رفقا بكبار السن : مقال إنساني للأديبة نجاة الماجد
صدر العدد الجديد من مجلة ( التكوين )العمانية
وقد تضمن العدد مقالا لي بعنوان : ( رفقا بكبار السن)
ويسرني أن يحظى بمتابعتكم ..
وفيما يلي نص المقال:
( رفقا بكبار السن )
كثيرا ماترددت على مسامعنا هذه المقولة (كبار السن هم بركة البيت وسراجه)
وفعلا فالبيت الذي يحوي كبيرا في السن أيا كان _ جدا أو جدة ، أما أو أبا_ يشعرك بالطمأنينة إذ تضج أركانه بخبرة العمر وذكريات السنين ، هنا تجد الحكمة والرأي السديد والمشورة الصائبة التي تقدم لك على طبق من ذهب من هؤلاء الكبار الذين أنضجتهم التجارب وصقلتهم الحياة بحلوها وبمرها حتى اكتسبوا الخبرة والحكمة.
لكن ثمة أمور لابد من مراعاتها عند التعامل مع هذه الفئة الحساسة من كبار السن فهم أحوج من أطفالنا إلى التدليل والإسترضاء والعاطفة والحنان والرفق والرحمة والصبر والسهر والتضحية . إنهم فعلا يحتاجون لمعاملة خاصة أيا كانوا .
وأشدد على أهمية هذه المعاملة إذ أذكر أنني قبل أسبوع تألمت كثيرا حين تابعت تغريدة نشرها أحد الأصدقاء بتويتر حيث يظهر مقطع فيديو رصدته الكاميرات لممرض في مستشفى وهو يتعامل بوحشية مع رجل عجوز مريض وذلك أثناء تغييره لملابسه في مشهد ينم عن إنعدام الإنسانية والرحمة لدى هذا الممرض الذي كان من المفترض أن تحتم عليه إنسانيته قبل مهنته التعامل بلطف مع هذه الفئة المسنة التي تكون _ كلما تقدم بها العمر _ أكثر حساسية وضعفا وحاجة .
حقيقة لاأحب مشاهدة صور القسوة أو العنف أيا كانت فما بالك بصور العقوق والإهمال لهذه الفئة من كبار السن الذين أعدهم في مقام جدي وجدتي ووالدي يرحمهم الله.
ومن شديد تعلقي ومحبتي لهذه الفئة العمرية قررت قبل سنوات التوجه لدار رعاية المسنين لطلب العمل لديهم حتى لو كان العمل تطوعا للأجر فقط دون مقابل مادي ولكن مضت السنون ولم يصلني الرد بالقبول بعد .
وفي الحقيقة أرى أن إحترام كبار السن وتوقيرهم و الإحسان إليهم تنم عن فطرة سليمة وإيمان عميق وضمير حي خاصة وأن المرحلة العمرية التي يمرون بها هي مرحلة ضعف من بعد قوة فرعايتهم والسهر على خدمتهم في هذه الحالة هو نوع من أنواع رد الجميل لهم على ماقدموه لنا من رعاية مادية ومعنويةفي مرحلة من مراحل حياتنا لذا كان البر بهم فرضا لزاما وليس من قبيل النافلة المستحبة .
وفي القرآن الكريم وفي أكثر من موضع قرن الله تعالى طاعته بطاعة الوالدين والإحسان إليهما وبعد أن يأمر بشكره يأمر بشكر الوالدين ومما يستدل به على ذلك قوله تبارك وتعالى
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}(الأنعام:6) .
وأود أن أشير إلى مسألة هامة تتعلق بكبار السن الذين يكون لديهم رغبة في الكلام الكثير ، وقد يؤدي ذلك إلى نوع من السأم والضجر والملل لدى المحيطين به ، فالأمر هنا يتطلب قدراً كبيراً من التحمل والصبر ، من غير إظهار أدنى تضجر ، بل يظهر السرور والانشراح ، ويُبدي نوعاً من التأدب تجاههم مُظهراً لهم أنّه استفاد من الكلام الذي يسمعه منهم .
وهنا نجد أن الرعاية لكبار السن لا تقف عند الجانب المادي بل يدخل فيها الجانب النفسي والعاطفي، الذي هم أشد حاجة إليه
يقول المولى عزوجل ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ [الإسراء: 23- 24].
وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا»(13).
وقد قرأت مؤخرا دراسةعلمية تؤكد أن العلاقات الاجتماعية والإهتمام بكبار السن تقيهم من الأمراض وتزيد مناعتهم وتساعدهم على الحياة السعيدة.
إذ يستحسن معاملتهم كأصدقاء إن لم يكن لهم رفاق فالصداقة هي "إكسير الشباب الحقيقي" لكبار السن كما يعبر عن ذلك أحد العلماء، كما أن النشاط الاجتماعي لهم يحفظ سلامة أعصاب الدماغ حسب ما جاء في دراسة حديثة. حيث أكدت إحدى الدراسات أن نجاح كبار السن في تنويع صداقاتهم وإبقاء علاقاتهم الاجتماعية يمكن أن يساعدهم على الإحساس بأنهم أصغر من أعمارهم الحقيقية، كما تسمح لهم بالإحتفاظ بحيويتهم وقدرتهم على الحركة بنشاط.
وقالت الدراسة، التي نشرتها مجلة "وثائق الطب الداخلي" إن القدرات الحركية لكبار السن على صلة مباشرة بعلاقاتهم وممارساتهم اليومية التي كلما ازدادت تزداد تأثيراتها الإيجابية على الدماغ.
إذن ياأحبتي رفقا بكبار السن
فهم يعيشون غربة الزمن وغربة الفقد كونوا معهم لاعليهم . رفقا بهم إن ضاقت أنفسهم تحملوا منهم كثرة كلامهم وانتقادھم المستمر فـأنتم لا تعلمـون بماذايشعرون حاولوا أن تخلقوا لهم أجواء تبعث السعادة بداخلهم ،،،
كرواية قصصهم واستذكار جميل ماضيهم..
فسيأتي يوم تشتاقون لهم ولن تجدوهم
لذا رفقا رفقا بهم .
نجاة الماجد
تعليقات
إرسال تعليق