PNGHunt-com-2

دجال القرية : ق.ق الكاتب المصري شعبان البنا

.                                ( دجال القرية)               
   قصة قصيرة                                                             
سقط الغريب فجأة فى حلقة الذكر وهو يرغى ويزبد ويطلقها طويلة مدوية تأخذ بمجامع قلوب الغلابة من أهالي القرية والقرى المجاورة الذين أقبلوا من كل ناحية لحضور مولد سيدى( على أبو طرطور)  المدااااااااد .مدد مدد  المدد يا ولي الله . التف الذاكرون حول الغريب ذلك الولي الذى ارسلته عناية الله لأنقاذ هذه القرية وتيقنوا أن الله قد أنهي صبرهم على يديه.وراح الحاج فتح الله يقسم بالله أن الله قد أنقذ هذه القرية على يديه . وأن له بركات عظيمة سوف تعم الكفر كله .
حملوا الغريب على حالته إلى مقام سيدى على فى طرف المقابر وقد علا ضجيجهم وزاد صخبهم يتوافدون من دروب وأزقة البلد بعد سريان خبر ذلك الشيخ الغريب  .واشرأبت أعناق الأهالى يستطلعون صاحب هذه السحنة السوداء ويتأملون هذه الشفاه الغليظة بينما راح ذلك المسجى على الحصيرة يصيح مدااااد ..يا أهل الله مدد. وسط جوقة منهم راحو يمسحون أكمام جلاليبهم فى كتفه تارة وفى طرف جلابيته تارة أخرى.
كان ذلك الرجل قد عزم على الأنتقام من هؤلاء الناس الجهلاء .
شاع خبر الغريب فى القرية وبدأ الناس يتوافدون زرافات ووحدانا على المقام المهجور ونزيله الغريب يبكون عند قدميه وكنت لا ترى موطئ قدم فى المكان وهذا الرجل البركة الذى راح يتلو عليهم التعاويز والطلاسم ويخطها فى
تحاويط وتمائم يعطيها لهم .وما أن تنصرف أخر قدم عن المكان الا ويبادر بعد ما لديه من فلوس حصيلة اليوم ذلك بعد أن يقوم بأحكام غلق باب المقام عليه.
وفى أحدى الليالى أراد توسيع دائرة نشاطه فسول له أبليس
فكرة الذهاب الى المطبة  القريبة من دار العمدة وهى مكان واسع فى ترعة بجوار القرية تقصده الفلاحات فجرا لملء جرارهن وغسل ملابسهن .اسلم الغريب قدماه للريح منطلقا إلى مقصده من المطبة عاريا .وألقى بجسمه فى المكان منتصبا كالمارد فى جوف الليل. كان الظلام متراكبا كثيفا قد ران على كل شئ حيث كانت بعض النساء والبنات يقصدن
المكان وما أن لامست أقدامهن حرف المياه حتى ضرب الرجل بكلتا يديه الماء ملقيا بجسده فى الظلام تحث صفصافة راحت تفرد جدائلها الخضراء على صفحة الموج
وما أن رأت النسوة هذا المشهد وسمعن  انطلقت الأصوات تشق أجواز الفضاء فى وحشة المكان .
صحا الأهالى  الذين هرعوا باتجاه الأصوات التى لم تكف الا بوصول النساء فعادوا جميعا.الى تلك القرية التى أرخت عليها الأيام سدول العماية والجهل .
سرى خبر ( الجنية) فى البلد سريان النار فى الهشيم حتى عطية الذى يسافر كل يوم إلى المديرية متمنيا لقاء المحافظ شخصيا .ولماذا لا وهو قد نجح هى تجميع علبة كروت من أعضاء مجلس النواب  عن دائرته لحل مشاكل البلد !!
سنوات طويلة ..لا يستطيع المحافظ مقابلة المحافظ ؛ ولا المحافظ عايز يشوف لعطيه رقعة وش !!
أقبلت زوجة العمدة فى الصباح على رأس وفد من نسوة ارتدين أملاسهن السوداء وتوجهن إلى المقام حيث الغريب
ووقفن فى خفر وقد أطرقن رؤوسهن حياءا .
كان الغريب قد خرج منسلا فى ظلام الليل متوجها إلى مرقده قبل أن يذر شارق فى سماء البلد.قام بارتداء ملابسه
وتعديل هيئته جالسا فى مسوح الرهبان على البرش يسبح بحمد ربه ويثرثر بتفضله وكرمه عليه.
استفتحت الحرمة قائلة: بسم الله أعوذ بالله العظيم من كل شيطان رجيم . فجاوبها صوت الرجل المتكور فى أطماره فى الركن صارخا:
مدد يا حي يا قيوم ..المدااااااااد.
كان الغريب قد دس أنفه فى كل مناكب البلد .يجوس الحارات ليلا  ويتلمس الأخبار ويلتقط المشاهد ويفتش فى الزوايا خلسة . ويتعرف على كل شاردة وواردة.حتى استطاع تكوين فكرة عبقرية عن البلد تشمل عزيز تفاصيلها متوغلا فى علاقات الأهالى ومعرفة الاسرار وتفاصيل مجهول الأخبار.
وقد خرج بانطباع أن هؤلاء أناس ظلمة ؛ لا يفهمون سوى القتل والعداوات وحرق الزراعات والغرق  وتدبير المكائد سبيلا سهلا لأكل العيش .
فهمس فى نفسه :
اذا كان عمدة  هؤلاء لا يعنيه الا كرشه! والتقرب زلفى إلى مأمور المركز  يبيع أبوه من أجل  كوز دره.
فعلها ذات مرة...نعم فعلها..يوم أن استيقظت القرية على صوت هلول ينهى إلى أسماع  الناس أنه وجد شيخ الخفر
مقتولا فى المطبة القريبة من دار العمدة.
يومها ساوم العمدة القاتل وبعد أن قبض المعلوم أرسل عداية
جوافة  إلى طبيب الوحدة الصحية الذى أكد فى تقريره  أن
شيخ الخفر مات باسفكسيا الغرق. واوعز ذلك إلى أن شيخ الخفر وأثناء  عبوره من المطبة إلى البر التانى  فى إحدى الليالى المظلمة  فاجأته نوبة هبوط حاد فى الدورة الدموية
فسقط من طوله مفارقا  الحياة .وتم دفن الجثة.
اعتدلت زوجة العمدة فى جلستها . وروت له حكاية الجنية
التى شاع خبرها واستطردت قائلة :
لى طلب تانى يا سيدنا الشيخ  ؛  أن تم على خير لك عندى حلاوة كبيره. وأردفت :
من فترة كده والعمده حاله مش عاجبني!!
أنا  حاسه كدا  يا  اخويا  أنوو.   أنه...
فقاطعها  متسائلا:   أنه ايه..!؟
فتهتهت بصوت  متهدج...أن الراجل ده  متجوز  عليه.
وعقبت :  لو بينت ليا الحقيقة دى. وقبل أن تكمل قاطعها بقوله:
أما مسألة الجنية دى ..أنا محتاج من كل بيت فى البلد حتة دهب  علشان أعمل لكم  عمل ( تحويطه جماعيه) ومن باكر ياسيدتى تنتهي مسألة  جنية الماء اللى مبهدلاكم. ولسه ياما
تشوفوا   !!!
وصرخ صرخة عظيمة هاتفا:
المداااااااااااااااااد.  مدد يا أولياء الله الصالحين.
وتلفت يمنة ويسرى وهو يحرك شفاهه الغليظة. فاسترعى بريق عينيه ووجهه الأسود .ودارت بعينيها تمسح جسده المفتول .وحدقت  طرفها الكحيل فى عينه البيضاء واستشعر منها رقة. فمد يده ليضعها على يدها يضغطها برفق..ستسلمت
بعد أيام  وبينما كانت السيارة رقم ١١٠/٢٠٠٠  تقطع الزراعية
مبتعدة عن القرية وهى تحمل الدجال وهو يحتضن الكيس المربوط جيدا فى طريقه إلى خارج  القرية..بينما الذكريات تحتدم فى خياله العريض يتذكر زوجة العمدة ويقرر العودة
الى هذا  المكان  ولو بعد حين.                       ( تمت)
.................................................................................
شعبان البنا
مصر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي