PNGHunt-com-2

قراءة في قصيدة (هذه الأجراس ) للشاعرة مياسة دع بقلم الناقدجمال قيسي

التناقل في الصورة / قراءة في قصيدة  ( هذه الأجراس ) للشاعرة مياسة دع

في قانون حفظ المشاعر وتوزيع طاقتها  ،هذا بعد ان افترضت ان المشاعر طاقة ينطبق عليها قانون حفظ الطاقة ، بشكل عام فيزيائيًا  الطاقة لاتفنى  وإنما تنتقل من جسم الى جسم وفق تحقق الشروط والظروف الملائمة او بمعنى أدق الموجبة والضرورية ، هو  إجراء دقيق لخلق التوازن  في الطبيعة ، وتناغم الروح الواعية  يتزامن مع هذا التوازن  او يسعى له  ، لا أريد ان يكون كلامي ملغزًا  ولا أدعي اني من ابتكر هذه الفكرة ، وإنما   عملت بالمحاكاة مع ما أنجزه عمنا فرويد في اكتشافه المروع  ، نعم التحليل النفسي  يبقى أمرًا من اخطر ما تم اكتشافه  في تاريخ البشرية ، هذا اذا اعتبرنا أن اللغة نشاط الروح الإنسانية وجهاز تكوين الأفكار ، ان انتقال الفكرة من المظاهر الخارجية كمفردات اللغة ومصطلحاتها وتحولها الى قضايا داخلية صميمية مثل قضية الصورة والفكرة ، هو نوع من انتقال الطاقة  ، وانا شخصيًا أميل الى قصيدة النثر  لانها خير من يتمثل فيها هذا الانتقال الصوري والفكري ، جمل قصيدة النثر سردية ، وكلما كان يكتنفها الغموض والإحالة العميقة في المجاز كانت المتعة المتحصلة فاتنة ، ومن اعمق الأفكار  التي تغلغلت في فكري واتخذتها كمنهج في القراءة ،هي مقولة الشاعر الفرنسي ( مالارميه  ) في نقده للشعراء  التقليدين { أنهم يأخذون الشيء كما هو ويضعوه أمامنا -  وبالتالي فأنهم يعوزهم الغموض والسر : أنهم يمنعون عن الذهن فرح الظن اللذيذ  بأنه يخلق ، تسمية الشيء تقضي على ثلاثة أرباع المتعة بالقصيدة - تلك المتعة الناجمة عن طيب التخمين شيئًا فشيئا ً: الإيماء بالشيء ، استحضاره - ذلك ما يفتن المخيلة } ، لكن يبقى هناك أمر ملزم في هذا الغموض ، عليه ان يستند  الى عنصر أو جوهر مادي  ليشكل قاعدته الخاصة ، لذلك عندما نقول او نتكلم عن متعة الادب لايعني مجرد تسرية للنفس ، او التنفيس عن احتقانات وجدانية فردية، إنما متعة الادب تعني رؤية مغايرة للواقع من خلال محاولة إعادة تشكيله  رمزيًا وتشكيل صورة ملهمة من أجل تغيره ،تكوين منظومة طليعية لتستحث التغيير التاريخي ،و يقول عمنا  ( باشلار ) : ( فلكي يستمر حلم يقظة بثبات كافٍ لإبداع مؤلف مكتوب ، ولكي لايبقى مجرد فراغ ساعة عابرة ، يجب أن يجد " مادته " وأن يمنحه عنصر مادي ماهيته الخاصة ، قاعدته الخاصة ،شعريته المتميزة )   ،حاولت ان أستند الى إطار تنظيري لتناول قصيدة للشاعرة مياسة دع ،والحق أقول اني قرأتها لمرات عديدة، لانها كانت تشكل علي ، واشعر اني داخل في متاهة ولابد من أن أتلمس  طريق الخروج منها ، ولست من المحبين لفكرة خيط إريان * ،
لنبحر في فكر مياسة دع  بعيدًا عن أي شاطئ نقدي ، وإنما  محاولة لفك بعض الرموز  ، في مطلع القصيدة  :

.            .. هذي الأجراسُ
.                    تئنُّ.
.           لا حجرَ في حواسِكَ العميقة.

تبدأ بالنقاط وهو ما نسميه بالصمت البلاغي ،وعلى غير العادة ان يُستفتح به ،هنا تقول في غيابك  في تورية كاملة للجملة ، الأجراس تريد بها مشاعرها هكذا أخمن  ،هي صامتة لكنها تئن   حزنًا لانها تفتقد  للصدح الجميل والتهليل بالحضور أو الإعلان عن بدأ الطقوس  ومن ثم تنتقل الى الآخر ،،لتحيل لنا صورة في غاية الإبداع حيث  التورية توشي الى تشبيه من تعنيه بالبحيرة الساكنة  التي لا يبدد سكونها الا بألقاء حجر ، وهذه البحيرة التزمت السكون رغم رمي الحجر فيها من  قبل الطرف الاول ، هذه البحيرة هي الحواس العميقة للآخر ، اي منطقة اللاشعور ،منطقة الحب الفطري الذي لاتعرف أسبابه ،،

في المقطع الثاني تستمر مياسة في ادهاشنا ، في استقلاب وتناقل الصور  :

لم أشأ أصابعَ خطىً أن أُسقطَها وحيدةً وراءَ
.            نوافذِ حصاكَ.
.      نوافذُ صامتةٌ وراءَ شوقٍ ما،
.              شوقٌ وغبارٌ
والوقتُ والعبقُ والأمسُ والجرحُ واللاشيء.
.
.                  لستَ وحيداً.

تقول ببلاغة ومجاز فريد، انني لم أشأ ان ان تكون اندفاعاتي نحوك  بخطى ضائعة لتغدو وحيدة دون استجابة  هناك خط عازل صورته على شكل نوافذ ، والحصى متراكم ، الحصى  الذي ينقر نوافذ العشاق ، هنا قلبت الصورة لغرض الغموض ، بتوظيف المتناقضات في نسق واحد ، هناك خلف النوافذ  مشاعر وأشواق  راكدة وتراكم النقر بالحصى لم يثيرها ،لم يزيح الغبار المتراكم جراء الإغلاق  الطويل ، وتختم المقطع بسرد تاريخي يتسع زمنه الى المطلق ، جملة من خمسة كلمات توازي تاريخًا لاحدود له  ،( والوقت / هو أطلاق للزمن  بالكامل والعبق/ هو عطر الوصال والأمس /هو تاريخ الطرفين بكل ما ينطوي عليه والجرح / بما يعتمل صدرها من ألم الحياة واللاشيء / خاتمة اللاجدوى اللامحصلة  من كل هذا الأمر )
لا اعرف كيف اجد الكلمات لمثل هذه المدونة للمشاعر ، واي توثيق بإمكانه ان يكون بهذه الدقة   ثم في تورية أخرى بارعة لجملة مفادها : لست وحدك بهذا التيه  كلانا نترنح فيه .

في النصف الثاني من القصيدة تستمر مياسة  في بث الصور التي تبدو مربكة ، لكن ما أن تعيد مشاهدتها لأكثر  من مرة ، تتمكن من تجميع أجزاء الصورة المبعثرة بعناية ودقة ، ليصيبك الذهول  :

لم أشأ بقايا حديقةٍ أن أواريَ جِذعَ ظلِّها تحتَ جذوعِ
.               أيامِكَ الساهرةِ
.              أقدامِكَ الزاهدةِ
.      ودمعُكَ الهاربُ على محملِ قلبٍ ما،
.           على محملِ أنّات قمرٍ
.              وهواءٍ قديم.
.
.                 لستَ بعيداً.                       .
.                       .
.              في بقايا وعيي
.          عندَ أوّلِ قطرةِ دفء
.             وآخرِ سرِّ ماء!!

ماتبقى من روحي المثمرة وريعان خضرتها ، لا اريد ان أخفي جذع ظلها اي امتداد هذه المساحة من الروح  لما يشدني للحياة و لا أريد  ان اسفح  الأشواق  المتمخضة عنها بسبب ما يؤرقك جراء ذكريات قديمة وأزمان قد قضت نحبها وانت لاتزال متمسك بها ، الامر الذي يكبل قدومك الي ، وتختم القصيدة بدعوة قوية وباستخدام التورية كالعادة  ليقول لسان حالها : تعال ، انت لست بعيدًا ، وإنما مترسب في المساحة الباقية من وعيي ، أي عمري  ،

جمال قيسي / بغداد
أذار ٢٠٢٢

.            .. هذي الأجراسُ
.                    تئنُّ.
.           لا حجرَ في حواسِكَ العميقة.
  
لم أشأ أصابعَ خطىً أن أُسقطَها وحيدةً وراءَ
.            نوافذِ حصاكَ.
.      نوافذُ صامتةٌ وراءَ شوقٍ ما،
.              شوقٌ وغبارٌ
والوقتُ والعبقُ والأمسُ والجرحُ واللاشيء.
.
.                  لستَ وحيداً.
لم أشأ بقايا حديقةٍ أن أواريَ جِذعَ ظلِّها تحتَ جذوعِ
.               أيامِكَ الساهرةِ
.              أقدامِكَ الزاهدةِ
.      ودمعُكَ الهاربُ على محملِ قلبٍ ما،
.           على محملِ أنّات قمرٍ
.              وهواءٍ قديم.
.
.                 لستَ بعيداً.                       .
.                       .
.              في بقايا وعيي
.          عندَ أوّلِ قطرةِ دفء
.             وآخرِ سرِّ ماء!!!
#مازلت_أقول ..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي