PNGHunt-com-2

سجع في شمائل علي بن أبي طالب : الأديب كريم القاسم

(سَجْعٌ في شمائلِ عليّ بن ابي طالب) كرّم الله وجهه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أُحارُ في وصفكَ وقد تَقدَمَني الواصفون ويَخشعُ المِداد وقد سَبقني الناثرون ، فكيف أذيعُ سجايا أنتَ أولها وكيف أصوغُ قلادةً أنتَ أوسطها   وكيف أنثرُ مناقباً أنتَ خاتمها (1) ، وكيف أنعتُ مَنْ أنهَكَتْ شمائلهُ الناعتين ، وكيف أنحَتُ مَنْ أرهَقَتْ مناقبهُ الناحتين ، وهل يضلُّ الرَكبُ وأنتَ حاديه ، أم هل يَضعفُ الصَحْبُ وأنتَ ناديه (2)
عذرا سيدي إنْ لمْ يُآزرني البيان والكلام الجَزْل ، فأمام عرشكَ يرتعشُ السَجْعُ وكلّ حروف الوَصْل .
ياقِبلةَ العاشقين  ويا منارَ القاصدين ، عند بابكَ يَخنَعُ الملوكُ والأباطرة ، وعند رفاتكَ يستكين الأعاظم ُوالقياصِرة . مِسكٌ يَضوعُ كُلَّما سُتِر ونورُ شمس ٍ مَزَّقَ السُتُر . أَخفى فضائلَهُ الحاقدون ، وكَتمَ مآثرهُ الحاسدون ، فلم تَزَلْ مناقبهُ للظامئين سَبيلا ، ولم تَزلْ مكارمهُ للباحثين دليلا .
كَبشُ العراق ، حَمَلَتْ مناقبهُ الآفاق. يفوحُ العلمُ من جوانحهِ  ، ويفوعُ البأسُ من جوانبهِ(3)
تاقـَتْ لهُ الكعبةُ فهو وليدها ، وتفاخرَتْ وتهللَتْ بمُحطم ِ أصنامها.
لصيقُ الرسولِ ، وزوجُ البتولِ . أَحَبَّهُ المؤمنون وأبغَضَهُ المنافقون . غزيرُ الدمعِ  قويُّ الرَدْعِ . كريمٌ سَريّ (4)  وَهوبٌ سَخيّ . سَمِحٌ أَبيّ  تَـقيٌ نـَقيّ ، فيّاضٌ جَواد كثيرُالرماد(5)
مُتَصدّقٌ واهِب ورِعٌ راهِب . خاشِعٌ عابد  قانِتٌ زاهِد . يرتدي من اللباسِ أًخشَنه ، ويأكل من الطعام أجشَبه (6) إن خالطَهُ الكَرى جعلَ من الترابِ وَسادة ، وإن أدركهُ السُهاد شَرعَ للتبتُلِ والعبادة ، حتى إذا شَدَّ الظلامُ أطنابهُ  وتاقَ للتسبيحِ طُلاّبهُ ، إنزَوى عن كلِّ ماجاوَرَهُ ، والتَحَفَ الليلَ وديجورَهُ ، واستكان لربهِ بخشوع ، وفاضَتْ مآقيهِ بالدموع  وهو يناجي رَبَّهُ :

" يا سَريعَ الرِّضا اِغْفِرْ لِمَنْ لا يَمْلِكُ إلاّ الدُّعاءَ اِرْحَمْ مَنْ رَأْسُ ماله الرَّجاءُ وَسِلاحُهُ الْبُكاءُ " (7)

حتى يَكاد أن يُغشى عليهِ مِن خشيةِ الله الذي لاربَ معبودٌ سِواه ، وهو يرددُ :

"يا دنيا غرّي غيري إليَّ تعرضتِ أم إليَّ تَشوَّقتِ هيهات هيهات قد طَـلَّقـتُـك ِثلاثاً لارجعةَ فيها " (8)

فَيصبحُ أسداً هَصورا ، هِزَبْراً جَسورا ، لايعرفُ الدرعُ اليهِ مَلبَسا ، ولا يُشاطِرالخوف اليه مَجلِسا .
يَـفـُتُّ الجيوشَ بذي الفقارِ ، هُزماً بذلٍ وانكسارِ ، وقد بُحَّ صوتهُ هل مِن مُبارز ، فلامجيب إلاّ  ثُغاء كالمواعِز ، ويَشجُّ هامَهُم من غير كَـدٍ ، ويكسر عضدهم من غير جهدِ . شديدُ الساعد ، شجاعٌ واعِد . باسلٌ وَثوب ، كرارٌ سُهُوب (9) قَصِيِّ الغدرِ عَصِيِّ الفـَرِّ . مُنَكِّسُ الرايات فالقُ الهامات . فاتحُ الحصون  حاصِدُ المَنون ، حتى إذا تصادمَ الرجال وتشابكَتْ النِصال ، وتجمدَّتْ الدماء في عروقها ، واستَعرَت الحرب بسوقها ، وظهرتْ نوايا الميل ، بَزَغَ مَن لايرقى اليه الطير ، ومَن ينحدرُ عنه السَيْل . فَتقَ الجيوشَ حيدر ، وأرجَفَ اليهودَ وزَمجَر ، وهشَّمَ الصدورَ وكَبَّر ، حتى إذا انهزمَ الراجفون  وتبعثرَ  الناكثون ،فَلَم يثبُتْ من القلوبِ إلا أَشجَعها ، ومن الصوارمِ إلا أقطَعها ، برزَ مَنْ لافتى إلا عليّ  بذي الفقارِ النائلي(10)  متحديا ً عمرو بن ودّ العامريّ بضربةٍ قَدَّتْ غرورَ العامريّ ، وَدَّكَ صناديدَ الباطل  وفتَّ الأذرعَ الموائل (11)
نبيلُ الخلقِ عندَ الطعان ، نَجيبٌ عندَ منازلة الأقران ، وينأى بوجههِ الكريمِ عَن طعنة ٍ تَذرو(12) " كما ردَّها يوماُ بسوءتهِ عمرو"(13)
هذا الذي جمعَ مِنَ المحاسنِ أَبهاها، ومن الفضائلِ أَسناها ، ومن المكارمِ أقصاها ، ومن المحامدِ ِ أنداها  ، ومن المساعي أكرمها ، ومن المفاخرِ  أفخمها.
هو ركنٌ مِن أركانِ الهدى ، ويَدٌ عنوانها الندى . ضاقت بمناقبهِ الآفاق ، فحُبُّهُ إيمانٌ وبغضهُ نفاق .
تعجزُ الاقلامُ عَن عَدِّ مناقبهِ ، ويفنى المدادُ في رسمِ مراتبهِ . حارتْ بوصفهِ العقول ، وخضعَتْ لِحكمتهِ الكهول . هو" مَن قاتل بسيفين ، وبايع البيعتين ، وهاجر الهجرتين ابو السبطين الحسن والحسين"(14) ، ذلك هو سيدي الأسد الغالب علي ابن ابي طالب .
.........................................................
(1) اوسط القلادة : الجوهرة او الدرة الكبيرة في وسط القلادة
(2) النادي : الاهل او العشيرة
(3) يفوع : ينتشر
(4) سري : كريم ، سَخيّ
(5) كثير الرماد : كريم وكثير العطاء
(6) طعام جشب : طعام خشن وغليظ
(7) مقطع من دعاء الامام علي (كرم الله وجهه) .
(8) الكلام للإمام عليّ (كرم الله وجهه)
(9) سهوب : شديد الجري والحركه
(10) حسام نائلي : كثير الفتك ... ويدرك مايريد .
(11) موائل : متجهة للقتال .
(12) تذرو : تقَطِّع وتبدد .
(13) الشطر من قصيدة (اراك عصي الدمع ) لابي فراس الحمداني ...وهو يشير الى عمرو بن العاص عندما اتقى ضربة عليّ بكشف عورته في معركة صفين .
(14) الكلام لـ (علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب) في خطبته بدمشق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي