حب الحسين :الشاعر العراقي عقيل حاتم
القصيدة الفائزة بالمركز الأول في المهرجان الدولي
أنا من حسين
حُبُّ الحُسَين
كالطِّفلِ أحلُمُ رغمَ الموتِ في بلدي
ورغمَ قَصرِ المدى في أحرفي ويدي
أَدنو مِن البابِ والآهاتُ ما هدَأَت
والشَّوقُ يَنهَشُ كالأنيابِ في جسدي
وأَلثِمُ القبرَ مُشتاقًا لساكنِهِ
وأَسكُبُ الدَّمعَ كالثَّكلى لمُفتَقَدِ
بكَيتُهُ ونحيبي في الفَضاءِ علَا
والقلبُ قالَ لسيلِ السَّاكباتِ: زِدِ
لا تَعذُلوني؛ فقلبي كالرَّمادِ غدَا
ما عادَ يَنفَعُني صبري ولاجَلَدي
هَوَيتُ مثلَ يتيمٍ فوقَ تُربتِهِ
وقد شمَمتُ الثَّرى عن طِيبِ مُلتَحَدِ
أُردِّدُ الشِّعرَ أنغامًا أَلوذُ بها
كعزفِ نايٍ بليلِ السُّهدِ مُنفَرِدِ
سأَلتُهُ عن دماءٍ في الثَّرى سُفِكَت
لليومِ جاريةٍ موصولةٍ بغدِ
سأَلتُهُ ورياحُ الشَّوقِ تَعْصفُ بي
حيثُ الخِيامُ بلا سَقفٍ ولا وَتَدِ
ما زلتُ أَسأَلُ والآلامُ ما برِحَت
أَسيرُ وحدي بلا ظلٍّ ولا لَبَدِ
لم أَشكُ نزفًا وإن جفَّ الفؤادُ فقد
أَمسَى بخافقتي دِيني ومُعتَقَدي
يا لحنَ أغنيَةٍ في القلبِ باقيةٍ
يا خيرَ أمنيَةٍ للعاشقِ الغَرِدِ
يا آيةً ولسانُ الطَّيرِ رتَّلَهـا
وحرفُها مثلَ خدٍّ للزُّهورِ نَدِي
اللهُ يُوقدُ في نبضِ الفؤادِ سنًا
مِصباحَ هَدْيٍ بغيرِ العشقِ لَم يَقِدِ
مَوَدَّةُ الآلِ في القرآنِ مُنزَلَةٌ
أجرٌ لدِينِ نبيٍّ صادقٍ نَجُدِ
سبحانَهُ يَصطَفِي مِن خَلقِهِ مُثُلًا
فأَزهَرَتْ في طريقٍ واضحٍ جَدَدِ
لحكمةٍ جُعِلَ الميراثُ في بشرٍ
نهجًا لمَن صبَروا ما فيه مِن أَوَدِ
وصيَّةٌ خطَّها الهادي لأمَّتِهِ
وظنَّها القومُ مِن آراءِ مُجتَهِدِ
صوتٌ يُدَوِّي ولم يَسمَعْهُ مَن جحَدوا
حُسَينُ منِّي كما الشِّريانِ في الجسدِ
نعمَ الإمامُ وعينُ اللهِ تصنعُهُ
خُطاه عن سُنَّةِ الأبرار لم تَحِدِ
يَقولُ والصَّوتُ مَكسُوٌّ بغربتِهِ
جميلَ حرفٍ مع القرآنِ مُتَّحِدِ:
لو أنَّ دِينَ الهُدَى لن يَستَقِيمَ إذا
بقِيتُ حيًّا فيا بِيضَ السُّيوفِ فِدِي
يُنيرُ مِن نَحرِهِ نحوَ العُلا قبَسًا
يَسمو كنَجمٍ بنورِ الهَدْيِ مُتَّقِدِ
مَن سارَ في نهجِهِ يَسعَدْ بصحبتِهِ
ويَرشفِ الخمرَ مِن مكنونةِ الخُرُدِ
مِن وحيِهِ أخَذَ الأحرارُ مَنهَجَهم
لم يَقبَلوا عِيشةَ الإذعانِ في صَفَدِ
هم فتيةٌ آمَنوا باللهِ واصطَبَروا
والحقُّ بشَّرَهم في قربِهِ الرَّغَدِ
طبعُ الشَّجاعةِ مِحرابٌ بأعينِهم
كأَنَّ واحدَهم رَهطٌ مِن الأُسُدِ
تَبدو ابتسامتُهم في البعثِ أمنيَةً
كلؤلؤٍ في شفاهِ الحُورِ مُنتَضَدِ
سارَ الإمامُ ولم يَحمِلْ بكاهلِهِ
عارَ السُّكوتِ على باغٍ ومُضَّطَهِدِ
صلاحُ دِينِ رسولِ اللهِ غايتُهُ
يَسيرُ في النُّورِ لمْ يَغدِرْ ولم يَكِدِ
في ثُلَّةٍ من عِبادِ اللهِ صابرةٍ
إحدى وسبعونَ لولا الحُرُّ لم تَزِدِ
يا سائلينَ عن المعنى بلا غَبَشٍ
والغيمُ كادَ يُغَطِّي بارقَ الرَّشَدِ
تَقولُ نارُ الجوى نثرًا وقافيةً
والحرفُ بينَ أنينِ الوَجدِ والكَمَدِ:
أَتاكمُ الدَّمعُ شِعرًا رغمَ قائلِهِ
يَروِي المُصيبةَ مِن خفَّاقِ مُتَّئِدِ
قريشُ عادَت وثاراتٌ لها بزَغَت
يَسوقُها الحقدُ مُذ بدرٍ ومُذ أُحُدِ
تَعَطَّشوا لدماءِ الطاهرينَ ولم
يَنفَعْ نداءٌ لقلبٍ حاقدٍ صَلِدِ
هل يُنكِرونَ إمامًا عادلًا علَمًا
أم يَجحَدونَ مَقامًا غيرَ مُنجَحِدِ؟!
لكنَّ سُودَ قلوبِ القومِ قد عَمِيَت
شتَّانَ بينَ نعيمِ العقلِ والبُلُدِ
عُبَّادُ دنيا وقد باءوا بفَعلتِهم
جاءوا بجيشٍ كموجِ اليمِّ مُحتَشِدِ
وأمُّهم حمَلَت حيثُ الوَغَى حَطَبًا
ولاحَ في جِيدِها حبلٌ مِن المَسَدِ
وكلُّهم عن نداءِ الحقِّ في صمَمٍ
وما سوى الحُرِّ بالأقوامِ مِن أَحَدِ
قد عاشَ حُرًّا ولم يُذعِنْ لطاغيةٍ
فاختارَ نورَ الهُدَى في نهجِهِ الصَّعَدِ
وذادَ عن حَرَمِ المُختارِ مُنتَفِضًا
ما هابَ معركةً مُكتَظَّةَ العَدَدِ
عشرونَ ألفًا وقد غابت بصائرُهم
أكبادُهم مُلِئَت بالحقدِ والحَرَدِ
لسانُ حالِ رسولِ اللهِ يُخبِرُني:
سمِعتُ صائحَهم في قتلِهم ولدي
قالَ: اقتُلوهم ولا تُبقُوا لهم رَجُلًا
نَمحو مِن الأرضِ ذكراهم إلى الأبدِ
سهامُهم أُطلِقَت مِن كلِّ ناحيةٍ
وعن رضيعٍ كضوءِ البدرِ لم تَحِدِ
يا سهمَ حَرمَلةَ الملعونُ صاحبُهُ
أفعى وغيرَ صغارِ الطَّيرِ لم تَصِدِ
سأَلتُ نفسيَ عن إسلامِ مَن منَعوا
ماءَ الفُراتِ عن الأطفالِ بالصَّهَدِ
نهرٌ كريمٌ ويَسقِي كلَّ مَن وفَدوا
عليه كانَت سِهامُ الغدرِ بالرَّصَدِ
أَدارَ عبَّاسُ حيثُ النَّهرُ قِـربتَـهُ
وعادَ منه بلا ماءٍ ودونَ يدِ
ومنه كانَ يَفِرُّ الجيشُ مرتعدًا
إن سُلَّ صارمُهُ مِن ظلمةِ الرُّبَدِ
أَمسَى كصقرٍ بلا عينٍ وأجنحةٍ
والرِّيحُ تَرشُقُهُ بالماءِ والبَرَدِ
تَنعَى الشَّجاعةُ عبَّاسًا وتَندُبُهُ
لم يَخشَ جيشًا كثيرَ الخيلِ والعُدَدِ
أرى خِيامَ رسولِ اللهِ قد حُرِقَت
مِن بَعدِ بترِ كُفوفِ الفارسِ النَّجُدِ
عادَ الحُسَينُ جريحًا نحوَ خَيمتِهِ
مِن دونِ جُندٍ ولا ظهرٍ ولا سَنَدِ
وأَمطروه بسيلٍ مِن كِنانتِهم
ومثلَهُ أمَّةُ المُختارِ لم تَلِدِ
والشِّمرُ أَقسَمَ أن يَمضِي لسيِّدِهِ
بصُحبةِ الرَّأسِ مفصولًا عن الجسدِ
كأنَّهم ونيوبُ الغدرِ بارزةٌ
ضِباعُ غابٍ تُريدُ النَّيلَ مِن أَسَدِ
يَئِنُّ صبري وجهلُ القومِ حيَّرَني
غرِقتُ في قاعِ بحرِ الحُزنِ والنَّكَدِ
يا ويحَ قلبي! فما بالقومِ مِن أملٍ
باتَت رُقَيَّةُ بينَ الخوفِ والصَّرَدِ
تُروَى الرِّمالُ دموعًا مِن ظُلامتِها
رأَت أباها بلا رأسٍ ولا عَضُدِ
رأَتهُ حيثُ دموعُ المُتعَبينَ رجًا
ما كانَ عن روحِها الحَيرَى بمُبتَعِدِ
يا صبرَ زينَبَ مِن قومٍ بلا شرفٍ
مِن بَعدِ فَقدِ أخيها الفارسِ الفَرِدِ!
وطاشَ عقلي لأفعالِ الجُناةِ بهِ
ذِبحٌ عظيمٌ بلا جُرمٍ ولا قَوَدِ
باتَ الإمامُ بلا غُسلٍ ولا كفَنٍ
مُلقًى ثلاثًا على الأجداثِ بالجَرَدِ
وحُبُّهُ لبني الإسلامِ مَكرُمةٌ
كالقَدْرِ أَنزَلَها الرَّحمٰنُ بالمَدَدِ
كالنَّهرِ يَجرِي ولمْ تَثمدْ روافدُهُ
بغيرِ ماءٍ طَهورِ النَّبعِ لم يَجُدِ
يَبقَى نِداءً يُبارِي كلَّ مَن ظَلَموا
كالبرقِ يُـتبَعُ بالأمطارِ والرَّعَدِ
سفينةٌ في عُبابِ البحرِ مَنهَجُهُ
يُصابُ جاحدُها بالخِزيِ والفَنَدِ
مثلَ الجبالِ الرَّواسي للعِبادِ غدَا
والدِّينُ من حِكمةِ الرَّحمٰنِ لم يَمِدِ
إنَّ الرَّزايا لزيفِ الدِّينِ كاشفةٌ
كالرِّيحِ تُـخرِجُ ما بالبحرِ مِن زَبَدِ
قالوا: خروجُ حُسَينَ السِّبطِ مَفسَدَةٌ
لم يُدرِكوا أنَّهُ للذُّلِّ لم يُرِدِ
قد أَصبَحَ الدِّينُ سَوطًا يَحكُمونَ بهِ
في مَجلِسٍ مِن رؤوسِ الشَّرِّ مُنعَقِدِ
وعاشَ بَعدَ رزايا الطَّفِّ مُنتَكِسًا
كخَيمةٍ في الوَغى مكسورةِ العَمَدِ
وفصَّلوه كأثوابٍ تُلابِسُهم
واللهُ يُقسِمُ بالإنسانِ والبَلَدِ
إبليسُ زيَّنَ للحكَّامِ مَسلَكَهم
باعوا الجِنانَ بمُلْكٍ زائلٍ فَنَدِ
أَنساهمُ المالُ آياتٍ مُرَتَّلةً
لم يَحذَروا مِن جحيمٍ غيرِ مُنخَمِدِ
وكلُّهم عن جَمالِ النُّورِ قد حُجِبوا
كالعينِ إِذ قبَعَت في عتمةِ الرَّمَدِ
أيَترُكونَ طَهورًا طابَ مَنبَعُهُ
ويَكرَعونَ بحوضٍ آسنٍ ورَدِي؟!
وجهٌ يُقَبِّلُهُ الهادي ويَعشَقُهُ
بــهِ تَجَلَّى بهاءُ الخالقِ الصَّمَدِ
وكلَّما رُوِيَت بالدَّمعِ قصَّتُهُ
أَصَمَّ أهلُ الخَنا الآذانَ في لَدَدِ
أَعوذُ باللهِ مِن قلبٍ بلا رحِمٍ
مُلَحَّفٍ برداءِ الحقدِ والضَّمَدِ
لن يَنفَعَ القولُ فظًّا قلبُهُ حَجَرٌ
فالحقدُ يَخطِفُ نورَ القلبِ للأبدِ
وأَعجَبُ الأمرِ أنَّ القومَ في عَمَهٍ
مثلَ القطيعِ وقد ساروا بلا رَشَدِ
حتَّى وإن ضحِكَت ضِرسُ الحياةِ لهم
كلُّ ابنِ آدمَ يَسعَى نحوَ مُلتَحَدِ
دارَت عليهم رَحى الأيامِ طاحنةً
فصارَ جَمعُهُمُ المرصوصُ للبَدَدِ
خَبْطُ المنايا وإن حاذَرتَ أُحجِيَةٌ
كالضَّربِ بالنَّردِ أو كالنَّفثِ في العُقَدِ
يُنبِيكَ لقمانُ والأيَّامُ شاهدةٌ
سهمُ الزَّمانِ أَتى حتَّى على لُبَدِ
فالموتُ آتٍ ولم تُعلَمْ طرائقُهُ
مَن يحذَرِ الكيدَ لم يَسلَمْ مِن الحسدِ
أَخفَوا عن النَّاسِ إيثارًا وتضحيةً
لن تُحرَمَ النُّورَ عينُ الوُدِّ والرَّصَدِ
مصائبُ الآلِ آياتٌ لمَن عقَلوا
والصَّبُّ رتَّلَها موصولةَ السَّنَدِ
ما زلتُ أَنشدُ في الأحلامِ أمنيَتي
وأَغرِسُ العشقَ أشجارًا لمُعتَقَدي
أَحكِي لسِبطِ رسولِ اللهِ غربتَنا
والدَّمعُ أَذرِفُهُ مِن ناظرٍ حَتِدِ
طلَبتُ صحبتَهُ حيثُ الحبيبُ ومَن
سواه عِندَ ورودِ اللحدِ مُعتَمَدي؟!
هو الشَّفيعُ بيومِ الحشرِ نَسأَلُـهُ
طِيبَ الشَّرابِ وقربَ الواحدِ الأحَدِ
يا ربِّ فافتَحْ لقلبي خلفَهُ سُبُلًا
واجعَلْ غرامي بهِ بُشرى ليومِ غدِ
سبحانَ مَن منحَ المذبوحَ مَنزِلةً
وعشقُهُ في الحشا مِن سالفِ الأمدِ
صلُّوا عليهِ صلاةً بالدُّموعِ لكي
تَحظَوا بلُقياهُ بَعدَ الهمِّ والكمدِ
عقيل حاتم
تعليقات
إرسال تعليق