الشاعر الأمريكي بوب كوفمان /1/: بريد السماء الإفتراضي بقلم الروائي أسعد الجبوري
الشاعر الأمريكي بوب كوفمان
في بريد السماء الافتراضي
______________________________________________________________________
س:من جزر المارتينيك إلى أمريكا .كيف كانت الرحلة يا سيد بوب كوفمان؟
ج/عليك بالسؤال لأمي.فهي المنحدرة من هناك،وقد يُخبركَ رحمُها الكثير عما جرى خلال تلك الرحلة .
س:هل ستخبرنا عن دوافع الانتقال أم عن أسرار الطبعة الجينية للنسل الذي أنت منه ؟
ج/ ستحكي لك أمي كيف أنجبتني بين أقدام البيض في بلاد العم سام.
س:أتريدُ من أمك أن تسرّد علينا أسطوانة الاضطهاد المكرّرة ما بين الأبيض والأسود؟
ج/ها قلتها بعظمة لسانك مُعتَرِفاً .فأنتَ لفظت اسم الأبيض أولاً ،وتركت الأسود في الهامش .
س:هي أمريكا التي تقول: لا يحقُ لأسودٍ أن يقفز من الفهرست إلى المقدمة فيتصدر كتاب البيض ؟
ج/ أجل.وهي أمريكا ذاتها التي لم تكن في يوم من الأيام كتاباً، بقدر ما كانت وستبقى مشرحةً نطقاً ومنطقاً وفي كل نطاق.
س:ألمْ يحدث تغييرٌ ما بتدرّج الألوان لتحسين المنظر في اللوحة؟
ج/ لم تستعمل أمريكا أقلام الرصاص برسمنا كمخلوقات، بقدر ما استخدم عقلُها الاضطهادي الأحادي الرصاصَ الحيّ لتصفية خصومها الملونيين،مؤكدةً على أن الألوان جميعاً، تُشتق من الأبيض.
س:وأنت.من أين تم اشتقاقك شعرياً ؟
ج/من النمل الأحمر.
س:ماذا تعني بالضبط يا بوب كوفمان ؟
ج/ما زلتُ أظنُ أن هذا الصنف من النمل هو حامل كريات دمنا المُعَدّل وراثياً، بعد أن تم استقلابه بالتفاعلات الكيميائية من الأسود للأحمر. وبنجاح .
س:وهل كان الهدف من وراء عمل كيمياوي شبيه بتحويل بروتينات الأيض إلى وقود لتشغيل العمليات الخلوية إلى وحدات بناء، كان هدفاً شعرياً ؟
ج/ لم يكن هدفاً يخص الشعر وحده،بل الأمة الزنجية نمواً وتكاثراً وحفاظاً على تركيب جينومنا مع المتغيرات التي تطرأ عليه في البيئة الأمريكية وخارجها أيضاً.
س:هل تعتبرُ الشعرَ خلايا جسمانية أم لغويّة بحتة ؟
ج/ أنا أؤمن بأن الشعرَ جسومٌ هائلةُ التبدلات والحواسّ والخلايا الإختزالية لكلّ ما هو موجود بيننا ولكلّ ما هو ضآل عنا .
س:أنت تحكي كلاماً مثل هذا بحكم وضعكَ كمشردٍ ،يحاولُ الثأر من وضعه الاجتماعي الرثّ. أليس كذلك يا بوب ؟
ج/أنا أتعايش مع تلك الوضاعة الرثة المُكتسبة من الجرح الأسود العميق،لأنني غير قادر على الثأر من أي خنزير في مزرعة موجودة على ظهرة هذي القارة .ذهني غير مرتبط بالمستقبل، وكلما رأيتُ ساعةً معلّقةً على جدار، سرعان ما أتخيّل مواقيتها تحملُ إعلاناً قريباً عن موتي كنساً عن هذه الأرصفة أو تلك الحانات أو بين طيات عزلتي .
س:تشكو من ((عزلة مكتظة بالوحدة)) بوجود سيدة بيضاء مثل إيلين سينغ المرأة التي تزوجتك ضرباً لسياسة التفرقة العنصرية ؟!
ج/العزلةُ ليست أنثى لتقضي معها وطراً من نار وآخر من جليد. العزلةُ هي رغبة شيطان بامتلاكك مع أدواته الكاملة من حزن وخمر وخيال وكآبة مزدحمةٍ بمشاعر لكلماتٍ متمرسةٍ على تحوّيل الأمل الخائب إلى قطعة جبنٍ متعفنةٍ تَسدّ فتحتي الأنف .
س:كأن إيلين سينغ لم تعنكَ على فكفكة قيودك ؟!
ج/أجل. لقد فعلت زوجتي الجميلة كل ما من شأنه أن يزيح عن صدري الركام،إلا إنها مثل سفينة كولومبوس ،لم تصل أعماقي لتكسر بقية الأقفال المتحجرة هناك.
س:وجماعة ((البيتنك)) ألم يعتن بكَ شعراءُ ذلك الجيل
ج/ كان بعضهم ملوثاً بغبار التمييز ،فيما كان آخرون مشغولين بعواء ألن غينسبرغ.
س:وما الفرق ما بين عواء غينسبرغ ونباح تشارلز بوكاوسكي وثُغاء والت ويتمان وقهقاع جاك كيرواك ؟
ج/لكلّ صوتٍ من أولئك نوتةٌ اختارت تحطيم جزءٍ من السلّم الموسيقي في أوركسترا الشعر الأمريكي.
فالشاعر ألن غينسبرغ فتح عواؤهُ سجلاتَ الشعر الأمريكي وتسلل إلى داخلها موقظاً الكلمات الصعبة من السبات.فيما تطوّرَ نباحُ بوكاوسكي إلى عظ أطراف اللغة،مستنزفاً دمها ليستبدله بالنكاح والخمر والفوضى العارمة، فكسر العمود الفقري لأخلاق المدينة،ممزقاً العفة ووقار المحافظين الذين استعملوا اللغة كالكهف لكتابة القصائد.
وفيما يخص ثغاء الشاعر والت ويتمان ،فصوتهُ رنين ساعة الشعر الأمريكي التي تجمعت بين عقاربها نداءاتُ الغابة الشعرية التي لا تخلو من الأنين والتصحر الإنساني .فيما قهقاع الفيل جاك كيرواك،فكان صوتاً خرطومياً ضخَ في (جيل بيت) اللاهوتيات وآهات الجنس وما يُحدِثهُ جازُ الهايكو من شيطنة في الأنفس .
((يتبع))
تعليقات
إرسال تعليق