PNGHunt-com-2

القطار المعطل : الكاتبة نداء يوسف حسين

القطار المعطّل .. ....

هذا الليل المرافق للغربة ، المدعّم بالسهر ، المقتقي أثر الصبح ، يراوغ القمر و يستأصل منه بعضاً من نور ...
لن ينتهي الليل و نحن مازلنا ننتظره ..لكي نجعله نهارنا ..
- ماالذي أيقظني في هذه الساعة من الليل ؟؟
أهو الاشتياق للتصابي الذي فاتني قطاره حين تأخرت عن الموعد ؟ أم أنه الندم على سنين الانتظار لمروره من جديد دون إدراك مني للوقت ؟؟
لكنني لم أنتظره طواعيةً ، فقد كنت مقيّدةَ الخطواتِ بين تجمعات المنتظرين مثلي ...
فات القطار جميعنا ..
ذلك الازدحام جعلنا معلَّقين بخطواتِ بعضنا البعض ، إن تقدَّمَت خطوة أحدهم تقدَّمْنا ، و إن تراجعَت تراجَعْنا ....
تعوّد جميعنا على عتمة الليل و نسينا أننا تجمعنا في قبوٍ أُُغلِقت أبوابُه بفعل تراكماتٍ خلفها ...
لولا تلك النوافذ التي أضاءت لنا لون المكان ، و جدّدت هواءه لما عرفنا أن القمر مازال رضيع السماء ، و أن الشمس مازالت أمها ...
الوجوه التي تساقطت حولنا بفعل الزمن و العمر ،  غابت و انتهى أثرها بمجرد دفنها في زوايا القبو ...
لم نبكِ على فقدانها ، دعونا لها بالرحمة ، و حسدناها ضمناً كما حسدنا أنفسنا على نقصان العدد و اتساع المساحة ، دون أن ننتبه إلى أن القبر احتل مكان صاحبه ...
الطعام و الشراب وليد نفسه كما هو مصدر قليل الأهمية للحياة لنيامٍ تائهين عن الزمن ...
بعد عشرة أعوامٍ ..مر قطارٌ لا يشبه القطار القديم ..
استقل القطار من استطاع أو أراد ، و دون أن يهتم إلى الوجهة التي يمضي إليها . 
كنتُ من بين الركاب ، سمح لي العمر بالتحرك ...
احتضن القطار العديد من الأطفال و الشباب ، إنني أكبرهم سناً  و ربما كان هناك من هم في عمري أو من هم أكبر سناً مني .
أصواتهم دلت على أعمارهم ، ضحكاتهم تلامس أذني فتغير مزاجي المدفون مع من غابوا هناك ، لتحييه لبضع دقائق ..
توقف القطار في عدة محطات ، لكنني لم أغادره ..
فمجرد سيره يشعرني بالحركة ، و يطمئن قلبي ..
لكنه في هذه المرة  لم يتحرك ، لم أشعر بضجيج عجلاته على السكة ، لم تلامس أذني أصواتُ من استقلوه معي أو قبلي ..
حتى نبهني السائق قائلاً :
- لم يبقَ سواك هنا سيدتي ، هل أساعدك في النزول ؟؟
- أين الركاب ؟؟
- ليس في قطارك هذا أي ركاب ..
- أين نحن ؟
- سيدتي !! هذا القطار كان معطلاً منذ صعدتِ إليه ، كان مهملاً و قد نسيناه ...لقد تم إصلاحه الآن ..
انزلي فالمحطات القادمة لا تناسبك ..
- لماذا ؟؟
- أحقاً لاتعلمين السبب سيدتي ؟؟ هل ترينني ؟؟
حقاً ..انتبهت أنني لا أراه ، لكنني أجبته بعفوية :
- أنا لا أراك ..لكنني أشعر بوجودك
- سيدتي .. إن عادت عجلة الحياة ، لن يكون لك مكان فيها ....فاختاري ماشئت ..
- تحرك ...فالعمى لا ينهي الشعور ، بينما السكون ...يقتله .....
............................نداء يوسف حسين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي