PNGHunt-com-2

نص /مراحل/ للأديبة سعاد غانم وقراءة للناقد خالد القبوبي

الشكر الجزيل للجنة تعيين النصوص بالرابطة الأم رابطة القصة القصيرة جدا في سوريا
والشكر موصول للناقد الأستاذ خالد القبوبي KHaldoun Kb  لدراسته المستفيضة لنصي
مراحل.
وكل عام وأنتم بألف خير
قراءات
النص
مراحل
أولى ساعاتِ النهارِ قرر ملءٓ صفحةِ المستقبلِ البيضاءِ،عندٓ الظهرِ بدأ القلقُ يتسرّبُ، عند المغربِ ضاقتِ المساحةُ وأظلم الحبرُ، في المساء مزّٓقٓ الورقةٓ، وألقمٓها لنارِ الشتاء
سعاد غانم/سوريا

قراءات
يذكرني العنوان بكتاب مراحل لميخائيل نعيمة. وأظن كتاب نعيمة منخرطا في فلسفته القائمة على وحدة الوجود وأن الوجود الحسي تمظهر للروح وأن الإنسان يمر بأطوار من التطهر في صور حسية جديدة حتى يخلص روحا فلا يحتاج إلى العودة مجددا بل يلتحم بالذات الكبرى وتنتهي أطوار التقمص وتناسخ الأرواح. وهذا سياق آخر أثار الحديث عنه صدى العنوان بنفسي. وتوضيح ذلك بشكل أرحب في مرداد واليوم الأخير من مؤلفات ميخائيل نعيمة.
وكل هذا استطراد.

أما مقاربة النص فجوهرها تعليق أرفقته بالنص إثر قراءته على جدار الرابطة. وربما أثريته قليلا بوقفة عجلى عند شكل النص.

ولعل مراحل النص هي التتابع الخطي لأحداثه التي وردت جملا تصدرتها الفضلة وكلها مفاعيل فيها للزمان ( أولى ساعات النهار/ عند الظهر/ عند المغرب/ في المساء). وتصدير الزمان وهو فضلة بيان لقوته القاهرة في التحكم في مصائر الخلق. وفي الأثر: لا تسبوا الدهر. فإنما هو الله.

ووحدات الإسناد الأساسية التي أخرت وحقها التصدير جمل فعلية هي في الفعل سواء كان بشريا أو خارجا عن الإرادة الإنسانية. وكل فعل مقترن بزمان منفعل بظرفه الخارجي.

والملاحظ  أن الفاعلية للإنسان في بداية النص وخاتمته. أما وسطه فالفاعلية لغيره. فعل الإنسان هو قرار ملء صفحة المستقبل البيضاء والفعل الثاني من جذرين هما التمزيق والإحراق
واقترن هذا الفعل بالمساء وشتاء/ العمر. بين الفعلين تناقض منشؤه من الزمن المحايث. في فجر العمر يقوى التفاؤل ويعتقد الإنسان في حريته ومشيئته واختياره ويتوهم في الحاضر أن بيده نحت المستقبل. وبعد الاصطدام بحقيقة تجربة الحياة يصاب بالإحباط والقنوط ويوقن بالجبر وألا إرادة له تعاند القدر. فيسلم بالقضاء ورمز التسليم إحراق ما أدى إليه النظر/ التفكير
وكم من كاتب أحرق مؤلفاته كالتوحيدي أو أحرقت مؤلفاته رمزا لإعدامه كابن رشد وأظن لسان الدين بن الخطيب وابن الأبار وهذا الثالوث الأخير من أهل الأندلس.

أما الإسناد الأساسي الأوسط فيجسد قوة قاهرة خارج الطاقة الإنسانية ربما رمز بها إلى الزمن. فعله لا ريب في الجسد وكذلك في التفكير ورؤية الوجود وفي نتاج الفكر مكتوبا ( بدأ القلق يتسرب/ضاقت المساحة/ أظلم الحبر). القلق نفسي وضيق المساحة مكانا وطرس كتابة. أما ظلمة الحبر فكناية عن التشاؤم يخلف الورقة البيضاء والإحساس باقتدار الذات والتفاؤل بالغد، وإقرار بعجز الإنسان.

أما التدبر الدلالي فكان في ما علقت به على المنشور. وهذا نصه ولعل في القراءة بعض التكرار. فأعتذر عنه مقدما:

ثلاثة سجلات صنع منها النص في تفاعل بينها منتج للمعنى:
سجل الزمان. وهو في الحقيقة أطوار العمر من الصبا/ الولادة إلى الهرم/ الموت ( أولى ساعات النهار/ عند الظهر/عند المغرب/ في المساء)
والثاني سجل المعنويات  والطموح والتفاعل مع الوجود بحثا عن معناه: ( ملء الصفحة البيضاء. والإنسان أول نشأته صفحة بيضاء يولد على الفطرة وأبواه يمجسانه أو يهودانه أو ينصرانه وهذا شاء أن يكون وجوديا يكسب حياته معنى بالإرادة والعزم والوعي نقيض الصفحة البيضاء بمعنى المعطى الجاهز السابق للمكتسب. هل المعنى سابق للوجود أم الإنسان المريد هو الذي يكسب وجوده معناه؟/ تلي ذلك صفة القلق. والوجودي بطل قلق. ومن علاماته الاضطراب في المكان والإحساس بوطأة الموت الراصد/ فالضيق والظلمة. والغالب أن معنى الموت قد يغري بفكرة عبث الوجود )
السجل الثالث هو سجل الكتابة كأن الشخصية تعيش الوجود وتدون هواجس الإنسان. الكتابة وجود مواز أو تفكير فيه وتشريك للآخر في حيرة الباحث عن معنى للوجود الإنساني والغاية منه ومنزلة الإنسان في الكون وحقيقة الجبر والاختيار. ومن هذا السجل ملء الصفحة أي الكتابة بالتوازي مع أن تعيش هنا والآن وأن تفكر في الوجود وأن تدون ما قادك إليه النظر. ومن هذا السجل المساحة والحبر والورقة والتمزيق والنار أي إلقامها الورقة الممزقة.  وبين الوجود وتوثيقه مسار متماثل ونهاية واحدة. الموت مواز لتمزيق الورقة وإحراقها. وهذا الإعدام نظير العدم والإحساس بعبث الوجود. فكأن السعي بالعمل أو النظر/ الكتابة إنما هو سدى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي