لاشيء تغير : بقلم القس المحترم جوزيف إيليا
لا شيءَ تغيّر
---
إلى الشّاعر الخالد
مظفّر النّواب
وهو يغادر إلى الموت آخر منافيه وأبعدها
في العشرين من أيّار ٢٠٢٢
--
هو الموتُ
مازالَ في رئةِ الكونِ بحرًا عميقًا غضوبًا
بما لا نحبُّ ونرضى ونرجو يُغبَّرْ
إليهِ مراكبُ أجسادِنا
حينَ تبلى وتضعفُ
بعدَ صراعٍ طويلٍ مريرٍ تُسَيَّرْ
وننأى عنِ الأرضِ
ننسى تفاصيلَها
وتواريخَ بسمتِها
ومعاركَها
وعناوينَ نكبتِها
ونردِّدُ :
آهٍ
لكَم قادنا الوهمُ للوهمِ
وانكسرتْ جرّةُ العقلِ قربَ مياهِ الغموضِ
وما قد بنينا
لصدِّ هجومِ الجرادِ تكسَّرْ
هو الموتُ
عزفٌ على وترِ الّلغزِ
لمْ ينهزمْ بعدُ
مازالَ يعدو
ويلبسُ معطفَهُ في الشّتاءِ
ليغزوَ بيتًا سعيدًا
ويطفئَ نارًا لقهرِ صقيعِ المساءِ
وفي الصّيفِ
يُلقي الّلهيبَ على السّاهرينَ
ويكسرُ كأسَ ملذّاتِهم لينوحوا
وعند الرّبيعِ
يبعثرُ وردَ المحبِّينَ
كي لا يصلّوا مزاميرَ عشقِ الحياةِ
وإنْ جاءَ صوتُ الخريفِ
يقومُ ليمطِرَ وحلًا
ويُفسِدَ عرسَ الزّبيبِ
وفي وجهِ مَنْ قد يصفِّقُ للنّحلِ يزأرْ
هو الموتُ
مازالَ رعدًا يفجِّرُ صرختَهُ في الوجودِ
وتطعنُ حربتُهُ ثديَ أنثى الضّجيجِ
ويطمُسُ رملُ صحاريهِ
كلَّ الرّسومِ
وكلَّ الخطوطِ
وكلَّ الوجوهِ
ومازالَ ينخرُ غصنَ الجَمالِ
ويلقيهِ للنّارِ تنهشُ فيهِ
ويرمي سهامَ السّوادِ على خدِّ نجمتِنا
ويسُمُّ حليبَ قصائدِنا
ويهُدُّ جدارَ غدٍ نشتهيهِ
ومازالَ في ثوبِ زينتِهِ يتبخترْ
هو الموتُ
عاصفةُ الملحِ في جوفِ جرحِ المنافي
نموتُ بعيدًا
ويُبكى علينا
ونُرثى بعيدًا
ونُذكَرُ موتى
ونُكرَمُ موتى
وينهالُ زهرُ المديحِ علينا
ونحنُ بحضنِ التّوابيتِ موتى
ونَسألُ ألفَ سؤالٍ
ونشقى
ويحزنُنا أنّنا في السّؤالِ
نظلُّ مقيمينَ
تبًّا
لماذا دمُ الشّعراءِ
على سورِ ما يكرهونَ يُخَثَّرْ؟
هو الموتُ
ناداكَ
فامضِ لأرصفةٍ
لمْ تسِرْ فوقها قبْلُ
ليتكَ تدري
وأنتَ تدخِّنُ سيجارَ زهوِكَ
بعد حروبِكَ كم أنتَ لمْ تنتصرْ
فبرغمِ صراخِكَ
ما زالتِ الأرضُ تُخرِجُ قيئًا
وتجلسُ حيرى على مقعدٍ لا يريحُ
وتُنبِتُ سيفًا
وتلعقُ جمرًا
ومازالَ فيها سلاحُ النّشيدِ يُدمَّرْ
هو الموتُ
قُلْ ما تشاءُ مِنَ الشّتْمِ
حتّى وأنتَ هناكَ
تصافحُ كفَّ ملائكةٍ يا "مُظَفَّرْ"
فلا شيءَ بعدُ تغيّرْ
ومازالَ يجلِدُنا
عند نهضتِنا سوطُ عسكرْ
هو الموتُ
قد نعشقُ الأكلَ مِنْ يدِهِ
ونحبُّ الغيابَ بدِهليزِهِ
كي نعيشَ الجديدَ
وحقلَ الّذي فاتَ لا نتذكّرْ
----
القس جوزيف إيليا
٢٢ - ٥ - ٢٠٢٢
تعليقات
إرسال تعليق