الأستاذ مهدي الشعراني وقراءة عن الشاعر ظافر جمول /شاعر الظل
ظافر جمول
شاعر الظلّ
____
نشيده عذب،يحصد الأنغام ويُسبي لبّ القارئ بهدوءٍ ثابت وقور ،لكنه يضم بين جانبيه عاصفة من الترانيم ليطير بها بلواحظ غنية ورؤى حميدة ووشوشات عابرٍ لكل الاسماع والابصار والألسن ويجمع بيدره بتقنية ورزانة نادرة،فتتخيّل النقطة على الحرف بقوة ويسرج الكلمات مرصوفةً في قلب وهوامش القصيدة،فتتذمر بعض التعابير لعدم دخولها مساحة انتقائه،ويقف على ربا مزيجٍ من الثقافة ويختصرها بتغريدة لم تستطع إلا أن تتوقف عند كل مدخل ومخرج لتُدرك إلى أين هو ونحن ذاهبون معه،يشمخ بتواضع المحترمين...
هكذا عهدته مذ عرفته..هكذا رأيته بعيني التي وثقت بها عبر زمن لابأس به بأنها تنقل لي مشاهد صادقة من خلال شبكية سليمة تقتنص الاديب والادب والشاعر والشعر والعارف والمعرفة ضمن امكانيتي...فظفرت بظافر اعتلى جمال العطاء فكان الشاعر واللغوي /ظافر جمول/..وقلّما نجد شاعراً فذاً وناقدا حذقا يجتمعا بشخصٍ واحد ليكتمل مشهد مدرّجه الواسع بهبوطٍ هادئ وممتع لما يحلّق به فكره وهذا مايجعل تقييم أمثاله دقيق الولوج لقوة التقاطه الثغرات بعَينَي نسر..
لاأدري إن كان هذا المدخل البسيط يرقى لبعض قصائده التي اختلستها وعلى مرأى منه،لأن الشعر هو الشيء الوحيد الذي يعتبر مٌشاعاً وليس ملكاً خاصا لقائله،وتحديداً كهذا أنموذج يستحق القراءة بتأمل من خلال اختياره لقافياتٍ نادرة والفاظ تتألق بتعددية الوسيلة والغاية ببثه اشكال من الحكمة والوجدان والغزل بالدرجة الاولى وغيرها ايضا وصهرهم ببوتقة يَهَب دفؤها الاسترسال للقارئ والسامع وتشده مكبلاً بحبالٍ منسوجة بالاعجاب والدهشة وكتم الانفاس مؤكداً قول صمويل جونسون: الشعر هو فن جمع المتعة بالحقيقة..
فشاعرنا لايتعامل بردّات الفعل بل له خط ثابت غير انفعالي ويحاكي بلوحته الشعرية سياق النظريات الفلسفية بصيغة ادبية شعرية وألفاظ جزلة صعبة وقوية تدفع القارئ للبحث ،فقناعته أن الشعر ليس عابر سبيل اوللتسلية اوالرفاهية والاستجمام بل هو وُجد للغوص بالاعماق والتحول وانت ثابت،فيسمو بالقصيدة تصاعدياً من بيت لآخر بعيدا عن الاسلوب الخبري ويكثر من فعل الامر والنداء،ينحو الى الرومانسية لكن بإضافات ورؤية جديدة متمسكاً باستقلالية السرد وابتكار التفاصيل..هذا والتوازن النفسي والشخصي لشاعرنا يعكس الايقاع الداخلي بتناغم الموسيقى لديه سابحاً بمختلف البحور براحة.يكثر من الاستئناف إضافة إلى أن وضوح الصور والفكرة والخطاب تجعله مقلّاً للضمائر،ولايعني ليس له خوض بالرمزية إنما يعمل على طريقة لكل مقام مقال..وأميز مايملكه شاعرنا هو التداخل بين الصور والألفاظ بما يتناسب مع المضمون ويشعرك بوحدة القصيدة دون جهد متجهاً نحو الاسهاب والاطناب وعمق المعنى سائراً مع ذاته ومع القارئ نحو الارتواء من مكوّنات مجمّعه الشعري بعيدا عن الحشو اللفظي والتعبيري كل البعد..
ظافر جمول شاعر ذو نوعية فريدة،فهو يعشق الظل غير آبه بالظهور والشهرة على الرغم من امتلاكه لمقوماتها فظاهره بسيط ولباطنه بريق وإن قصدته تجد مايسرّك فعلاً،ثقافة متميزة ويترك علامة فارقة عند المتلقي..
اتمنى ان اكون قد انصفت بما اسلفت بهذه الكليمات بإظهار إحدى صفحاته الادبية الكيّسَة..
واليكم بضعة ابيات من قصيدتين لم ينشرهما بعد..
الاولى
وكن كريما تكن بالكون كرار
وكن حكيما اذا كانت لك الدارُ..
وكن حليما فإن الحكمة انسكبت
من الحليم وصك الكف بتار..
وكفكف الكدر من اكواب تكرعها
كما يكفكف ذكر الله اكدار..
ياكل كلي كليلا كله كتفي
مكبلا في كنانات لمن غاروا..
تكورت بركاب الفلك أنجمه لكي يكون صباحا كله غار..
الثانية
فثأ الشعاع بميثئي متغلغلا
فتواثبت أثلامها ترتاب..
فسل خثاريق ثراها خثرد
والقحط إرث وانثنت أطناب..
وإذا القثوم تجمعت وتماثلت
وثُم الصلاح ولثّت الأطياب..
ماتت بثينة والجميل كثائرٍ
ماملّ يبحث للثى حطّاب..
لشاعرنا ظافر جمول كل طيب الامنيات ومزيد من العطاء..ولكم سادتي كل التقدير..
تعليقات
إرسال تعليق