يوميات ضابط كربلائي : الكاتبة د. نجاح حسين العرنجي
رسائل سريعة
**********
يوميات ضابط كربلائي
**********
الجزء الأول
**********
… كاد الطريق يسبقه حينما دلف بخفة وهرول بنشاط…
الليل قد اأرخى سدوله وانتصف..
سار الهوينا بمحاذاة النبع
وقف يستنشق عبير أخر نسمات تشرين…
علها تأتي بعبق عطرها المتشبع بعبق الياسمين
وفجأة انتبه لوجود شيخ طاعن بالسن يضع عمامته بقرب قبعته الموسومة بالشعار الوطني…
انتفض كعصفور بلل عشه المطر
وشمر عن ساعديه وشرع بالوضوء
وما كاد يضع الماء في فمه حتى خيل إليه بأنه ثغر ليلاه...
.لم يدرِِ كم من الوقت قد مضى وهو يحرك الماء في حكنه وكانه لا يريد أن يضيع ما وجده من طعم الضياع حين التقيا ذات وقت على حافة الجرف وتذكر كيف لثم فاه ليلاه دون سابق إنذار …
باغته صوت الشيخ يؤذن حي على الصلاة…
فبلع الماء وانقض على العمامة
ووضعها بتأن على رأسه
واطلق قدماه للريح
يطارد شبحها..
بينما رفع الشيخ ومن معه من الساجدين يدعو للضابط بصلاح الأعمال
ويرددون بصوت واحد (يهدي من يشاء وهو على كل شيئ قدير) ..
بك نستجير يا أمير المؤمنين.. وندعو لإبننا البار الضابط (أحمد) بالنصر المؤزر بحق محمد وآل محمد
احتضن الشيخ قبعة الضابط ولثمها بشفاه
تلهج بالدعاء
( "
إلهي…
بفاطمة وا أبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
أقض حوائجنا ..
شاف مرضانا ..
فك أسرانا ..
رد كل غريب ..
فرج.عنا فرجا عاجﻻ كلمح البصر هو..
أو أقرب من
ذلك يارب...
…
…
بينما أحمد مازال ينشد دروب الحي المؤدية إلى بيت ليلى ليلقي عليها تحية الصباح قبل ان يستلم الدورية من رفيق السلاح المرابط بانتظاره في ساحة المدينة
رسائل سريعة
**********
يوميات ضابط كربلائي
الجزء الثاني
**********
كان ينام قرب زوجته حين رن هاتفه ، كانت الساعة تشير حينها للواحدة بعد منتصف الليل ، رفع الهاتف وهو يفتح عينيه بصعوبة فوجد أن الرقم مجهول فقطع الاتصال وأرجعه لمكانه واستوى للنوم مجددا ، ماهي إلا لحظات حتى عاود المتصل اتصاله فرفعه مجددا ليجد الرقم ظاهرا هذه المرة فأجاب بصوت منخفض حتى لا يزعج زوجته رغم أنها لم تنزعج أصلا برنة الهاتف مرتين فقد كانت تغط في النوم العميق ، فرد :
- الوووو
فكان المتصل فتاة فأجابت :
- أحمد أريد أن أتحدث معك أنا ليلى
فأجاب بصوت أقل انخفاضا من الأول
- من ليلى ؟؟
- هههه نسيتني !! حسنا ليلى الريحاني
- هممممم
فنهض مسرعا الى خارج الغرفة وذهب للشرفة المطلة على الشارع، وفي طريقه أتممت كلامها :
- ما بك كأنك مرتبك ؟ هل عرفتني أم يجب علي إعطاءك بعض المعلومات الأخرى وأساعدك في معرفتي ..
قاطعها قائلا :
- عرفتك ماذا تريدين ؟؟
- لا عليك لا أريد منك شيئا ، فقط أريد أن أقول لك كلاما وأقسم أني لن أعاود الاتصال بك مجددا ولكن إن سمعتني حتى أنتهي من كلامي ، وبعدها اذهب الى حـ.ـضن زوجتك ، لكن ان قطعت الاتصال سـ.ـأدمر حياتك وأجعل حياتك جـ.ـحيم كما دمـ.ـرت حياتي أقسم لك ، قد مرت سنوات وأنا أبحث عن رقمك الجديد وعنوانك ومعلومات عنك ، والآن بعد أن وجدت ما أبحث عنه أريد منك فقط الإصغاء إلي وبعدها سأنساك الى الأبد كما نسيتني...
سكت لبرهة ثم قال حسنا سأسمعك ماذا تريدين ؟
- ههه لم تكلف نفسك حتى السؤال عن أحوالي ، لا يهم المهم يا أحمد ، يا من ناداني بحبيبتي ونور عيوني مرارا ، أنا سارة ، نعم سارة التي كانت شابة طموحة تدرس في الكلية ، الشابة التي كنت تجري وراءها بمختلف الوسائل لترتبط بها، أريد أن أتصل بك لأفرغ أوجـ.ـاعي وأشكوك لضميرك وأرحل، أتتذكر أول موعد قبلت فيه الخروج معك بعد إلحاح طويل منك ؟ أتتذكر حينما قلت لي أنت أجمل بنت صادفتها في حياتي؟ أتتذكر حين كنت تحدثني طول الليل وتجلب لي الهدايا في كل مناسبة وحتى دون مناسبة ؟ أتتذكر حين قلت لي المـ.ـوت هي الوحيدة التي ستحول دوننا وتفرقنا من غيرها لن يكون هناك أي سبب يجعلنا ننفصل في هذه الحياة ، كنت تناديني حبيببتي في اليوم عشرات المرات ، في بداية كل اتصال وفي نهايته وفي الرسائل النصية، كنت مهتما بي لدرجة لا توصف كان طلبي الوحيد لك أن لا تتركني يوما وأسألك دوما هل سترحل عني يوما؟ فكنت تجيبني دوما بالنفي قطعا ، بنيت لي قصورا من الأوهام وشيدت لي قلاعا من الخيال وجعلت في مخيلتي أحلاما وردية حت عدت لا أتخيل مستقبلي من دونك ، فتقت فيك ورويدا رويدا تطورت علاقتنا حتى استغليت حبي لك واستغليت ضعفي وأخذت مني أعز ما أملك في حين غرة مني ، أعطيتك شرفي بعد أن أعطيتني وعدا بعدم تركي ، كنت ساذجة فعاقبتني كنت غبية وتقت فيك فخذلتني كنت محبة لك فصـ.ـدمتني ،أتعرف أين أنا الآن ؟ هل تسمعني ؟…
أجاب أحمد بصوت خفيض أين انت قولي بسرعة…
أنا في مستشفى الطب الجراحي في أول الشارع الذي يقع بيتك في منتصفه….
ماذا تفعلين.. ؟
يضمض الأطباء عملية القلب المفتوح التي اجريتها منذ10 /أيام
تعال اريد ان اراك
… .أمام غرفة الإنعاش شاهد أحمد فتى يانعا يحمل شالها الأصفر الذي كان قد أهداها إياه في أول لقاء بينهما
… عانق أحمد الولد الذي يشبهه.. والشال
بينما كان الأطباء ينقلون جثة ليلى الى براد المشفى
ناول رئيس قسم الوفيات تقرير الوفاة إلى احمد
سبب الوفاة صدمة (صدمة قلبية )
رسائل سريعة
**********
الفصل الثالث والأخير في رواية
يوميات ضابط كربلائي
****************
في أحد الأيام ..
وعندما كنت في المدرسة الابتدائية، طلبت من والدتي ان احصل على زوج من الحمام.
ذهب أخي الاكبر رحمه الله ، الى سوق الغزل واشترى لي زوج الحمام مع قفص حديدي صغير وقام بتعليقه على جدار باحة البيت الشرقي ووضعه على مستوى عالٍ بحيث لااستطيع الوصول اليها.
كنت اكتفي بالنظر اليها عن بعد فقط.. ولغرض أثارتها كنت اطلق الصفير المتكرر ...
بعد فترة تعرض والدي الى نكسة تجارية في عمله !!
كانت النكسة ناجمة عن تبذيره واعطاءه المال لبعض الناس دون مبرر..
ولكن لا أحد كان مستعداً للاعتراف بالسبب الحقيقي لتلك النكسة ، لذلك اجتمعت آراء الحكماء على اتهام زوج الحمام المسكين واتهام عملية الصفير بانها هي المسؤولة عن ذهاب البركة وهروب ملائكة الرزق التي تكره الحمام والصفير ودخول الشياطين التي تحب الحمام والصفير !!!
وعندما طرح والدي تفسيره لسبب خسارته ، سارعت جدتي الى دعمه وتأييده في كل ماقال بكل قوة واضافت ان ذلك معروف منذ القدم!!
لا ادري من اخبرهم عن تفاصيل مزاج الملائكة والشياطين وماذا تحب وماذا تكره؟؟
ولغرض تفادي مزيد من الكوارث، قاموا ببيع زوج الحمام على أمل استرداد وتيرة التطور في اعمال والدي..
كان ذلك يوماً اسوداً بالنسبة لي لأني احببت الحمامات، ولكن من يكترث بمشاعر الطفل في هذا المجتمع الجائر ؟؟
لم يتحسن وضع والدي ، وكان التفسير كالعادة بأن : " لعنة الحمائم" لاتزول بسرعة ويجب تغيير البيت !!
وكنت اتلقى اللوم على مغامرتي الطائشة التي دمرت العائلة ؟
وخرج والدي ووالدتي ابرياء من تلك النكسة !!
أتذكر هذه الحادثة لمؤلمة بالنسبة لي وأنا أقوم بشراء زوج من العصافير لأبني الذي ألح علي وطلب مني باصرار ان اشتري له عصا في الحب وقفص ويقوم باللعب واللهو معه في الحديقة في وقت فراغه
فقررت تلبية طلبه إيماننا مني بضرورة اسعاد اطفالنا وضرورة تغذية روح الاحساس بالحب وتنميته على مختلف أنواعه لينبت الحب في درابيننا ولتنتهي الكراهية والحرب والفساد ويزهر السلام والأمن والإطمئنان في كل البلدان والأوطان
وأرفض
أن تسحق الطفولة ويزدري حاجاتها ، كي نحصل على اجيال عظيمة تغير مجري الحياة نحو الافضل..
وتمضي الأيام
د. نجاح حسين العرنجي / سورية
تعليقات
إرسال تعليق