عرس الدم : قصة بقلم الكاتبة بلقيس شاكر البرزنجي
عرس الدم.
أستيقظت صباحا على ضجيج أقلق منامي في ارجاء البيت ،كان نحيب أمي، وصياح أبي وهو يقوم بثورة عارمة بطرد أخي من البيت. أخي ليث شاب في مقتبل العشرين من عمره، وهو يعمل مع أبي في محل للمواد الغذائية لكنه يبدو قد أنساق في الأونة الأخيرة مع رفاق السوء، حين لمحت أخي خارجا شعرت بالأنقباض يعتصر قلبي .
بينما أبي لم يزل يصرخ بوجه أمي التي أعترضت ذلك السلوك لأبي .
لكن أبي لم يتبقَ أمامه سبيل أخر ، فلجأ لطرد أخي في محاولة بائسة .
أسرعت بارتداء ثيابي المدرسية،
وحملت حقيبة الكتب واتجهت الى المدرسة لاهرب من أجواء البيت المحتقن. وانا أسير في الطريق افكر بمصير اخي الى اين سيذهب؟
وفي غمرة افكاري
وانا أسير على الرصيف اصطدمتُ بأحدهم دون ان اعره اي انتباه، سارعت الخطى وانا ضائعة في دوامة افكاري.
مرت الايام وذلك الشاب الذي اصطدمت به يصادفني يوميا في طريقي للمدرسة.
وبدأت انتبه له ولاحظت في بريق عينيه مشاعر الحب لان العيون تقول لك ما لا يُقال، وتفضح ما هو خفيّ في النفوس. وكانت النظرة ثم الابتسامة ثم الامل والاحلام. كانت عيناه تاخذني الى عالم جميل. ذات يوم وإنا في طريقي إلى المدرسة استوقفني باشارة بسيطة من يديه وسألني بعد تردد : ماأسمك؟
أجبتهُ وأنا وجلة: إسمي زهراء.
قال لي: لا تخافي أرجوكِ ، لم اضمر لك الشر ، كل ما هنالك أني أعجبتُ بكِ كثيرا ووددتُ التعرف عليكِ، هل أستطيع الحصول على رقم هاتفكِ كي أتمكن من محادثتكِ ،
لقد أحببت روحكِ وخجلكِ منذ الوهلة الأولى التي اصطدمنا بها.
اصبح حسام يحادثني يوميا ويروي لي ادق التفاصيل.
وبعد مرور عدة اشهر على غياب اخي تعالت طرقات بابنا واذا بالشرطة يسألون عن اخي ليث وقالوا انه قتل شاب لانه كان في حالة هستيرية بسبب تعاطي المخدرات.
قال لهم ابي انه طرده من المنزل وهو غير مسؤول عنه، الا انهم فتشوا البيت ولم يجدوه.
بعد هذا الحادث اجهدت روحي وضاقت حالتي النفسية، وانقطع تواصلي مع حسام،
حتى هو لم يتصل، يا ترى ما السبب؟ لا أعرف ولا أريد أن أعرف. ف انا اريد الانعزال عن العالم،
بعد عدة اسابيع عاد ابي من العمل وهو غضبان وقال أن اهل الشاب الذي قتله اخي سيأتون مع عشيرتهم لكي يفصلوا ويأخذوا دية دم المقتول، وبسبب انشغالي بالدراسة لم اهتم بالموضوع .. جاء الرجال ووجهاء العشائر الكبيرة في البصرة.. وجلسوا في المضيف وكان صوت نقاشهم حاد.. ثم رحلوا... وجاء ابي وقال لأمي جهزي زهراء فقد تم الاتفاق بين العشيرتين على اعطاء ابنتنا فصلية لعائلة الشاب الذي قتله ابننا.. بدأت امي بالصراخ والعويل، كيف نعطي ابنتنا فصلية لتعيش الذل والهوان بعد العز والدلال، لكن ليس باليد حيله لانه الحل الوحيد لحقن الدم.. أما انا فقد دارت بي الارض واصبحت قدماي لا تحملني، ماالذي اسمعه؟ فكرت بحسام، اتصلت به ولم يرد ابدا... لقد تبخرت احلامي وطموحاتي بلمح البصر، دراستي ومستقبلي ذهب ادراج الرياح.
وفي اليوم التالي جهزت امي حقيبتي والدموع تنهمر على خديها، وخرجت من البيت برفقة والدي باجواء يخيم عليها الحزن والصمت، وعند وصولنا بيت حجي سعدون والد المقتول، كان بانتظارنا. وكنت في عالم اخر ولم انتبه الى مايجري.
وبعد انتهاء مراسيم الصفقة ، اخذتني والدة المقتول وكانت امرأة كبيرة بالسن ترتدي الاسود، الى احدى غرف البيت كانت غرفة بسيطة لاتدل على انها غرفة عروس، وبقيت جالسة وحدي وبعد عدة ساعات سمعت وقع اقدام وفتح باب الغرفة رويدا واحسست بدخول رجل ولكني لم ارفع راسي لأراه..
دخل الغرفة بخطوات متثاقلة وجلس على السرير بجانبي، وبعد فترة صمت قال لي : لقد جمعنا القدر في ظروف قاهرة و... وقبل ان يكمل كلامه عرفت هذا الصوت انه صوت حبيبي حسام، رفعت رأسي اليه والتفت الي.، لقد صعقنا نحن الاثنين من هول المفاجأة.. وقال بصوت مرتفع.... زهراء!!!! ماذا تفعلين هنا، ما أن رأيته حتى اغمى عليه.. وعندما استيقظت وجدته يمسح وجهي بالماء وكان صامتا لاينبس ببنت شفة... ولكني أجهشت بالبكاء...
لقد جمعنا القدر بأغرب صدفة لاتخطر على البال..
كنت احلم بفستان زفاف ابيض طويل معه ، ولكني الآن مع حبيبي في ليلة العمر ليلة غابت عنها زغاريد الافراح وانا ارتدي عباءة سوداء ووجهي خالي من المساحيق ومحطمة نفسيا لاني أمرأة فصلية ليست لدي اي حقوق، قدمتني العشيرة قربان لفض النزاعات.
مرت الايام وأم زوجي تعاملني معاملة سيئة كنت أعمل طوال اليوم كالخادمة وألبي طلبات الجميع، كانت ام زوجي تكرهني لانها تتذكر ابنها المدلل الذي قتله اخي عندما تراني.. ترى جريمة اخي في وجهي انا ، إما زوجي حسام فيخشى أمه ويراعى مشاعرها لذلك كان لايظهر التعاطف معي أمامها، ولكن عندما يختلي بي في الغرفة يغمرني بكلمات الحب والحنان،
وبعد مرور سنة حملت في احشائي أول طفل لحسام وولدت صبي، وأسموه علاء على أسم عمه الذي قتله أخي ،
وبدأت الأمور تتحسن في صالحي لقد تغيرت معاملة ام زوجي رويدا رويدا.
وبعد سنتين أنجبت لهم الابن الثاني أسموه صفاء.
وأصبحت أم زوجي تعاملني بالحسنى قليلاً رغم تذكرها إبنها الذي توفى على يد اخي وبكاؤها المستمر عليه.
ولكن الحزن يأبى ان يفارقني ويفارق بيت زوجي ، ففي أحد الأيام بينما كان حسام في محله بالسوق أنفجرت حافلة كانت مؤقتة بقنبلة بالقرب منه، أصيب زوجي بجراح عميقة ونقل على أثره الى مستشفى البصرة. وكانت كلماته الاخيرة يوصي امه بي وبولديه.
وقضيت بقية حياتي مع اهل زوجي وظلت ذكرى زوجي وحبيبي حسام تملأ أرجاء المنزل. جاهدت وربيت أطفالي الى ان أشتد عودهم واكملوا دراستهم ..
الحياة وان قست... وجرتنا لأنفاق وزوايا ضيقة لا نعرف نهايتها... الا ان في داخل كل شر خير لا يعلمه إلا الله...
كنت أنا مثل الألف الفتيات في بلدي ضحية لعادات والتقاليد التي تسلب المرأة حريتها وكرامتها،
ولكني لم استسلم وصمدت في حياتي ... وأكملت رسالة زوجي.. وتركت الأثر الطيب والسمعة الحسنة ... في أولادي .
الكاتبة. بلقيس خيري شاكر البرزنجي.
محافظة ديالى.
تعليقات
إرسال تعليق