قراءة للناقد عبدالله شبلي في قصيدة الشاعرة سميا صالح
حين يحقق حب مشتهى غرور القصيدة.
قراءة عشق في قصيدة سميا صالح "الحمد لحب تطمئن بنعمته القصائد "
لعل الحب حينما ينمو حرفا حرفا على روية، انضاجا وتعتيقا ، على ايقاع تفاعيل متفردة. ثم يبنى لبنة لبنة، ليكتسي حلة القريض على استحقاق الشعر شعورا واختلاجا، "حاء " حيرة وحنان ، وحلم يراود الجنان ، و"باء " بانياس بحرا وشعرا، وبنا مرا تعشقه الشاعرة ، إذ لا تعبر إلى مساءات قريضها بدونه، ليصفو ويخلص ، فيولد صفيا نقيا لا شوائب تعلو لتكدره ،كونه شامي التشكل ياسميني الشذا.
وحين يكون المحب مغيبا قسرا أو قهرا أو هما معا، لا يكتمل الوصل والوصال، وكأن الحرف المتغزل به يفقد مقصده وبوصلته، مادام" ذاك "القابع " هناك " والذي من أجله ومن اجل حمده تغنى الحروف، ولنيل رضاه تنحت البحور عذبة، قد عشق القساوة ديدنا واتخذ البعاد والهجر مذهبا.
فما الذي يجعل قلبه المضغة قاسيا لا يستقيم أبدا ولا يلين، ولا تعرف رؤيا الحب مسلكا إلى نياطه؟
وكيف لا يصله الخبر، وإن حلما على أجنحة القصائد المطرزة صبا وهياما وولها، أن الشاعرة غرست نبضا قمينا بها وحدها، وسمه التفرد، في صخر عاتي كقلبه القاسي تماما؟
وكسبيل إلى ذلك تركب الشاعرة التمني ، وليتها رجت والرجاء رديف التحقق. بينما التمني لا يضاجع إلا المستحيل.وكأني بقريض الغزل لا يحلو ولا يعذب، إلا حين يمتطي الوصال فيه مطية العدم والمستحيل.
غير أن حب سميا هكذا ينهل دوما من منهل عربي يجد لذته في نجيعه العذري الذي صبغ القصيدة العربية ردحا طويلا من الزمن حتى خلناه اختفى. وهاهو اليوم يعود إلينا مكتملا شهيا عذب المبسم ليتسيد من جديد.
فما التستر الذي جعل القلب ينبض بحبه إلا موازاة للتمني الذي غرس قبل قليل نبضا في صخر قاس ، وما الصخر والتمني والتستر في الهوى إلا ثالوث يمنح العشق ميسم المستحيل.
فلم ينفع البوح اذا ؟
لعل في "البوح "نفسه بقية من شفاء وفيه حب نقاء وفيه حب فناء ، يهدي لكنه حتما لا يهذي ، يهدي ويهدى (بالضم). وذاك لن يتم إلا بصدق شعور تحمله سميا بين جنبيها ، ولا تزينه إلا بالقريض مسلكا ونهجا وديدنا. ولعل أيضاً في عرف"الاعتراف" دحر معاناة وركوب معافاة ، تخلص من ألم وسلوك أمل. فإن كان التفتت في جفون الشاعرة معاناة من كبد الشوق قد جاء بثه عبر حروف القصيدة منذ مطلعها يدل عليه "قساوة قلبه" و"صخرتها "المسجاة بالتمني ، فإن ذاك على قساوته وكمده ، قد أهداها عزف أنغام زهو لتملأ ، عرفانا ، جرارا ودنانا من معتق حروف القصيد فجرا ، وتنسقها على هوى فريد ، لا يليق بها إلا وحدها ، سميا متغزلة متفردة وشاعرة.
وإذ يخطف المشتهى -المأمول نواظر الشعر بالرؤى لا بالرؤية فذاك مكمن البوح ومطب الغزل ، لأنه متسام لا يشبه غيره ، فريد كشعر الغزل نفسه ، لا تطاله الخواطر ولا تناله الظنون. ومن ثم لن يكون طيفه الذي يأتي تباعا للشعر ومرادفا للفيض إلا تمكين قصيد لزبد بحر بانياس حين يعانق وجهها الباسم صباحا ، أو هوى يغازل قريضها وهو ينسج نفسه أغنية أثيرة توشحت بالشعر.
وإذ يكون الحال هكذا في الغزل ، فتضمينه في البوح لن يتأتى إلا وهو غرس ياسمين فواحا ضواعا بين حروف رصعت شعرا فوق أوراقها المتطايرة أمام رذاذ بحرها ونسيم هواه الذي يحمل إليها هواها مفلترا صافيا نقيع التخمر والتجبر.
ولاشك في فرادة حب صالحي (نسبة إلى سميا صالح) ما يليق بها وحدها دون غيرها فهو يحقق لها ما لا يحققه غيره مهما علا واكتمل ، مهما غلا ونبل ، إذ يمنحها غرورها الشعري المشتهى ، غرور أنثى ، عطر حسن يملأ القصيدة كحلا عربيا ، لا يحققه إلا سواد حروف القريض في بياضات ليل طرزه الغزل سهرا وبعدا وسهادا.
**********
أيعلمُ قلبُكَ القاسي بأنّي
غرستُ الّنبضَ في صخرِ التّمنّي
تستّرَ خافقي بهواكَ حتّى
تفتّتَ في حديثِ الشّوقِ جفني
ورحتَ لتعزفَ الأنغامَ زهوًا
وتملأُ في حروفِ السِّحرِ دَنّي
خطفتَ نواظري برؤاك يا من
تسامى فوق خاطرتي وظنّي
سأرسمُني بحرفِكَ موجَ بحرٍ
يبلِّلُ بالهوى جُنْحَ التّغنّي
وأشتلُ فوق أوراقي زهورًا
تفوحُ لأنَّ فيكَ يفيضُ فنّي
ستملأُني غرورًا حيثُ أنّي
أكحِّلُ بالقصيدةِ عطرَ حُسني
عبدالله شبلي كلميم المغرب
تعليقات
إرسال تعليق