PNGHunt-com-2

مفاتيح فائضة : ق.ق بقلم أستاذة ديانا مريم

مفاتيح فائضة   .. قصة ..
ذات سفر ، ما إن وصلت وفتحت باب غرفتها الحديدي ، وبدأت بإفراغ حقائبها ، في خضم انشغالها ، لم تسمع قرقعة الباب ، كانت تهم بارتداء ملابسها وإذ  بالباب يُفتح على وجهِ رجل كبير خمسيني العمر ، يخبئ وجهه بمنديل، يطأ برجله عتبة الغرفة ،
صاحت وبأعلى الصوت ما هذا ؟؟!
وماذا تريد ؟؟!!
وكيف تتجرأ على هذا التصرف أيها الحقير ؟!!
وشتمت بما يكفي ، ويُسمع الجيران صوتها ، حاولت أن تضربه من شدة غيظها والمفاجآة ؛ لكنه ولَّى هارباً لايرى أمامه ، بعد أن أوقعها بلكمة أرضاً ،خائفاً من الفضيحة ، مغلقاً الباب وراءه .
وقفت مترنحة من هول الذهول والصدمة ، تتفقد رأسها الذي كاد يرتطم بباب الغرفة المطلة على صحن الدار البارد ، يلفه غبار الصيف ، ويلف عشب قلبها اليابس ، وحدها الأرجوحة الخشبية المتدلية من شجرة الكينا ، التي يهزها الهواء ، تعانق أوراق الشجر ، كانت الشاهدة الوحيدة على الاعتداء .

لم تعرف إن كان لاذ بالفرار إلى خارج المبنى ، أم إلى الطابق العلوي مكان سكنه ، فهو صاحب البيت المصون والمؤجر ، لم تته عنه من شكل ثيابه .
لسوء الحظ ، لم يكن أحد من الجيران في الطابق الأرضي
وقفت متكئة على باب مدخل البناء ، تنتظر عودة زوجته من بيوت أحد الجيران . حيث سمعت صوتها ، وهي تناقش بأسعار عملها في تطريز العبايات ،
الغريب بالأمر رغم صوتها العالي، لم يخرج أحد من الجيران ولو من باب الاستطلاع ، يالبرودة مشاعرهم والخوف الذي يرهبهم من تسلط المؤجر وزوجته ، (ليتهم كانوا كهذه النسمات الشمالية الباردة والناعمة ، التي لامست خدها وهي تنتظر ، كادت تنسى لمَ هي واقفة ،)حتى الشارع خلا من المارة ،!!
تاهت بأفكارها ترى ما الأمر ؟!
أهي حادثة مكررة ، أم أن البيوت خلت من أصحابها أيضاً.
يالقسوة الزمن المتهافت على رصيف الأمنيات المتكسرة، خيبة تجر خيبة .
أي ذنبٍ ارتكبتهُ يا الله؟؟؟ ، قالت في قرارةِ نفسها ؟؟!!.
في تلك اللحظة ، كانت آخر مكالمة تتفعل دون وعي ليصلها صوت ميس الشجاعة، الأم الصغيرة لصديقاتها وهي تقول : خير يا بنتي أنا بانتظارِ وصولكِ إلى غرفتكِ المستأجرة ، لكنها شعرت بشيء غير طبيعي .
ألو : ما حالك ؟؟
هل وصلتِ ؟ أين أنتِ أرجوك ردي عليَّ .
ردت والتوتر يتعالى ،نعم وصلت البيت منذ قليل .
تعالي بسرعة هناك كارثة .. غرفتي مقلوبة رأسا على عقب وأشيائي متناثرة هنا وهناك ...
ميس الصديقة المحبة والقوية ، لا يفصل بينهما بالسكن إلا شارع
حضرت بسرعة البرق والشرر يتطاير من عينها
قصت عليها الحكاية وصبت جام غضبها على الأرض .
ضحكت ميس وقالت : (هذا القصب مص ) يفعل كل هذا .
اهدئي سنتدبر الأمر لاتخافي وانتظرتا معا حتى
عودة الزوجة صعدتا الدرج بسرعة الريح ؛
خبطت على الباب بكل ما أوتيت من قوة وغضب ، ونادت ، لتخرج الزوجة و تبرر لزوجها بعد أن علمت بالأمر ، أنه يجرب بعض المفاتيح التي عثروا عليها مصادفة على سطح الخزانة وهم يقومون بتعزيل البيت ، على أبواب الغرف المؤجرة . ولا نية سيئة ، وحدث جدالٌ طويلٌ مابين شد وصد ، وذاك الرجل مختبئ في غرفته يستمع للحديث ، لأنها حلفت أنها ستضربه بحذائها لتؤدبه وتجعله عبرة لغيره من البشر . لكنها اكتفت بتهديده بإخبار الشرطة .
خرج مترجيا إياهن انها المرة الأخيرة ، وتحت االضغط العالي وتجنباً للفضيحة ، اعترف أنه هو من بعثر اثاث الغرفة المخبأ خلف ستارة قسمت الغرفة إلى نصفين بيوم سابق ، لفضول كارثي في معرفة ما موجودات البيت،
وكاد أن يبوس التوبة بعد تلقينه درساً بالأخلاق وحرمة البيوت ،وتوالت الأسئلة الغاضبة .
_ لو لم تكن نيتك سيئة ، كنتَ انتظرتَ عودتها من السفر ، وأقله استأذنها . رغم أن تصرفك غير مبرر أصلا ، ألم يراودك الخجل، وأنت تنبش بأشياء البنات الخاصة ..
_ما الضير في أن يكون في بيتكَ مفاتيح فائضة . مالدافع ؟!
_وما هو ذاك السر ؟!
أم هكذا يفعل اللصوص ؟!!!
وإلا لماذا كنت ملثماً .؟!
جف الدم في عروقه ، من هول الأسئلة ونبرة السخرية ، جلس على ركبتيه مرتجفاً وخائفاً والعرق يتصبب من جبهته ، ليبررَ فعلتهُ ، بصوتٍ شبه مسموع . مع تأتأةٍ واضحة مستنجداً بزوجته التي تشد على يده بكل كلمة يتفوه بها .لكن ليس بعد ماعلمت أنها ليست المرة الأولى .ومايحصل ليس تهمة .
حتى باتت تتأتئ مثله بالكلام .
علمته بجملة واحدة ( اللص الظريف )كيف تصان حرمة البيوت ، ووعدته بالفضيحة التي ستقطع رزقه في أية حالة آجار يريدها ..، فما كان من الرجل إلا أن انحنى وبالبكاء والدمع الكاذب يعتذر .و ولَّى هارباً يطلب الصفح ، دخل غرفته ، وعلى مرأى من أبنائه ، مابين نظرة شك بأخلاق والدهم والصورة التي كانوا قد رسموها ، ولكن ماذا يجدي الرسم إن انكسرت المرآة .
في هذه الأثناء وعلى مطلع الدرج ، ظهر الأخ الأكبر للمؤجر بعمامته البيضاء مناديا بصوته الرخيم يا أهل الدار ، ساد الصمت بالمكان .

14 / 6 / 2023
ديانا مريم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي