PNGHunt-com-2

الشاعرة سارة الزين (لبنان) : وظاهرة التدوير العروضي (قراءة الناقد غازي أحمد أبوطبيخ الموسوي)

ساره الزين( لبنان)
Sara El Zein
وظاهرة التدوير العروضي الناجحة..
ح1
مدخل:
……….
بعد أن بادر الرواد بطرح منظورهم حول مرونة العروض العربي في الإنتقال من شكله العمودي المعروف إلى طراز متجدد أكثر تحرّراً من القيود المعتادة في الالتزام بقصيدة الشطرين ونعني (الصدر والعجز) ومايلحق بهما من الاشراط والالتزامات الاتفاقية بحيث أُطلِقت يدُ الشاعر منذ بداية المشروع في عدم الالتزام بالشكل العمودي، بل وعدم الإلتزام بالقافية الموحدة إلا ماجاء عفو الخاطر بطريقة تلقائية،فٱعتمدوا على الكتابة وفق المقاصير المتعاقبة القصيرة او الطويلة من دون تحديد حتى ولو اكتفى المقصور بكلمة واحدة مادامت تؤدي غرضاً فنياً أو مضمونياً شاء الشاعر أن يُفردها في معماريته التي تستدعيها قصيدته،
ولسنا بذلك نقول جديداً فقد بات الامر معروفاً للجميع وخاصة النخبة والمتخصصين وأصحاب الشأن في هذا الباب..
انما لاحظ الرواد ذاتهم وشعراء الستينات ثم السبعينات أن ما اصطلحوا عليه إسم القصيدة الحرة او شعر التفعيلة يحتاج من أجل قضية بالغةالاهمية ونعني بها التفكير المعمق من خلال الشعر الحر او اطلاق حرية التعبير والتفكير والرؤية العميقة الى مرونة من نوع آخر أكثر سلاسة وحيوية،فبادر قسم كبير منهم الى إطالة انفاس المقاصير موسيقياً بحيث يتحول فيها المقصورذاته إلى بنية حمل طيعة لفكرة أو رؤية أكثرعمقاً وأبعد نظراً، بحيث لا يضطرون معها إلى الاكتفاء بالمجسّات الشعورية الوجدانية التي كان العمود يكفيها ويزيد،بل إن كثيراً من شعراء العمود مارسوا  بدورهم فعاليات التحديث والتجديد على العمود نفسه منذ الزمن العباسي والاندلسي حتى عصر النهضة ومابعده بما يضعهم في  موقف التحدي لإثبات عدم ضرورة الارتحال الى التوشيح او التوليد او الحر أخيراً , لإمكانية واستعداد العمود للتعبير عن أكثر انواع الفكر الفني وغير الفني تعقيداً..
واختصاراً لا نظن أن الزملاء يحتاجون الى ذكر تفاصيل هذه التجارب أو ذكراسماء اصحابها ،فهذا الموضوع طويل وعريض والنماذج الشعرية التي تشكل أهم شواهده باتت هي الاخرى معلومة للجميع،ولكننا نُذَكّر فقط بتجارب المرحوم  أحمد شوقي الكبيرة والمتنوعة كإنموذج متميز, كما ونذكر بمزاولات وردود المرحوم محمد مهدي الجواهري واعماله الشعرية التحديثية  الخالدة،وغيرهم  بالتاكيد كثير منذ المتنبي العظيم وحتى اللحظة الراهنة..
......
فماذا فعل دعاة الشعر الحر في مقابل ذلك؟...
......
ما دامت الغاية  اذن تكمن في البحث عن بنية حمل حيوية ذات متسعة كبيرة يمكنها استيعاب تجربة العصر الحالي الثقافية بكل اعماقها النفسية والفكرية فعليهم في مثل هذه الحال ان يمدّوا زمن المقصور الموسيقي في جانب واطوال المقاصير التعبيرية في جانب , بحيث لايحدث إخلال في السياق اللغوي السليم او العروضي الصحيح..
هذا التوجه هو الذي قاد منذ الستينات الى كتابة المطولات الرائعة لكل من السياب والبياتي وحسب الشيخ جعفر وسعدي يوسف وبلند الحيدري ومحمود درويش ود.علي احمد سعيد( ادونيس)، ونزاررقباني وامل دنقل وعبد الرزاق عبد الواحد ومحمد الفيتوري ويوسف الصائغ ويوسف الخال ..والقائمة تطول ولا تقصر..حتى اصبحت المدورات المطولة ظاهرة باهرة تسترعي الانتباه وتلفت النظر..
فماذا يعني المدور العروضي اذن:
...
كلنا يعلم ان القصيد الحر ونعني شعرالتفعيلة
يكتب على ثمانية بحور متشابهة التفعيلة هي ( الكامل..الرجز..الوافر..الرمل..الهزج..المتقارب..المتدارك ..واخيرا الخبب.. ) ..وكانت عملية استظافة اي بحر مع البحر الاصلي للنص الشعري ولو في مواضع معينة امراً يبلغ من التعسر والصعوبة حد استبعاد الفكرة اصلا..انما هذا ما حدث لاحقا فيما اصطلح على تسميته بقصيدة الدائرة العروضية , وهذا مبحث نتمنى ان تسنح الفرصة للخوض فيه لشدة اهميته وسعته وضرورته ولكونه الباب الأخيرة التي قادت الى كل انواع التحديثات المتأخرة بما فيها مشروع الشعر المنثور او قصيدة النثر على اختلاف مسمياتها..والواقع انها جميعا موضع التقدير تاريخيا بل ونشوءًا وارتقاءً لانها صياغات وطرازات واشكال تبحث في الاصل عن هدف معرفي عظيم هو تطوير وتحديث وتجديد وتوسعة وسائل التعبير عن الذات والموضوع بما يجعلها جميعًا ومن دون استثناء قادرة على اللحاق بما وصل اليه العصر الراهن على جميع الاصعدة..كما ولانستثني ابدا إمكانية جميع الطرازات على التعبير والعبور والخلود ،ولكل موضع مماذكرناه حديث خاص ومبحث بليغ لم تحن ساعته بعد..وتكفينا الاشارة الى ان الدعوة الى نقض او دحض او استبعاد الشعر الموزون عامة هي دعوة ضمنية الى مغادرة كل انواع  الغناء وجل انواع الموسيقى في العالم ..ولا اظن احدا يمكنه ان يغني نثرا غير مموسق قطعا, ولكن هذا الانحياز الى كل فن تعبيري مموسق لايعني بحال من الاحوال الوقوف بالضد من كل انواع الشعر الاخرى بما فيها قصيدة النثر الطويلة او الهايكو او الومضة او النانو او اللافتة اواي شكل يمكنه ان يسهم في التعبيرالأكثر سعة وعمقا..
اما ظاهرة التدوير العروضي ثم الايقاعي فلاتخرج عن سياق هذه الرحلة الباحثة عن توفير البنية الناضجة ذات المتسعة الكبيرة ولكنها تحتاج من الشاعر الى اذن موسيقية محكمة وبارعة ومرهفة ودقيقة ومرنه..وهذا ما سنركز عليه في رحلتنا مع قصيدة الاستاذة سارة المبدعة في هذه المطالعة الموجزة .
(ح2)
………
خلال متابعتي لكتاب ( جنوب يبتكر المطر) الصادر عن الإتحاد العام للأدباء والكتاب في البصرة أدهشتني في صفحاته الاخيرة قصيدة للشاعرالعراقي الكبير كاظم الحجاج،الذي أطلق عليها قاصداً إسم( قصيدة مدورة)،ومعلوم انه شاعر هادف  تهكمي باذخ الحضور، يكتب العمود والحر والنثر معا , وغايتي من هذه الإشارة أن شاعر التفعيلة فيما إذا أراد أن يُفَكِّرَ عن طريق الشعر مال به الخيار جهة إطالة المقاصير التي أشرنا إليها في الحلقة الأولى حتى يصل به الامر إلى التدوير..
وهذا مافعله أدونيس في ( تحولات الصقر) ودرويش في( سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا) وسعدي يوسف في ( مرثية السياب) وحسب الشيخ جعفر في مدوراته المتعددة التي اصبحت سمته التي اشتهر بها، وكذلك الشاعر حميد سعيد ،وغيرهم،
وغيرهم كثير..
ولكنّهم يختلفون في اساليبهم فمنهم:
* من أطال مقاصيره واكتفى بذلك..
*ومنهم من خلق لنا مدورات حركية كاملة من دون انقطاع..
*ومنهم من اختار الوقف في رؤوس الفقرات..
وهذا ما اختارته شاعرتنا ساره الزين التي ضفّفت مدورات قصيدتها بالتقفيات المتباعدة زيادة في تصعيد الحركة التنغيمية للنص ..
وهذا مافعله الحجاج نفسه  ولكن من دون تقفيات،وهو مافعله د.علي احمد سعيد في مطولته تحولات الصقر التي ذكرناها آنفاً إنما بتنويع أحوال التدوير فمرة بإطالة المقصور ومرة بالتدوير المطول المتواصل..
* ومنهم من كتب قصائد حرة بمقاصير اعتيادية ولكنه استظاف مدوّراً داخلياً واحداً أو جملة مدورات متباعدة..
انما هناك امر بالغ الاهمية لابد من توضيحه يكمن في ان شاعرالمدورات اذا ما لجأ الى الوقف أو التسكين فلابد ان ينتبه إلى ضرورة ان يكون هذا التسكين سواء أكان على راس قافية ،كما فعلت شاعرتنا الزين أو من دون تقفية كما فعل الحجاج لابد ان ينتبه الى ان خيار التسكين لايقطع المدور إيقاعياً..
وهذا ما نجحت به الزين نجاحاً كبيراً،فدعونا نتابع قصيدتها-موضوع الحوار-
وسنبدأ بمقطعين - إذا جاز لنا التعبير-من ذات النص بُغية تاشير الدلالات الموسيقية مباشرة امام عين المتلقي الكريم بدءاً من المدخل :
تقول الشاعرةمايلي:
...
ضيعت في مسرى العروج صحائفاً
خبّأتُها من قبلُ
كنتُ أُباغت الاوراق خوفاً
أعزل الاشياء
أنفضها غباراً
ثم أجمع من فتات الشوق
حيناً
بعض روحكَ
كي اراكَ
وارتويكْ..
...
انت المدى
انشودةُ الناي المعتق في خوابي ربعنا
قرب التلالِ العازمات على ملامسة الندى
شهداً تغشّاه الفؤاد على الهدى
اذ حلّ في ليل السكون
شذى هوى
كي يحتويكْ
...
قلّبتُ في عينيك كل مواجعي
ورصفتها....
.....الخ النص...
......
من الواضح للجميع أنّ شاعرتنا قد اختارت (بحر الكامل) لقصيدتها وهي موقنة تماماً أنه البحر المناسب لموضوعة النص الوجدانية حد الانسجام..
خاصة وتفعيلته المتشابهة المترادفة المتعاقبة تمنح اي شاعر موهوب مرهف الاذن ناضج التجربة قدرة على الإنهمار المنثال بحيوية عالية يشحنها صدق المشاعر دفقاً لاشئَ يشبه تعاقباته المتصببة الا أقواس الامواج المتلاحقة التي ترسو في كل مرة على شاطى النهر..
وجميل حضور السياب.رح. الى الذاكرة هنا
في إنشودته الكبيرة فالاقتران الشرطي لبافلوف يمكن ان يحدث تلقائياً على كل الاصعدة ،كون انشودة المطر مكتوبة هي الاخرى على بحر الكامل أيضا..
..
مطر مطر..متفاعلن..
ضيّعت في..متفاعلن..
..
ولكنّ السياب.رح.لم يُدَوِّرْ هذه الانشودة الخالدة فقد اعتمد طريقة المقاصير ،بل اكثر فيها من التقفيات المتلاحقة..
مطر مطر
عيناك غابتا نخيل
ساعة السحر
أو شرفتان
راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم..
وترقص ألاقمار كالأضواء في نهَرْ ..
...
ولاريب أن الرائد الكبير كان يؤسس لمشروعه مع الرواد الآخرين،حتى أخذت قصيدة التفعيلة مديات متعاقبة من التطورات التصعيدية المتلاحقة على كل الأصعدة ،ومن بينها التدوير في المقصور المطول ،حدّ أن يكون فقرة كاملة ،كما هي حال هذا النص الذي بين أيدينا..
..
ولابد هنا من الإشارة الجديرة الى أن ظاهرة التدوير ليست جديدة في الشعر العربي ،بل إن البيت العمودي نفسه يمكن تدويره أيضاً من خلال إلتحام صدر البيت بعجزه بشكل متداخل موسيقيا،كما هو عليه بيتا الجواهري .رح.
مثلاحيث يقول:
(كأنّ يداً من وراء الضريح حمراء مبتورة الإصبَعِ
.
تمد إلى عالم بالخشوع والضيم ذي شَرَقٍ مُتْرعِ)..
...
ومع أن خيار الجواهري الكبير هو ( المتقارب)( فعولن) كبحر لقصيدته العظيمة ، ولكن حال التدوير هنا لا يختلف من حيث معنى الإصطلاح أصلاً،وعلى ذلك أمثلة لاحصر لها في القريض العربي الكلاسيكي ،قديمه وحديثه..
.....
والدليل على وحدة المفهوم الإصطلاحي بين العمود والحر ،أننا نلحظ شاعرتنا في هذا النص تخلق إلتحاماً موسيقياً بين نهاية كل مقصور مع بداية المقصور الذي يليه،علماً أننا اسميناه مقصوراً لبيان الحال،وإلا فهو في حقيقته ليس غير سطر مدور مع السطر الذي يليه في لحمة موسيقية واحدة:
.. ( صحائفاً خبأْتُها)( من قبل كنت) (فااعزل )... وهكذا...
بينما سنقف الان مع خيار التقفية المتباعد الجميل بشئ من التفصيل الموجز لمعرفة كيفية الانتقال السلس من فقرة الى فقرة اخرى..
بين العروض والإيقاع:
............................
كان وقوف سارة الزين على راس كل فقرة تعبيرا عن (صفنة) الخيول الكحيلة ،او صفنة الرقصة الفولكلورية،التي تنتظر الإنتقال.. بهاجس ايقاعي خفي ..الى الحركة الحيوية من جديد..هذا يعني المعادلة او التراتبية التالية:
حركه - هاجس ايقاعي- حركه.... وهلم جرا..حتى الخاتمه..
ماذا يعني الهاجس الايقاعي اذن؟ :
انه حشوة موسيقية ذهنية شديدة الإرتباط بالنشاط النفسي المتفاعل للشاعر او العازف او الراقص في ذات المعنى..ولأننا هنا نتحدث عن الشعر فإن هذه الحشوة ذات جذر عروضي له ما يقابله في الايقاع طبعا..مثلا:
حين وقفت شاعرتنا على مفردة القافية ( وارتويك) كان لابد من ضربة ذهنية بعد الكاف مباشرة..تساوي تفعيلة النص نفسه..انما بإلغاء الكاف بالهاجس الايقاعي..ذلك لان اصل اللحمة بين ( وارتوي) -( انت المدى) بلا وقفة مطلقا..وسيستمر الايقاع كما هو من دون هذه الصفنة التي ارادتها شاعرتنا كما دأب كثير من الشعراء الكبار ضربة تفاعلية تضفي الكثير من الحيوية على( الموسيقى العامة للنص الشعري) ..فما هي الحشوة المقصودة هنا..
دعونا نطبق هذا المطلب على الفقرة الثانية كونها لاتختلف عن الاولى نهائيا:
( شذى هوى ً كي يحتويك...).. ( قلبت في).. والتي اصلها ..( كي يحتوي قلبت في).. ولو فعلنا ذلك لما توقف الدفق الموسيقي المدور ابدا..ونحن بهذا لابد من تصور واحد من اثنتين فأما اعادة اللحمة ذهنيا كما ذكرنا آنفا،واما حشو الفراغ بتفعيلة النص( متفاعلن) ذاتها فيكون الترتيب كمايلي..
( كي يحتوي ..متفاعلن ..قلبت في)..
وكذلك في الفقرة الاولى
( ( كوارتوي..متفاعلن..انت المدى)..
علما اننا يمكن ان نكتفي بالضربات الايقاعية في مثل هذه الحال كما يفعل راقصو الدبكات التي اشرنا اليها في اعلاه فنستبدل التفعيلة العروضية بالضربة الايقاعية وكالاتي:
(كي يحتوي..دم تك تتك..قلبت في)..
ذلك لان زحاف الكامل( متْفاعلن) المساوي ل تفعيلة الرجز( مستفعلن) يقابل في حقيقته الايقاع الذي ذكرناه توا( دم تك تتك)..
وليس هذا حكرا على هاتين التفعيلتين..فما يقابل تفعيلة المتدارك مثلا الايقاع التالي:
( فاعلن..دم تتك).. ومايقابل تفعيلة الخبب( فعلن..دم تك).. ومايقابل المتقارب( فعولن ..تتك دم).. ومايقابل الهزج ( مفاعيلن..تتك دم تك)..
وهكذا..وطبعا هذا مبحث مستقل وطويل اردنا منه الدلالة ليس الا..
علما ان هناك تفعيلات عروضية ليس لها ،او يصعب ان نجد لها مايقابلها من الضربات الايقاعية ولهذا قد يحتاج الشاعر الى استخدام الايقاع بدلا من العروض..
وجميل ان نذكر بان كثيرا من الشعراء قد زاولوا الكتابة على الايقاع اساسا،بخاصة عند كتابة الاناشيد والاغاني..وقد يتم تطويع العروض بالايقاع تداخلا وانسجاما مع مطالبات الملحنين الموسيقية..
ولقد كان مبحثنا هذا متخصصًا،في حين تبقى جوانب النص الاخرى الموضوعية والجمالية والادائية مفتوحة البوابات امام الباحثين المنصفين،مع خالص اعتزازي وعميق تقديري ........

نص الشاعره:
..................
ضيّعتُ في مسرى العروجِ صحائفاً
خبّأتُها من قبلُ
كنتُ أباغتُ الأوراقَ خوفاً
أعزلُ الأشياءَ
أنفضها غباراً
ثمَّ أجمعُ من فتاتِ الشوقِ
حيناً
بَعْضَ روحِكَ
كي أراكَ
وأرتويكْ

أنتَ المدى..
أنشودة الناي المعتّق في خوابي ربعنا
قرب التلال العازمات على ملامسة الندى
شهداً تغشّاه الفؤاد على الهدى
إذْ حلّ في ليل السكون
شذاً هوىً
كي يحتويكْ

قلّبتُ في عينيكَ كلَّ مواجعي..
ورصفتها
إذْ كنتَ أنَتَ سكونَ نبضي
مُذْ هوى..
حُلُمٌ ترامى عند أشلاء الصبا..
نجمٌ تغاوى فوق أنداء الغِوى..
يُعْيي أنين العمرِ في شوْقٍ طوى ..
ألطافَ مبسمكَ الذي ..
ناغاهُ وحيُ جنون عشقٍ..
في ليالي الأنسِ.. تلفحُ وجهكَ الشرقيَّ ..
كيما وهْجَ نفسي يعتريكْ

ذا بعضُ بعضي ..
خالصٌ فيه العتابُ..
مُعاندٌ..
يهمي بطرفِ العذلِ من شُباكِ ماضينا
على أسرار مَدمعنا.. فيورقها..
وأحملُ بعدها الأوزارَ.. ثقلَ البينِ
أمضي وجهةً من دون مرسى
ساحةً فضفاضةَ الإحساسِ
إلا في يباسِ محاجرٍ
غاضَتْ وفاضَتْ
أنجماً كي تلتقيكْ..

فردوسها المهجور أنتَ
وأنتَ سحر ربيعها..
فيروزها.. مرجانها..
دُرٌّ تلالى في سماء كيانها..
جلّت عن الأحلامِ..
أغدقها الزمانُ مباهجاً..
فتيَمَّمَتْ شطرَ الحروفِ
ووجَّهتْ للوالهين
سماتِ منتظرٍ
كواهُ البُعْدُ نيراناً
من الأشواقِ والأحداقِ
ذابَتْ عينُ مخدعها
وشاق الهجر معبدها
وحامت قبلةُ النُّسّاكِ
حول جبينِ غربتها
فباعت جوهر البسمات
باعت لؤلؤ النغمات
باعت فيضَ أدمُعها
وبعضاً من تُراثِ الشعر
في أبياتِ من سكنوا
بحار النورِ والديجور
في فمها
وباعت باقياتِ الدهرِ من دمها
لكي تُهْديكَ أنْجُمها
وكلّ كنوزِ أهلِ الأرضِ
كلَّ كمالِ مدمعها
على وجعٍ بها..
تمضي إليكَ لِتَشتريك ْ

وأنا الغريبةُ في ارتحال هويّتي
رصّعتُ رسمَكَ فوق محبرةِ الوجود
نقشت فيها زخرفات الأبجديةِ
صغتُ منها ملمحاً لسكون شَعركَ
يختفي في بوحِ رمشٍ
كحْلُهُ العربي ُّيومي
أنّكَ الرجلُ الشديدُ على ابتلاءاتِ العيون
تمرّغتْ أطرافُ هُدْبِكَ عنبراً
وتغزّلَتْ أعرافُ هاتيكَ القلوبِ صبابةً
في منتهاكَ
تجودُ وجداً حالكاً فيه البيان
مطأطئاً حيناً لشمسكَ
يرتجي فيْئاً
وحيناً يتبعُ الآثارَ عشقاً والهاً
كي يقْتَفيكْ

قلْ لي فديْتُكَ ..
أيَّ بلَّورٍ تسامى
في جبينك مترعاً
بكؤوسِ خمركَ؟
يهتدي من بعد غفلةِ رشفةٍ
فيها شهيقُ الروحِ نزْفٌ بالغٌ
يُخفي امتشاقَ الأمسِ
خلفَ سطورِ أشرعةِ العبورِ
إلى مداراتِ الأنا..
وأنا أنا..
مسلوبةُ الأوصافِ إلا عن حلاكَ
وعن غلاك..
وعن مشَقّاتِ احتمالِ المُقْبِلاتِ
مِنَ التفاصيلِ المُطَرّزِ عشقُها
في غُرّةٍ
سكَنَتْ رياحَ لهيبِ صمْتٍ قد طواكَ
وجئْتُ كُلّي مُثْقلاً
لا اسمَ لي
لا رسمَ لي
إلاكَ أنتَ مؤمّلي..
ولقد وهبْتُ النجمَ جُلَّ قصائدي
ودفعتُ عن أيّامِ دمعِكَ منبعَ الأحداقِ
ذوداً عن شفاهكَ
كي تعيشَ وأفتديكْ..

أبقاك ربُّ الكونِ لي
ملَكاً تجلّى في بهاءٍ حالمٍ
وعلى خطوب الدهرِ فَجْرُكَ لي شَريْكْ

جُدْ سيّدي..
طابتْ حروفٌ لامستْكَ وغازلتكَ
ورفرفتْ في الغيمِ عندَكَ
سَرْبَ أنغامٍ رمتكَ بوردِ عمرٍ طابَ فيكْ..

أنا لن أفيكْ..
مهما استعاضَ الحبُّ
من قاموسِ عينكَ
عن جمالاتِ الوجودِ
مُباغِتاً..
غِزلانُ خدِّكَ تستفيضُ سكاكراً
من زهرِ ثغرٍ يشتهيكْ..

وأذوبُ روحاً في سماكَ..
أُطاردُ الأشياء
أمنعها اقتحامَ عذوبتي في مقْلتيْكَ..
أُسابقُ الأمواجَ..
ألطمها بعيداً عن مسامات الحنين
أُمازجُ الأفراحَ والأتراح
كيلا تؤلمَ الجسدَ المضرّجَ بالغيابِ
وعند أسرابِ العتابِ
أعود أنفضُ عن جفونكَ
كلَّ آلام السنين الجارحاتِ
وكلَّ حُزْنٍ يعتريكْ..
أنا لنْ أفيك..
       *****
    
....................
غازي احمد ابوطبيخ
الموسوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي