من أعلام الأزهر الشريف الشيخ حسونة النواوي ج٣ : الأديبة الإعلامية اللبنانيةتغريد بو مرعي والباحث المصري د. محمدفتحي عبد العال
أعلام الأزهر الشريف
الحلقة الثالثة
الشيخ حسونة النواوي
عالم ديني انتصر للعلوم الحديثة وحارب الخرافات والأباطيل التي شاعت بين العامة فوقع بين مطرقة انتصار العقل وسندان إرضاء العامة ونيل رضا علماء التقليد ..إنه الشيخ حسونة بن عبد الله النواوي نسبة لقرية "نواي " مسقط رأسه التابعة لملوي بأسيوط .
اجتمع للشيخ حسونة النواوي أماكن شتى لتدريس الفقه ما بين الأزهر ومدرسة الإدارة ( الحقوق) ودار العلوم ومسجد محمد علي باشا بالقلعة مما مهد لبزوغ نجمه بين العلماء .
حينما اختير الشيخ حسونة كشيخ للأزهر عام 1895م بأمر الخديو عباس حلمي الثاني ثارت ثائرة أقرانه من العلماء إذ رأوا في توجهاته نحو تعليم العلوم الحديثة كتقويم البلدان والجبر والهندسة والحساب إقحام وتغليب لعلوم الإفرنج المستحدثة بالأزهر لتحل محل العلوم الشرعية به وأنه في ذلك يخدم توجهات ومصالح المحتل الإنجليزي في مصر الساعي لفصل الدين عن الدولة وتأكيد مدينتها .
في 28 يناير 1895 م اتخذ الشيخ عدة إجراءات رادعة من شأنها الارتفاع بالوعي الشعبي وتهذيب سلوكه وأخلاقياته فمنع زفة الفار التي كانت تخترق الشوارع ووسطها الرجال والنساء والأطفال يهللون ويصرخون في خلاعة ومجون كما منع البازات والطبول وذبح الثيران بالأضرحة والمساجد ومنع الأذكار المخالفة للكتاب والسنة ووجه بضرورة معاقبة مدعي الجذب والولاية المحتالين على البسطاء من العامة ومنع المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان ومنع قراءة القرآن الكريم على قارعة الطريق من قبل المتسولين ومنع النساء المسلمات من الرقص بالمحافل العامة والخاصة وكذلك أرباب الطرق الذين يأكلون النار ويضربون أجسادهم بالحديد .
وبعد مضي عام واحد تبني قانون إصلاح الأزهر برعاية الشيخ محمد عبده والذي اشترطت مواده سن الخامسة عشر للالتحاق بالأزهر وإجادة القراءة والكتابة وحفظ نصف القرآن الكريم على الأقل ومنع تدريس كتب الحواشي وقصرها على المتقدمين دراسيا كما وضع نظاما محددا للامتحانات على مرحلتين يتحدد وفقها من يلتحق بوظائف الوعظ والإمامة والخطابة بالمساجد ومن يحق له الاستمرار للحصول على شهادة العالمية والتدريس بالأزهر الشريف.
جاء هذا القانون تزامنا مع حادث جلل وقع بالجامع الأزهر ففي يونيو عام 1896م وكان وباء الكوليرا يفتك بمصر حدثت إصابة برواق الشوام لأحد الطلبة جراء شربه ماء ملوث مما استلزم نقل الطالب المصاب إلى مستشفى الحجر الصحي تنفيذا لقرارات الحكومة الرامية وقتئذ لاحتواء الوباء ومنع انتشاره ..لكن نظرا لقصور الطلبة وعدم تحريهم لأهمية التعليمات الطبية الوقائية وضرورة اتباعها رفضوا تماما نقله إلى الحجر الصحي وطلبوا نقله بدلا من ذلك إلى بيت زميل لهم وكانت لديهم قناعة من حالات سابقة أن من يدخل مستشفيات الحجر الصحي يموت ولا يعود !!.
ومع تدخل البوليس المصري لإجلاء المصاب بالقوة وكانت قيادته إنجليزية وتصاعد أعمال الشغب إلى حد إصابة محمد ماهر باشا محافظ القاهرة بحجر أدمى وجهه وكاد يفقد عينه لولا ستر الله لجأ الإنجليز إلى ضبط الأوضاع باقتحام الجامع الأزهر وإطلاق النار مما أدى إلى مقتل أحد الطلبة والقبض على المشاغبين ومن ثم معاقبتهم وإغلاق رواق الشوام ..
هذه المشاهد كان يمكن تلافيها لو تدخل الشيخ النواوي أو وجه أحدا من قياداته لرأب الصدع منذ البداية ونزع فتيل الأزمة بين الطلبة والبوليس خاصة أن المسألة لم يكن فيها أي انتقاص من مكانة السلطة الدينية في البلاد ممثلا في الأزهر بقدر ما كانت لأغراض صحية تحتاج إلى تضافر الجهود ونشر الوعي الصحي في البلاد وهي مهمة تحتاج رجال الدين جنبا إلى جنب الممارسين الصحيين . وفي هذه الحادثة أجد نفسي انضم إلى صفوف من لاموه عليها خاصة وقد أفتى بعدم جواز منع الحج في فترات الوباء ..
بوفاة المفتي الشيخ محمد المهدي العباسي أسند للشيخ حسونة النواوي منصب الإفتاء بجانب مشيخة الأزهر واستمر هذا الوضع حتى تقدم مجلس شورى القوانين بمشروع لإصلاح المحاكم الشرعية عبر انتداب قاضيين من مستشاري محكمة الاستئناف الأهلية لمشاركة قضاة المحكمة الشرعية أحكامهم وثارت ثائرة الشيخ حسونة النواوي واتخذ موقفا أكثر حزما وصرامة في رفضه واحتج على مناقشة مصطفى فهمي باشا ناظر النظار له في الأمر وتم رفع المسألة للخديو عباس حلمي الثاني فحاول الخديو إقناعه بقبول التعديلات وتغيير ما يراه مخالفا للشرع فيها لكن الشيخ أصر على الرفض لأن المحكمة الشرعية العليا تقوم مقام المفتي وشرط تولي المفتي مفقود في قضاة الاستئناف ودفع الشيخ ثمن معارضته غاليا فتم عزله عن رئاسة الأزهر والإفتاء عام 1899م وتعيين ابن عمه الشيخ عبد الرحمن القطب النواوي محله في مشيخة الأزهر والشيخ محمد عبده المستشار بالاستئناف الأهلي محله في الإفتاء .ولزم الشيخ داره وارتفعت نظرة العامة والخاصة تجاهه وتبدلت واجتمعوا على مدحه والثناء على موقفه الشجاع وبعد سنوات عاد لمنصبه شيخا للأزهر عام 1907م واستمر في إصلاح المؤسسة وتطوير مناهجها الدراسية، وصدر القانون الجديد في سنة 1326 هـ/1908 م، حيث قسمت العلوم الدراسية إلى ثلاثة أقسام وثلاث مراحل تمنح في نهايتها شهادات مختلفة. كما أضاف القانون الإصلاحي عددًا من العلوم الجديدة بجانب تلك المدرسة بالأزهر، مما أدى إلى إنقاذ ثروة من المخطوطات النادرة وتأسيس المكتبة الأزهرية العامرية، ثم لم يلبث أن استقال مع تراجع الأحوال في الأزهر عام 1909م وعين عضوا دائما بمجلس شوري القوانين وتوفي عام 1924م ومن أشهر مؤلفاته كتاب "سلم المسترشدين في أحكام الفقه والدين" الذي قررته وزارة المعارف على المدارس الأميرية فذاع صيته وعم انتشاره .
استاذة تغريد بو مرعي كاتبة ،إعلامية ومترجمة لبنانية
د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث وروائي مصري
تعليقات
إرسال تعليق