زنزانة ج2 :بقلم الكاتبة فاطمة محمد
" زنزانة "
#الجزء_الثاني
غادر ماهر وهو غاضب مني، لم ينم عندنا كعادته، حتى أبي لا زال غاضبًا وأمي تهدئه، لا بأس سأحل الأمر مع أبي لاحقًا، أمّا الآن سأقرأ معطيات قضية هذا السيد إذًا اسمه نوح، شاب في منتصف الثلاثينات، مدرس جغرافيا، ويعمل عملًا إضافيًا لدى السيد عصام، يقولون أنه ينكر فعلته ولا يزال مصرًا إلى الآن أنّه لم يفعلها، على الرغم من صدور الحكم، لماذا ينكر ما الذي سيفيده الآن؟
إذًا فعلًا هناك شيء ما !!
قرأت كل ما وقع في يدي، تصريحات الشرطة، ملابسات الجريمة، أقوال الصحفيين، شهادات عائلة عصام وعائلة نوح، كل الأدلة تشير إلى أنه القاتل لكنني لم أستمع إلى ما يقوله هو !!
استيقظت صباحًا وكذبت على والدي ليهدأ، أخبرته بأنني سأذهب لأرفض العمل لكنني توجهت مباشرة إلى السجن للزيارة، أخبرتهم أنني قريبته خشية رفضه مقابلتي، أنتظره الآن في غرفة الزيارة ..
إنه يتقدم نحوي، شاب حسن المظهر، بشعر أسود، وعينان سوادوان حزينتان، بشرة بيضاء يعتمها ظلام السجن، يبدو متعبًا، مظهره هادئ، لا يوحي بأنه قاتل، لكن من يعلم فدائمًا ما يفاجئنا القتلة بهدوئهم !
- أهلًا أستاذ نوح، أنا الصحفية يقين وأود التحدث معك قليلًا ..
- صحفية؟ ما الذي تريدينه؟
-أخبرتك أنني أرغب بالتحدث إليك قليلًا !
- وأنا لا أرغب بذلك، غادري الآن ! صحفية جديدة تأتي إلي !
- لن أغادر قبل أن أسمع ما لديك !
- وأنا لن أتحدث وسأنهي هذه الزيارة..
- كما شئت إذًا، أنا لن أخسر شيئًا .. أنت الذي ستخسر صدقني ..
- ماذا سأخسر أكثر مما خسرت يا آنسة؟ لا تجعلي نفسك موضع سخرية هنا !
- نعم ستخسر فأنت لا تعرف من هي يقين بعد ..
- ولا أريد أن أعرف، لست أكثر من صحفية مغرورة لا يهمها سوى الشهرة ! وتسعى للظفر بأقوال حصرية من القاتل !
- إذًا تعترف بأنك القاتل الآن؟
- بدأت بالأسئلة .. هل أنتِ هنا للتحقيق معي؟ لا تتعبي نفسك فقد صدر الحكم وأنا لن أتعب نفسي وأقص قصتي من جديد ! بالاضافة إلى أنني لم أقتل أحدًا يا آنسة !!
دمعت عيناه، ونظر لي بنظرة حزن وملامة، كانت نظرة تحكي الكثير، كانت عيناه تصرخ وتستغيث، وكأنني أرى أسى العالم كله بداخلهما .. وهذا ما دفعني إلى الرغبة بسماعه ومن دون أسئلة فقط سماعه !!
- لا لم أبدأ بعد، ولن أسأل عن شيء .. أنا لست محققة وأنت لست مجبرًا على التحدث .. لكن لدي رغبة بسماعك فهلّا تحدثت؟
- أحقًا لديكِ رغبة؟
- أكثر مما تتخيل .. ما الذي أوصلك إلى هنا أخبرني !
- انظري يا آنسة يقين، أنا شخص لم يعد لدي ما أخسره، فقط روحي وأتمنى لو حكموا علي بالإعدام لتنتهي حياتي البائسة، فلا رغبة لدي بالتحدث ولا فائدة أو أمل مرجو من حديثي ...
- لكن إن تحدثت لربما أغير شيئًا وأنقذك إن كنت بريئًا !!
- تنقذين حياتي .. وهل ما أعيشه الآن داخل هذه الزنزانة يسمى حياة؟؟ أتخبط بين جدرانها، فكرة تصرعني وذكرى تقتلني، وحسرة تعذبني كل دقيقة، أعاشر قتلة حقيقيين، بشرًا لا يعرفون شيئًا عن البشرية، وفوق كل هذا أخشى على نفسي من أن أصبح مثلهم وربما أسوأ، تعرفين من عاشر القوم !
- أكمل أسمعك ..
- لا أريد التحدث، لا رغبة لدي .. ولماذا سأتحدث؟ ما الغاية؟ هل تظنين حقًا أنه يمكنك إخراجي من هنا مثلًا؟ أنتِ تعلمين حق المعرفة أنه لا أمل لدي، لكنك أتيتي بحثًا عن سبق صحفي هذا كل ما في الأمر فلا تدعي الإنسانية !
- نعم يا سيد نوح .. أتيت لأبحث عن سبق صحفي، لأعرف من دفعك لفعل هذا وربما أتيت وأنا كلي ثقة أنك نفذت جريمة غيرك لكن بيديك، أمّا الآن أنا حقًا أرغب بأن أسمع جانبك من القصة، بما أنك خسرت كل شيء فلن يهمك أن تخسر بضع دقائق تحدثني بها أليس كذلك؟
- لديكِ أسلوب مقنع .. لكن إلى الآن لست مهتمًا بالتحدث، الحياة قست علي يا فتاة ومن وثقت بهم طعننوني في ظهري فلماذا أثق بك ولماذا أحدثك؟
- لأنني غريبة عنك .. وحديثك لي لن يضرك بشيء آخر ولن يؤثر عليك، لكن لربما يريح قلبك ألا تظن؟ وربما أنا فعلًا أستطيع فعل شيء ..
صمت نوح قليلًا ونظر إلى السقف وكأنه سرح في عالمه الخاص، أدار نظره علي وتأملني لثوانٍ ..
- سأتحدث لكن ليس لأجلك .. ربما لأريح قلبي كما تقولين، لكن دون أن تقاطعي أو تسألي.. سأتحدث بما أريد أنا وفقط..
- حسنًا موافقة، وأنا لا أريد شيئًا سوى سماعك..
- اممم فلنرى، بدأ الأمر عندما أحببت تلك الفتاة التي رفضني والدها لفقر حالي وهي بقيت معي لأنها تحبني أيضًا، أحبتتها حبًا جمًا، عملت عملًا آخر لأجمع المال وأتزوجها لم أقبل أن أخسر حب حياتي، كان عملي حارسًا ليليًا في مزرعة السيد عصام، لم أتدخل في أي شيء فقط كنت أقوم بعملي، أحمل سلاحًا مرخصًا، في ليلة الحادثة كنت أمشي في الحديقة أحسست بالاختناق قليلًا، ولسوء حظي نسيت سلاحي في المحرس، بعد نصف ساعة سمعت صوت رصاصتين من الطابق العلوي، أي من غرفة السيد، فهرعت إلى المحرس لأحضر سلاحي فلم أجده !
ركضت إلى المنزل وأنا أعزل، وجدت جثة عصام وإحدى عشيقاته والدماء تغرق الجثتان، اتصلت بالشرطة وعندما وصلوا وجدوا مسدسي مرميًا من الشرفة إلى الحديقة، احتجزوني للتحقيق وطبعًا اتهموني، وبعد تشريح الجثث وجدوا الرصاصات قد أطلقت من مسدسي، حاولت الدفاع عن نفسي، أخبرتهم بما حصل ولم يصدقني أحد، الأقارب والجيران قاطعوا أهلي ومنهم من شمت بالمصيبة تخيلي يا آنسة يقين ! وأمّا تلك التي أحببتها وتورطت في كل هذا لأجلها، هه تخلت عني ولم تصدقني هي أيضًا، بل وأصبحت معرفتي مشينة وقالت الآن فهمت والدي وأنت فعلا لست من مستوانا ! لم يصدقني أحد سوى والدي وإخوتي، وكلوا لي محاميًا، لم يستطع عمل شيء، سلاح الجريمة هو سلاحي وبصماتي فقط عليه ولا يوجد غيري ووجدوا تحت سريري مبالغًا مالية وبعض خواتم ذهبية، حبكوها جيدًا لتلصق التهمة بي.. فمن سيصدق أنني لست الفاعل !
- أنا أصدقك !
- حقًا تصدقينني !
- لا أعلم لماذا.. لكنني فعلًا أصدقك.. لكن هل أخبرت زميلتي هدى بذلك ورفضت متابعة الموضوع !!
- هدى زميلتك ! حقًا تعرفينها !
- نعم لماذا؟
وقبل أن يجيبني قاطعنا الشرطي ليقول انتهى وقت الزيارة ...
#فاطمة_محمد
#زنزانة_الجزء_الثاني #زنزانة
تعليقات
إرسال تعليق