PNGHunt-com-2

ياعاشق القدس : الشاعر عقيل حاتم السعيدي

يا عاشقَ القدسِ

اليومَ أتلو على أسماعِكم عَجَبا
يُحَيِّرُ النزفُ فيها الشعرَ والأدبا

إنِّي أرى في منامي ما يُفزِّعُني
على الرؤوسِ طيورٌ تأكُلُ العِنَبا

ونادلُ القومِ يَسقِي العِلجَ خمرتَهُ
كأَنَّما النورُ من أحداقهِ سُلبا

وراحَ يَرقُصُ للسلطانِ مُضطَرِبًا
وقد رأى الحقَّ في عينِ الرؤى لَعِبا

وقد رأيتُ مِن الأبقارِ أسمنَها
أمسَت لرَهطِ ذئابٍ مُفزِعٍ نُهَبا

جلودُها سُلختْ في سيفِ من صمتوا
وقائدُ الرَّهطِ من قاني الدما شربا

يمَّمتُ وجهيَ شَطرَ القدسِ مُنتحِبًا
والدمعُ سحَّ على الخدَّينِ مُنسَكِبا

هناكَ كلُّ عيونِ الناسِ شاخصةٌ
كأنَّ عيسى على أبوابِها صُلِبا

وقد رأيتُ عيونًا في الخيام بكت
على وليدٍ يعيشُ العمرَ مُغتَرِبا

يحيا غريبًا وسهمُ الموتِ يَتبَعُهُ
يَسعَى لربِّ السما يَدعوه مُرتَقِبا

يَهُزُّ نخلَ بلادِ العُربِ مُلتَمِسًا
لكنَّهُ ما جنى مِن هزِّهِ رُطَبا

لم يسطعِ العيشَ والأفعى تَهِمُّ بهِ
ففرَّ كالطير في الظلماءِ مُحتَسِبا

بلفورُ يمنح للغازين مملكةً
والعهدُ في مُسنَدِ التاريخِ قد كُتِبا

ما كانَ يعقوبُ يَرضَى سوءَ فَعلتِه
بالزيفِ صارَ اسمُ إسرائـ ـيلَ مُكتَسَبا

سفينةٌ في دماءِ الناسِ ماخرةٌ
وما وجدنا لها حدًّا ولا سببا

قرصانُها ذبَحَ القُربانَ في علنٍ
وصبَّ مِن دمِهِ في كأسِهِ نُخَبا

مُذ حينِها وأمورُ القدسِ في يدِهِ
والعُربُ تُبدِي له مِن جهلها عَتَبا

أليسَ في الذِّكرِ آياتٌ مفصَّلةٌ
عن العدوِّ وذو لبٍّ مَنِ اجتَنَبا !

هل يُنكِرُ الشمسَ إنسانٌ إذا خَسَفَت
أم يُنكِرُ البدرَ لو في المُزنةِ احتجَبا

أم ننكر البحرَ ان لاح السراب لنا
سألتُ مِن حَيرتي الأفلاكَ والسُّحُبا

الناسُ سَكرى كعُبَّادِ العجولِ؛ فقد
ظنُّوا كلامَ إمامٍ خادعٍ عَجَبا

بزُخرُفِ القولِ أغراهم بقبضتِهِ
ليَهجروا الوحيَ والتنزيلَ والكتُبا

قد يطلقُ الحزن مكسيًا بدمعته
جُلُّ النوائحِ تَبكِي ميِّتًا كَذِبا

لن يُجمَعَ اللبنُ المسكوبُ ثانيةً
مِن بعدِ أنْ سحَّ فوقَ الرملِ وانسَكَبا

الديكُ بدَّلَ صوتَ الفجرِ ممتعضًا
لن يُعبَدَ اللهُ والإنسانُ قد غُصِبا

فكم ضِرارٍ بنى بالسُّحتِ مَسجِدَهُ
مِن عمقِ سجدتِهِ نحوَ الملوكِ صبا!

يبيعُ دينًا به للقاسطينَ رضًا
أرسِل عليه إلهي الذلَّ والوَصَبا

أرى الطغاةَ لسلطان الهوى انبَطَحوا
مِن بعدِ ما جبنوا أمسى بهم جُنُبا

أمسَوا عبيدًا وتاجُ العرشِ غايتُهم
والتاجُ لو عقَلوا لا يَلبَسُ الذَّنَبا

باعوا الجِنانَ بمُلكٍ لا جنودَ بهِ
والمُلكُ يصبو لمَن يومَ الوغى غَلَبا

ماتَ الإباءُ بليلِ العهرِ واأسفي
وقد علِمتُم لماذا جيشُنا انتَكَبا

تبدو الخيانة ميراثًا لمَن حكَموا
سيوفُهم قُلِبَت يومَ الوغى قصبا

أو أنَّها لفنونِ الرقصِ قد صُنِعَت
لاحت لناظرِها عبر المدى ذهبا

وعين عبلةَ تصبو نحو فارسِها
مذ أصبحتْ لشَتاتِ الأرضِ مُستَلَبا

والنارُ تأكُلُ في أوطانِنا تَبَعًا
لاحت لمَن عقَلوا عبرَ المدى لهبا

وكلما اقتَرَبَت مِن وارفٍ عَبِقٍ
ردَّت سنابلَهُ في لحظةٍ حطبا

والقلبُ يسألُ عن أسبابِ محنتنا
فما عرَفنا لها معنىً ولا سببا

يَميدُ ظهريَ مِن مكنونِ قافيتي
مالَ اضطرارًا مِن الأحمالِ وانحَدَبا

لكنَّهُ وجميلُ الصبرِ أحزمتي
يسيرُ في الدربِ مَحنِيًّا وما انقلَبا

سبعونَ عامًا بلا فجرٍ ولا قمرٍ
والليلُ باتَ مِن الآلامِ مُكتَئِبا

يا سائلي عن ظلامٍ عمَّ ليلتَنا
قبلَ الغروبِ هلالُ العيدِ قد غرَبا

سنَستَهِلُّ غدًا مِن سطحِ تلَّتِنا
لم نُبدِ يومًا لهم يأسًا ولا تَعبا

سبعونَ عامًا وأهلُ الحقِّ ما وهَنوا
والطفلُ صاغَ مِن الأحجارِ خيرَ نبا

إنَّ الشجاعةَ في عينيه قد حٌسرت
كأنَّهُ يحمدُ الرحمٰنَ ما وهبا

لا يُبرَمُ الصلحُ إلا عندَ مقدرةٍ
ما باتَ ذئبٌ للحمِ الشاةِ مُجتَنِبا

من ديوان "الموتُ والحياة"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي