صدور ديوان/وعديات/ للأديبة السورية وعد جرجس عن دار الدراويش للنشرللأستاذ بدرالسويطي ولمسة نقدية للناقد العراقي علي لفتة سعيد
قريباً صدور ديوان وعديات للشاعرة والكاتبة السورية وعد جرجس عن دار الدراويش للنشر والترجمة في بلغاريا _ألمانيا متمثلة بالأستاذ القدير بدر السويطي وهو الديوان الخامس للشاعرة كتب مقدمة الديوان
الناقد العراقي المحترم علي لفتة سعيد
حيث قال :
ثنائية الداخل والخارج وموسيقى الكلمات
ثمة شعر دومًا في الآفاق.. ثمة ما يجعل الحياة جميلةً حين تكون اللغة شعرًا. والشعر نغمة حرفٍ أو نغمة صوت، وكلاهما نغمة تدوين. فما بين الإبداع والترتيب قدرة اللعب على المفردة والبوح بها، من أجل ألّا تكون مفردةً حائرةً في التركيب اللغوي والتأويلي والقصدي.
وديوان (وعديّات) للشاعرة وعد جرجس أخذ من عنوانه ما يمكن أن يلعب لعبة الداخل للخارج. البوح الذي تريد الشاعرة أن تمنحه لفضاء التلقّي، فانتهجت أسلوب الشعر الموسيقي الذي يجعلها في حالة طربٍ متناغمٍ مع المعاني، فهو ديوان الذات المندمجة مع الهموم، سواء كانت للوطن أو الإنسان أو الحب، وقد جعلته المكان الأنسب لرؤية موسيقى الحرف، فانتبذت لها مكانًا (عموديًا) للانطلاق نحو البوح، سواء كان وجدانيًا أو حتى عتبًا مخاتلًا خارجًا من وجعٍ لا تريده معكّرًا لما هو قادر على أن يكون جُملًا من خلال الشعر.
وعد جرجس تريد إثبات القوّة من خلال البوح المباشر، سواء كان للآخر المعني، أو الذي يقرأ، فكلاهما يسير الشعر نحوهم باتجاهٍ معلوم، وكأنها تسلّم أمرها لهذا الأمر:
إنَّني أسلمتُ أمرِي بابتهاجٍ
وخلعتُ الضَّعفَ ثوباً عندَ رَشفِكْ
وهي بذلك تحاول المراوغة التدوينية في نصوصها الموسيقية، بين حالتي الداخل حيث مخاطبة الذات، والخارج حيث مخاطبة المعني:
ففتحتُ جرّاتِ العسلْ
ورفعتُ سيفي ضد كونٍ كاملٍ ما كنتُ يوماً أخذلكْ
كذَّبتُ عيني ماتردَّدَ من كلامٍ رخّصكْ
صورَ النّساءِ العاهراتِ وما حواهُ دفترُكْ
لكنَّني خرقاءَ كنتُ ولم أرُدْ يوماً يدَكْ
إن ثنائية الداخل والخارج والفعل الموسيقى الذي لا تريده مرتبًا عموديًا صرفًا، قد جعل من مهاد النصوص تنطلق من أثر العنوان وتأثيره، ولا تريد الابتعاد عنه، فتلك منطقة انعاش القصديّة التي جاءت بها المعاني محمّلةً بروحية الشاعرة، التي تنطلق من إحساس التناغم، لتجعله معادلًا موضوعيًّا حتى للألم الذي يساورها، أو الحلم الذي كاد الوصول الى مبتغاه، أو أنه النجوى الذي ابتلّ به الحرف وتناغم:
أنتَ الذي لولَاهُ ما جَنَّ الهوَىْ
في أضلعِي يَوْمَاً ولا غنَّىْ فمِيْ
ولهذا فهي في منطقة التنوّع الشعري، لكنها تنطلق من نقطة الارتكاز الكبرى في عملية التدوين للنصوص الشعرية، وهي نقطة المعانقة الحرفية في طريقة الانشاد الشعري، الذي تصل به الى حدّ التولّه بالبلاد والانغماس بها، لكنها تأتي بطريقة الإنشاد ذاته، حيث الارتباط بـ (الوعديات) الكبرى:
ألا للشّامِ تُطلِقُ لِيْ سَراحَا
فَقَيدُ الهَجرِ أدمَانِي جِراحَا
وفاضَ الكأسُ يا وَجْدِيْ فزِدهُ
لعشقِ دمشقَ أفتيتُ النُّواحَا
حتى لكأنها تناجي البلاد بطريقتها الشعرية الشعورية الخالصة، التغرّب عنها في محاولة لفضّ الاشتباك بين الغربة والحنين والتمسّك بالتربة والحياة، فنجد أن عملة رسم الكلمات في هذه (الوعديات) وكأنها تحيط مجالها التشكيلي ليكون حاضرًا في تدوين المعاني، ولهذا هي تريد بوح داخلها على وفق معطيات النص، إن كان للبلاد أو العتب أو الحب، فكلّها رسائل ليست مشفّرة المعاني والدلالات، فهي تضع مقدّمة لقصيدة البلاد ما بعد الزلزال:
شَعبِيْ تَشَرذَمَ في دهاليْزِ الفَنَا
لا نورَ يُبصِرُ ما تفشَّىْ بهِ الرَّمَدْ
إن (وعديات) وعد هي محاول لإيقاف النزف الداخلي، واندفاع الخارج بمراميه ومآربه أيضا، فكلّ شيءٍ هو منصّةٌ شعريةٌ من أجل تتويج الهمّ الشخصي الذي عانت منه الشاعرة، ولكنه بوح جمالي حمل موسيقاه على نوتات الحروف والجمل.
علي لفتة سعيد
أديب عراقي
تعليقات
إرسال تعليق