ليتها أنت : القس المحترم جوزيف إيليا
ليتها أتت
---
يا ساهرَ الّليلِ
وحيدًا شاردًا محطَّمًا
لمن ستسكبُ النّبيذَ في مسائِكَ الطّويلِ
والصّقيعُ فيهِ رافعٌ سياطَهُ مزمجرًا
ومَنْ تحبُّ نايَ خطوِها
وطهرَ ثوبِها
ولونَ شَعرِها قالت :
- سآتيكَ
فلا تبدأْ جنونَكَ
ولا غناءَكَ القديمَ
وانتظرْ مجيئيْ نجمةً بهيّةً
تودُّ قربَها
وتشتهي التماعَ وجهِها
وليْ
فهيّءْ موضعيْ جوارَ موقدٍ أرومُ دفءَ همسِهِ وبدْءَ نارِهِ ؟
لكنّها غابت
ولمْ تأتِ
وأنتَ وحدَكَ الآنَ
حزينًا تلعنُ الهجرَ
وبيتًا ميّتًا أمسى
وتحكي قصصًا تافهةً مكرورةً شائخةً
لمَقعدٍ أصمَّ
لا يبكي إذا بكيتَ
أو يضحكُ إنْ ضحكتَ
فاجلسْ خافضًا رأسَكَ
واكتبْ فوق دفترِ أنينِكَ
قصيدةً هزيلةً كسيحةً
نأى عنها رنينُ القافيهْ
إنَّ الّتي تطلبُها
وترتجي قُدومَها
وتبتغي رمّانةً كبيرةً ناضجةً مِنْ كرْمِها
ليست عشيقةً
ولا جاريةً
يغريكَ عريُها وهزُّ خصرِها
فتنحني في ذِلّةٍ لوثنِ الشّهوةِ في عروقِها
ولستَ عاشقًا غبيًّا
غائبًا عن وعيِهِ وذاتِهِ
وحائرًا في أمرِهِ
مستسلِمًا أنهكَهُ وحشُ الهوى وجرَّهُ مِنْ قدميهِ للعراءِ عاريًا من صوتِهِ
ونائحًا مجرَّدًا مِنْ سيفِهِ
ولستَ تهوى رحلةً وهميّةً خدّاعةً تنسيكَ مَنْ أنتَ
ولا الّذي تقولُهُ هنا الأجسادُ للأجسادِ عند جوعِها
وقد جرتْ فيها دماءُ العافيهْ
كنتَ تريدُها
سحابةً نديّةً تفيضُ مطرًا يحتاجُهُ عشبُ حياتِكَ الّذي قستْ عليهِ كفُّ قيظٍ جافيهْ
وكنتَ وردةً تريدُها
رقيقةً لطيفةً جميلةً
بها تنسى هجومَ شوكةٍ قاسيةٍ عنيفةٍ هائجةٍ غزتْ بساتينَ هنائِكَ
فصرتَ داميًا محاصَرًا بالطّينِ والدخانِ
تمشي فوقَ جمرِ ما تريدُهُ مِنَ الدّنيا برِجلٍ حافيهْ
وكنتَ نسمةً تريدُها
بصيفٍ حارقٍ ملتهبٍ
أقلقَ نومَكَ
ولمْ يعطِكَ غيرَ فكرةٍ لمْ يكتملْ بناؤها وأظلمتْ أجواؤها
وكنتَ تشتهي أحاديثَ الرّبى مِنْ ثغرِها
وخبزَ تاريخٍ نقيٍّ
لمْ تلوِّثْ وجهَهُ أصابعُ السّاسةِ والكهّانِ والجوعى لقطعةٍ مِنَ الحلوى على مائدةِ الأميرِ خيّطتْ شفاهَهم
وأقلامٌ بحبرٍ فاسدٍ
وراسمونَ أصبحتْ عيونُهم عن طردِ أسرابِ الفراشاتِ مِنَ الحقلِ
وعن تسميمِ بئرِ الأمنياتِ غافيهْ
كنتَ تريدُها
فمًا مستبسِلًا
بما يجدِّدُ خرائبَكَ يحكي
ويدًا قويّةً بيضاءَ
عن بابِكَ تمسحُ غبارَهُ
وتسقيكَ شرابًا منعِشًا بنكهةِ التّفّاحِ
كم كنتَ تريدُها أميرةً تعيدُ عرشَ مجدِها وسِفْرَ زهوِها
وتمنحُ الموتى لسانَها لينطقوا بهِ
ونقشُها يجمِّلُ القصورَ
كنتَ ترتجي حضورَها
لكنّها ارتضتْ رحيلًا عنكَ
أدخلَكَ منفًى بائسًا
فيهِ تجوعُ
فيهِ تعرى
فيهِ تنسى لغةَ الصّباحِ
ليتها أتتْ
لأصبحتْ مملكتي الّتي ذوى نخيلُها
مِنْ ذهبٍ حيطانُها
ولغدَتْ هيَ
على بحرٍ مِنَ الفضّةِ
في كلِّ ابتهاجٍ طافيهْ
---
القس جوزيف إيليا
٢٦ / ٦ / ٢٠٢٣
تعليقات
إرسال تعليق