رؤية الناقد غازي أحمد ابو طبيخ الإجمالية لقصيدة (شهقات بحاجة للاوكسجين) للشاعر د.ضياء الجنابي _العراق
رؤية اجمالية
حول قصيدة (شهقات بحاجة للاوكسجين)...........وهو عنوان قصيدة حديثة للدكتور ضياء الجنابي Diya Aljanabi مدير تحرير شبكة المدار الاعلامية الاوربية..
،،، أقول: ذات يوم سئل الامام علي ع عن أشعر العرب قبل الإسلام فأجاب بعد إلحاح بأجابة شاملة لاتنحصر في عصر من العصور ولا تختزل في دهر من الدهور بل هي نظرة جمالية خارقة للزمكان، قائلا:(ليس للقوم قصب سِبْقٍ يذهبون إليه..ولكنْ إنْ كان ولا بدّ فالملكُ الضّلّيلُ)،ويعني امرءَ القيس..
والذي نتلمسه من هذه الاجابة انه لاتوجد مثابة معينة يقف عندها الشعراء باعتبارها القمة الاخيرة اونهاية المطاف على الاطلاق، هذا في ناحية وفي ناحية أخرى لايوجد شاعر أصيل موهوب بحق يمكن ان يلغي شاعراً موهوباً آخر مطلقاً ..مؤكدا بأسلوب إيحائيٍّ فريد ان النظرة الى الفن عامة والشعر خاصة يتوجب ان لا تقع تحت تأثير فكري او عقائدي ذي اطار محدد وانما يفترض ان تكون وفق منظور جمالي واسع النطاق يتجاوز كافة الاطر الضيقة..
وهذا بالضبط ما جعله يقول:(فان كان ولا بد فالملك الضليل)،بعيدا عن اسقاط السلوك الشخصي الذي نعرفه جميعاً للشاعر الرائد امرئ القيس،ولا أي منشور ديني متزمت على الحكم النقدي..
بقيت الاشارة الضرورية إلى ان من يقع تحت تأثير (عقدة الكبار) مثلًا، فقد حجب عن عينيه بيديه رؤية الآخر الجميل،والذي قد يكون اكثر جمالًا في أحيان كثيرة..
أما المحور التأسيسي الثالث الذي نستلهمه من المقولة، فيكمن في الإشارة الضمنية لسنة التطورالحضاري الذي يستوعب في إطاره العام كل حقول المعرفة وجوانب الحياة..
وانطلاقا من هذه التأسيسات اقول:حضرتني شاخصة إسلوبية الشاعر الانجليزي ت.اس.اليوت، وخاصة في قصيدته الاعظم (الارض الخراب)بأزاء شهقات الشاعر العراقي الدكتور الجنابي التي نشرها هناك في بروكسل-دارة الاتحاد الاوربي المعاصرة-من دون أن أستدعي أو أستحضر هذه الإسلوبية قصديًّا،وإنما كان الحضور تلقائياً أو ربما كان بحسب نظرية بافلوف في الاقتران الشرطي. والجميل انّ خصوصية الشاعر الجنابي كانت واضحة وضوح الشمس.
ترى ما هو سبب حضور الارض اليباب او الخراب إلى ذاكرتي؟!..
هل يكمن في الاسلوبية المقطعية التي انتهجها الشاعران مثلا؟..
لا اظن ذلك،فكلنا يعلم أنّ هذا الإسلوب شائع بل قد تعارف عليه الناس منذ القدم..نعم كان واحدًا من اسباب متكاثرة اهمها جميعًا هذا التقابل التعبيري في الشكل وفي المضمون في آنٍ واحد ،لانها قصيدة انسكلوبيدية اختزلت الواقع التاريخي العام والخاص في بعديه السابق والمعاصر، العالمي والقومي في تراتبية مقطعية مستقلة في الظاهر، متعاشقة متوالدة في الباطن،وبأداة تعبيرية واقعية خفية الايادي ،لكن هذه الايادي تمتد لاستكشاف البعد المحيط وتصب اهتمامها على قراءته من وجهة نظر
مكتنزة بالضمائر الجمعية الممثلة للحقبة التاريخية الانجليزية في جانب والاوربية في جانب اخر،خاصة في فترة ما بعد الحرب الكبرى واثارها المدمرة القاهرة..
في البعد المقابل يقف المشروع الشعري للشاعر الجنابي- ممثلا بالشهقات - ناقلاً أداته التعبيرية من لغة الواقع الانثروبولوجي الى لون من الاداء التجريدي الذي يشبه الى حد كبير تجريدية بيكاسو مع اختلاف الجنس، او حاملاً معه اعباء الشرق الاقصى بل اوجاع الوطن التي تبلورت في المختصر المفيد واعني ضمير الشاعر او بالاحرى مضمره المتمثل في هذه الشهقات التي أحسها شخصيّاً في نفسي كوني كشرقي وكعربي وكعراقي اشعر عميقاً بحاجة إلى أوكسجين الحرية أو الأمان اواللّاقلق او سمها ما شئت فأن جميع التسميات ستصب في حاجتنا الماسة الى الأوكسجين حد الشعور بالاختناق..
اذن فالشاعر اختزل الواقع المريض بل جرده من حراشفه الواقعية المباشرة ليكشف لنا عن اكبر عورة عرفها تاريخ الشرق العربي عامة والعراقي خاصة تلك المتمثلة في خنق الحريات بالجملة ومنع حرية التعبير بالتحديد بطريقة تراجيدية مرعبة الى حد منع الشاعر -اي شاعر حر- من التعبير المباشر عن حقيقة مشاعره بوضوح كامل،فيلجأ الى هذا اللون المبتكر للتعبير الايحائي المجازي المكتنز باوجاع امة بحالها ولكن على لسان فرد حيوي نوعي وسيكولوجية بطل أعلن من خلال مشروعه الابداعي عن استعداده لأن يكون شاشة الكترونية تعرض تفاصيل الحلم الإنساني المصروع تحت عربات الظلمة الحديدية.....
تعليقات
إرسال تعليق