرا ما كان ملاذا مناسبا لمن لم ينجح ان يكون من القانعين بما تهبه الحياة لأمثالهم
…
(((((عادل سعيد- العراق- بابل- شاعر مغترب في النرويج))))):
نص الشاعر:
تمارين … قَبل الهبوب !!
ـ 1 ـ
إسمَحْ لي .. طِفليَ العزيز
أن أكونَ دُمْيتَكَ
كي لا ترى مُستقبلَكَ في صورتي
فتَشيخ ..
…..... قبلي
ـ 2 ـ
لم يحصل مرةً
و مُذ أوّلِ يومِ خليقة
أنْ دعا الفجرُ الليلَ النعسان
ـ و هو يتسلمُ منه مفاتيحَ الدوام الرسمي ـ
إلى وجبةِ افطار
على شرفِ الصّباح !!
ـ 3 ـ
الشاعرُ ( الجاهلي ) الّذي
هجرَتهُ حبيبتُهُ للتو
حدّقَ بعينين دامعتين
الى القمر الذي
كانَ يلبسُ قناعَ حبيبته
و النجومِ التي كانت تثرثرُ
في خيمةِ وحدتِهِ
قبلَ ان يغفو على حرير أكاذيبِها ..
ثُمَّ صوّبَ مسدّسَهُ نحو السّماء
و اطلقَ الرصاصَ على القمرِ الذي ..
والنجومِ التي ..
و حبيتهِ الّتي ..
ثم تغطّى بالليلِ الذي ..
….. و ذاب
ـ 4 ـ
ليتَهُم تمسّكوا بقِشّةِ تِبْن
بدلَ قِشّة الزُرقة
قبلَ اَنْ
يَبتلِعَهُم البَحْر !!
ـ 5 ـ
كُلُّ الأخطاء الممكنة أرتكبتُها
لم يتبقَ سوى أنْ
…..
أحبّكِ !!
ـ6 ـ
يا للحَسناوات ..
الحَسناوات اللواتي
سينقَضي العُمر
دون أنْ أحظى
مرّة
بنصيبِ عُصفورٍ
مِن
..
كَيدِهِنّ العَظيم !!
***
مع النص
في نظرة متسارعة
""""""""""""""""""""""""
معلومة هي الإختلافات المتكاثرة بين المنهجين البنيوي والتفكيكي،ولكنهما متفقان على ضرورة تركيز النظر النقدي على المضمون خصوصاً،حدّ أن يدعو بارت الى موت المؤلف وهي دعوة باتت مشهورة أيضا..
كما ويتفقان على الخلاف الصريح مع الشكلانيين الداعين الى التركيز على المبنى لٱعتبارات ليس هنا مجال عرضها خاصة وهي موجودة في مضانّها لمن أراد الإستبيان..
والذي قادنا الى هذا التقديم جانبان متجليان في نص الشاعر العراقي عادل سعيد :
أولهما أنه مهتم عميقاً بمضمونه وإطروحته كغاية أساسية ..
وثانيهما..انه يوظف قدراته التعبيرية الناضجة كوسيلة وليست كغاية بقصد إيصال رؤيته حول العالم،محفوزاً بالبعدين الذاتي والموضوعي معاً..
ولست ادّعي هنا تبني فكرة موت المؤلف ،لصعوبة ذلك مع هذا الشاعر على وجه الخصوص ،فقد عايشته منذ بواكير اعماله،أيام كنا معاً في نفس الجامعة بل ونفس القسم ونفس الشعبة الدراسية أيضاً..
والحقيقة التي اشهد عليها شخصياً أنّ عادل سعيد يدخل في قائمة رواد (النص النثري المركز)بحسب حسين مردان،إذ كتب قصيدة النثر منذ عام 1970بشكل ناضج بشهادتي الشخصية ،وقد شافهني مراراً أنه زاول كتابتها منذ كان طالباً في المرحلة الثانوية. من هنا اخذت نصوصه بعد جهوزيتها التعبيرية بالإنتقال رويداً إلى مرحلة التعبير عن متبنياته الفكرية بعيداً عن اليباس التقريري ،بل وفي عقر دار الشعرية المحتشدة بالنشاط النفساني حد التوفز الإبداعي-إذا جاز لنا التعبير-ومع أنه يساريّ النزعة منذ زمن بعيد،ولكنه يكتب حين يكتب كشاعر لايخضع لأي نوع من انواع الأدلجة إلّا ما تبركنت به دخيلته المفعمة بالتمرد على الواقع الضاغط حدّ ان يكون مختلفاً حتى بطبيعة انتماءاته السياسية كونه لايطيق الإلتزام بمعناه العقائدي المعروف.
ومعلوم ان البنيوية قد توسعت آفاقها من البحث في العلائق اللغوية،الى مدارات اكثر اشتمالاً،بحيث ترسخت مع الايام كمنهج بحث يتشوف الدارس من خلاله مواضع الصلة بين العناصر الاساسية للنص-ايا كان جنسه او طرازه-بل ويمكن اشتماله على كافة انواع المعارف المتداوله،وهو مايزال فاعلا مع وجود الكثير من الاعتراضات عليه حاليا ،وليس هنا مجال الخوض فيها..
ومعلوم ان (جومسكي)يرى ان دراسة اي نص ابداعي يجب ان تكون على مستويين..
أ-المستوى السطحي.. ويُعنى بمتابعة الشكل اللغوي اداة ونحواً..
ب-والمستوى الثاني يعنى بمتابعة المضمون بكافة اعماقه..
مؤكدا على ان الصورة الشعرية تمثل البعد الدلالي العميق للنصوص ..وبهذا ستكون ومضات او مقاطع هذا النص -مادة المتابعة-صورة شعرية ذات بعدين : سطحي حِرَفي من جهة، و في ذات الوقت دلالي عميق سيق هنا من اجل هدف يبدو ان الشاعر بِنِيّةِ الكشف عنه او البرهنة عليه..
ولما كنا الآن بصددِ محاورةِ سداسيةِ الشاعر عادل سعيد،فما هي طبيعة الصلة بين عناصر هذه السداسية؟..
ورب قارئ يظن انها مجموعة ومضات مستقلة لا تربطها مع بعضها صلة ما..؟!
ولكن الرجل اعاننا على الكشف بالترقيم والتقسيم فاذا بنا بإزاء ست بنى مستقلة ظاهرا وعميقة الصلة باطنا،ذلك لأن هذه البنى الست في حقيقة الامر عناصر خلق لنص ابداعي واحد..
النص اذن كناتج اولي مركب ابداعي ،يلزمنا اثبات انه في اطار قصيد واحد،فما هي اوجه هذا التأطير التي تثبت الوحدتين الموضوعية والحيوية لهذا النص الفقري الذي لا يخلو من الغرابة الذكية والتي تنم بدورها عن خبرة الشاعرالكبيرة التي يمكن ملاحظتها من خلال هذه الخارطة الغريبة بالتحديد،فمن اراد الاكتفاء بومضة واحده منها فبها،ومن اغرته الومضة ليقرأ ما بعدها فبها ونعمت،والغاية من هذا النوع من البناءالتكثيف،
وغاية التكثيف التعميق والتنويع في آن واحد..
ولا نريد هنا تطبيق منهجية المفكر الروسي فلاديمير بروب ونعني بها "المثال الوظائفي"بالكامل،مع اننا بصدد سردية شعرية ليست بعيدة عن هذا المثال ولكنّ بروب طابق منهجه سابقاً مع السرود والخرافة الروسية على وجه الخصوص منذ العشرينات،فما افادنا منه اخذنا به ولانجد ضرورة بقسر المعطيات بتطبيقه على ما لايصح كما ينبه أ.د.حسين عبود الهلالي مؤكدا ان الاصل في هذا المنهج تصنيفي علمي بقوله"إن المثال الوظائفي منهج في التصنيف وليس منهجا نقدياً"في كتابه (مواقف سلبية من الشعر والشعراء ص 192)،ومع ذلك فقد تم استخدامه نقديا بكثرة آنذاك ومايزال ايضا ولكنْ شريطة مطابقة المقال للمقام،وعليه فسنستعين به او بغيره عندما نجد في ذلك منفعة للبحث ،فالنص الذي تحت انظارنا يمتاز بالحس الفولكلوري ،وبخاصة مايتعلق بالشكل الذي صاغ عليه عادل سعيد هذا النص..فالشكلانيون يركزون في بحثهم على هذا الجانب اكثر بكثير من الموضوع او المضمون،بل انهم رفضوا تقسيم النص على اساس الشكل والمضمون خاصة فيما يخص الشعر،وهم بذلك ليسوا بعيدين عن رؤية ابي عثمان عمرو بن بحرالجاحظ الذي يؤكد بدوره على المبنى مصرحاً: ب"إن المعاني مطروحة في الطرقات"!!..
ولرب متلقٍّ واعٍ،ولرب متلقٍّ ناقدٍ أيضاً،قادر على كشف العلاقة التي تربط هذه البنى مع بعضها البعض..
فما هي هذه الرابطة او العلائق التي تربط ما بين عناصر خلق هذا النص؟!..
وللإجابة عن هذا السؤال نقول:
هناك ثلاثة اوجه او تنويعات لهذه الوشائج التى يلزمنا المنهج البنيوي بالبحث عنها.. وهي على مستوى الادب ،الذي يتخذ من اللغة اداة تعبيرية،تقسم الى ثلاث علائق :
1-علائق لغوية تعبيرية..
2-علائق معنوية مضمونية فكرية..
3-كلاهما معًا..
ولا سبيل للتفضيل هنا..فمن الواضح جدا ان مديات قوة او ضعف اي نص ابداعي تتبع قابليات المبدعين انفسهم
……………………………
ينظر : قصيدة النثر والاحتمالات المؤجلة ، (بحث ، مجلة الأديب المعاصر) : 113
تعليقات
إرسال تعليق