غرفة الإنعاش : ق.ق بقلم الأديب القاص عبد الزهرة خالد
قصة قصيرة
غرفة الإنعاش
——————
يستمتع الصقرُ بصيده عندما ينفرد به في عشه الوسيع فوق أعالي الأبراج من دون أن ينتبه إليه أحد هو يراقبُ الغادي والعادي بينما ينهشُ بما يشتهي من أجزاء .
مذ طفولته وهو يختار واحدةً تلوة الأخرى كثمار المواسم لكلّ موسم سلته العامرة ، تدخل ضمن خيوط الغزلِ حول وتد المغزل ، تشابكت عليه الرغبات حتى نكثت غزله منذ زمن بعيد ، كان في قديم العمر ، هناك قلب رهيف يعرف من أين يؤخذ الحنان وتأكل أكتافَ الشهوة ، أول صورةٍ لقلب يخترقه سهم أعوج رسمه بقلم قويبا على فخذٍ أسمر مقابل نفس القلب رسمته هي على فخذه ، تدعي أمام معلمها الإضافي عدم فهم الدرس وما كان يدرك مدى استيعابها للدرس الأول أم الثاني ..
لم ينضج التفاح على الشجرةِ كي يقطف أولَ ذنبٍ ، ولا تتسع ورق التوت لتستر عورةَ رغباته ، ولا يدرك ثمةَ الالتزام في العقود ولم ينظم كاتبُ العدل له عقداً ليقترن بالخاتم الذهبي ، ربما يتصدّع البنصر الأيمن من كفّه لأنه لا يريد قفصاً يسرق تغريده .
ذهبن من غير ذكرى وهنّ كثيرات لا يذكر أسماءَهن لكنهن يختصرن أناث العالم أجمع ، هَرِم هو وشاخ الأسود والأبيض ثم استبدل أحداهن بأخرى فاترة اللون ، شاخت معها الذكريات أيضًا ، ما عادت الصور موجودة في دهاليز الخرف ، إلا واحدة مكثت أكثر مدة من الأخريات هي صورة العباءة التي ترفعها يدّ بيضاء من بعيد تؤدي التحية ..
كبرَ معه الفؤاد وتعددت طوابقه ، يبدو أنه يستوعبُ أكثر عددا لا يهمه النوع ، لا يميز بين الشقراء والسمراء يبحثُ عن أجملهن صوتاً وأنعم بشرة وأوسع صدرا ، هذه المرة وجدها لكن بهفوة رعونة ودعها إلى حيث ما أتت بعد التخرج بدرجة بكلوريوس شباب من الصنف الأوسط أملت عليه شروط الالتزام بالأسرة في فترةٍ أعشوشبت الحرية تحتِ أبطيه ، رفض شروطها ألا يدخن ، ألا يشرب وألا يصادق الطالبات ، دمعة الوداعِ لها موقفا متأبدا إلى يومه حيث لم يجد مثل صلابتها وكبريائها رغم خسارتها أمام ضربة المنديل الورقي الأبيض .
بعد حرب ضروس كأنه أحد جنود الألمان العائد بعد اندحار جيشه الكبير يحتضنُ عودته المنكسرة قوسٌ مهزوم من خيول الانتشاء . كانت في الركن منتظرةً بداية الصباح تهدي له قلما ومفتاحا لم يدرك فحواه لها جملة جميلة لم تغيب عن باله " أنت في الجبهة ونحن هنا بالخير نذكركَ قبل أن أراك " .
كان منتشياً جداً عندما تذكره النسوان في مجلسهن دون أن يقطعن أيديهن ، أما غيرتهن مستورة بغطاء حديدي فوق أبريق الغليان . الطامة الكبرى في وسط الطريق أدركه النّدم ، وفشل فضيع أصاب قمصانه الضيقة ، صار السرّ سمّا يدس أنفه في أحلى الأحلام ، تداهم المعاناة مكان الفرارِ ، أإلى الجنوبِ أم إلى الشمال .
إلى الآن لن يعلن توبته في معابد الاعترافِ ربما يكفيه رمي الجمرات في الحج الأكبر ، أما هي خاتمة الإناث تخلت عن ذنوب الغرامِ عندما وافقت على منحها إجازة طويلة الأمد شرط أن تستغفر له أثناء قيام اللّيل .
يبقى الهدف واضحاً كل كتاباته تحتاج إلى صنم أو لوحة يرسمها غيره لذا كلفّ أحد الكتاب أن يكتبَ شيئاً عن مغامراته العاطفية فيها زهور من عذرية الحب هذا الحب الذي يجيد الهمس والإشارة ولا يتمتع باللمس مطلقاً .
قال أخيراً له ، اكتبْ لي الوصية الشرعية لأني لا أعرف كتابتها ولو إنّي أجيد قراءتها ..اكتبْ عني كأنّك أنا -في عنفوان شيخوختي- وقد أقارع كؤوسَ الغرام جهارًا .
هكذا التاجر المفلس يبحثُ في دفاترِ ديونه ، الحقيقة بعد الجرد والتدقيق وجد نفسه مدينًا ومدانًا بألف روبية ذهبية ، بين التوبة والعودة طول عكازة تأخذه إلى حيث تشاء قبل أن توقعه في حفرةٍ أبدية ..
كان يدور في ذهني سؤالٌ ، ماذا لو كانت معه أحداهن ؟
صديقي ، قال لي قبل أن يغمض عينيه ، لا تنسَ قصاصاتي التي كتبتها لامرأة كانت تشبهني وتنتشي بعباراتي حتى سقطت صريعة العواطفِ لأنها تحتاج مثلي إلى ( كيس مغذي ) يحتوي على مشاعر سائلة ، يحتاجها الوريد كي تسري إلى القلب …
من يدفع كفارة المغادرات لأنهن لا حولَ لهن ولا قوة .
قبل أن يخلع الخوفُ ثوبَ الصراخ خرجتُ مسرعاً من غرفة الانعاش صرختُ بوجه المضمد هيا معي …
كيس المغذي توقف !..
ملاحظة : هذه القصة باكورة كتابة القصة وفازت بالمركز السابع من بين ١٦٥ مشارك في مسابقة ( شهيد الثقافة العراقية د علاء مشذوب للقصة القصيرة .٢.٢ ) باشراف مركز دار العرب للثقافة والفنون ..
——————
عبدالزهرة خالد - البصرة
تعليقات
إرسال تعليق