حروف الشعرمابين القس جوزيف إيليا والشاعر عباس الصهبي
ما أروعَ نهرك
---
إنّه بحقٍّ كما لُقِّب شيخ شعراء العرب حضرة الأستاذ الكبير الشّاعر والأديب عباس الصهبي الّذي فأجأني البارحة بقصيدةٍ عصماء نظمها في شخصي الضّعيف وتعقيبٍ نثريٍّ غاية في الرّوعة كروحه
فرددت عليه فورًا شاكرًا ممتنًّا بهذه الأبيات :
---
وأمامكَ رأسي أحنيهِ
وأرشُّ رداءَكَ أطيابا
وخشوعًا أصمتُ لا أدري
كيف أردُّ عليكَ جوابا
ولقد أبدعتَ قصيدًا كم
قد جاءَ بهيًّا خلّابا
فيهِ ما كنّا نطلبُهُ
من قولٍ يحيا أحقابا
عبّاسُ اغفرْ ضعفَ سطوري
وفمي إذْ أمسى هيّابا
هل يتساوى صائغُ تبرٍ
مع مسكينٍ صاغَ ترابا؟
---
القس جوزيف إيليا
١٦ / ١ / ٢٠٢٤
وهاكم ما كتبه نثرًا وشعرًا :
🌹إعـجــاب🌹
•••••••••
إلى القس المبدع
شاعر العروبة المُجدِّد الكبيـر
چــــــــــــوزيـــــف بك إيـلـيـــــــــــــا
***
هزَّتني إعجاباً قصيدته العصماء: «هذا الجدول المنساب»؛ بافتتاحيتها الرائعة:
«جَدْوَلُ شِعْرِيٖ وَقَدِ انْسَابَا
هَلْ لَاقَىٰ مِنْكُمْ إِعْجَابَا ؟»!
وقدجاء فيها:
«جدولُ شِعري وقدِ انسابا
هل لاقى منكم إعجابا ؟
أفكاري فيهِ سابحةٌ
ما نشرتْ في الأرضِ خرابا
وبهِ قد جئتُ أخاطبُكم
لعقولٍ أطرقُ أبوابـا
وبهِ أهديتُ فراشاتٍ
وطردتُ عن الشُّهْدِ ذبابـا
وأقمتُ ولائمَ فاخرةً
مرتديًا للحُسْنِ ثيابا
لمْ أكسِرْ جرّةَ ظمآنٍ
جاءَ إليَّ يريدُ شرابا
بالشِّعرِ أردتُ بناءَ غدٍ
فيهِ لا نغدو أغرابا
نمشي نحو الفِردوسِ معًا
للحُبِّ نخصِّبُ لَبْلابا
يا ليتَ كلامي لا يبلى
وإلى الدّهرِ يزيدُ شبابا
يُتلى كتِلاوةِ مزمورٍ
يجعلُ أعدائيَ أحبابا
ويقالُ : أجادَ فأطربَنا
وغِناهُ باقٍ ما غابا»!!
---
القس جوزيف إيليا
١٣ / ١ / ٢٠٢٤
*****
غير أن ما هزَّني بالأكثر ما ألمح إليه مطلع القصيدة؛ إذ يشبه «استطلاعاً» لرأي محبيه؛ حول ما إذا كان إبداعه الشعري يلقى إعجاباً حقيقياً ليستمر في العطاء أم لا!!
ولما كان معاليه «قمة» شعرية، حازت إعجابنا جميعاً؛ على المستويين العربي والدولي؛ بغزارة الإبداع والتجديد في شعرنا المعاصر، بالإضافة إلى اهتمامه بالكتابة على أوزان شعرنا العربي النادرة الكتابة فيها، والتي لا يتذكرها أغلب شعرائنا المعاصرين؛ فيما يُعَدُُ منه، وبحد ذاته؛ إحياءً لتراثنا الشعري في تنويع إيقاعات شعرنا المعاصر، بل هو نجح في إنجاز ذلك، وبجهود إبداعية متفردة في المبنى والمعنى؛ وفوق ذلك أمتعنا، ومن وقتٍ لآخر؛ برسالته الشعرية الإنسانية النبيلة الهادفة، والتي لخَّصها في بيتين شعريين- رائعين- بنفس القصيدة؛ حين قال:
«بِالشِّعْرِ أَرَدْتُ بِنَاءَ غَدٍ
فِيهِ لَا نَغْدُوْ أَغْرَابَـا
نَمْشِـيٖ نَحْوَ الفِــرْدَوْسِ مَعًـا
لِلْحُبِّ نُخَصِّبُ لَبْلَابَـا»!!
وما أجدرها رسالته التنويرية المستنيرة هذه، والمليئة بالمحبة الفاضلة النبيلة؛ أن تكون رسالة كل شاعر عروبي حقيقي وجاد!!
أمام كل ذلك؛ رأيت أن يكون شعري هو «المجيب» على سؤاله؛ ليتأكد بنفسه من «الإجابة»..
فالشاعر الخبير المحنَّك مثله لا «يُصدق» إلا «صوت الشعر» ذاته؛ فكانت هذه القصيدة التي أثق أنها تمثل لمعاليه جميع آراء محبيه؛ فيما أقول له:
🌹قصيدة🌹
**********
الإعجاب بأشعار القس المبدع
شاعر العروبة الكبير/ چـوزيـف بك إيـليـا
*********************
للشاعر/ عباس الصهبي
قَلْبِيٖ.. فِيٖ شِعْرِك قَدْ ذَابَا
تَوْقِيـرَاً فَـاقَ الإِعْجَـابَــــا
دَوْمَـاً فِـيٖ لَهْفَـةِ وَلْهَـــانٍ
يَهْفُـوْ لِقَصِيـدِكَ لَوْ غَـابَـا!
إِذْ لَيْـسَ يُطَمْئِنُـــــــهُ إِلَّا
جَدْوَلُكَ'١'الشِعْرِيُّ انْسَابَا!
*****
مَـا أَرْوَعَ نَهْـرَكَ إذْ يٕـرْوِيٖ الـْ
أَبْحُـرَ كَيْ تَنْسَابَ عِـذَابَـا
تَنْقَـىٰ مِنْ كُلِّ مُلُوحَتِهَـــــــا
تَصْلُحُ لِلظَمْــآَنِ شَـرَابَــــا
نهرُكَ لَمْ يَنْسَ بُحُورَ الشِعْـرِ
.. لِيُبْـدِعَ لَحْنَـاً خَـلَّابَـا'٢'
*****
مَا أَرْوَعَ أشْعَارَكَ تَسْمُـو
بِبَيَــانٍ حَـلَّـقَ وَثَّــابَــــــــا
بِمَحَبَّتِــهِ قَدْ صِــرْنَــا لَا
نَخْشَـىٰ كُـرْهَاً أَوْ إِرْهَـابَــا
يُنْمِيٖ بِحُقُولٍ قَدْ جَفَّـتْ
زَهْراً نَجْنِيٖ مِنُه رُضَابَا'٣'
*****
مَازِلْتَ «أَبُونَا» القَسُّ تُغَرّدُ
.. لَحْنَـاً يَـزْدَادُ شَـبَـابَــــــا
سَتُخلدُ شعرَك كُلُّ الأَجْيَالِ
.. وَمَنْ لِلْعَـقْــلِ أَثَـابَــــــا
أَشْعَارُكَ أَمْسَتْ "مَزْمَورَ الـْ
.. أَحْرَارِ" لَهُمْ يَفْتَحُ بَـابَـــا
فَالأَبْــوابُ جَمِيعـاً سُـــدّتْ
وَغَـدَا عَـالَمُنَـا ذَا غَـابَــــا
*****
هَا أَنْتَ تُقَــاوِمُ ظُـلَّامَــــاً
كَشَفُوا لِلْنَّـاسِ الأنيـابــــا
مِنْ سُـوْرِيّةَ فِـيٖ أَلْمَـانْيَــا
مَهْمَا العَيْـشُ بِهَا قَدْ طَابَــا
تَتَذَكَرُ فِي البُعْدِ «الوَطَنَ الـْ
أُمَّ» فَلَا تَنْسَـىٰ الأَصْحَـابَا
وََحُقُــوْلَاً غَنَّـاءَ بِهَـا.. كَـمْ
تَتَذَكَّـرُ فِيْهَـا الأَطْيَـابَــــــا
لَا تَذْكُـرُ مَنْ حَـرَمُوكَ هُنَا
وَلَقَـدْ مَنَعُــوُكَ الأَلْقَـابَـــــا
وَتُخَاطِبُ مَنْ ظَلَمُوكَ كَمَا
لَوْ كَانُـوا الأَقْرَبَ أَحَبَـابَـــا
*****
فِيٖ بُعْـدِكَ لَا تغتــابُ وَلَا
تَصْـدِمُ حَتَّى مَنْ يَتَغَـابَـىٰ
تَتَسَـامَحُ مَعَ كُلِّ الدُنْيَـــا
فَالبَاغِـي عِنْـدَكَ قَـدْ خَابَــا
وَوَلَاؤكَ لِلْـوَطَـــنِ الغَالِيٖ
أَبَـدَاً مَا احْتَـاجَ الأَسْـبَـابَـــا
وَطَـنِـــيٌّ أَنْتَ عُـرُوبِــيٌّ
لَنْ نَسْـأَلُ عَنْـكَ الأَعْـرَابَـا!!
*****
فِيٖ البَدْءِ ظَنَنْتُكَ مُغْتَـرِبَـاً
كَيْ تُكْمِـلَ مَا صَـارَ غِـيَـابَــا
فَتُوَاصِلُ شِعْرَ المَهْجَرِ ذَا
مُتَّبِعَـاً تَـرْتَـادُ خِـطَـابَــــــــا
عُظَمَاءُ الشُعَرَاءِ مِنَ الشَامِ
.. انْتَفَضُوُا صَارُوا الأَقْطَابَـا
"إيْليَّا".."صَيدَحُ".."جُبْرَانٌ"
شََـادُوُا فِيٖ الأشعار هِضَـابَا
قِمَمٌ- مِثْلُكَ- لَنْ يَنْسَـاهُـمْ
إِلَّا مَـنْ فَقَـدُوا الأَلْبَـابَــــــا
مَجْدُ العُرْبِ بِمَجْدِ بَنِيِهَــا
حَتّـىٰ لَـوْ بَـاتُـوا أَغـــــرَابَا!
*****
لَكِنِّـيٖ أَشْــهَـدُ أَنَّــكَ قد
عن بعدٍ أظهرتَ عُجَـابَـــا
أَشْـعَارُك تُـزْهِـرُ فِيٖ غَـرْبٍ
وَلَقَدْ صَـارَتْ فِيْـهِ كِتَـابَـــا
هُوَ عَهْـدٌ لِلْشِـعْـرِ جَـدِيْـــدٌ
عَـرَبـيٌّ قَدْ ضَـاءَ شِـهَـابَــا
وَلِذَا.. مِنْ مِصْرَ أُحَيِّيِكَ الـْ
آَنَ لِأُوْفِيٖ شِـعْرَكَ إِعْجَابَـا!
(الإثنين: 15/1/2024)
*****
♕______________________________♕
'١' الجدول: النهر الصغير(معجم المعاني)، وقد وصف الشاعر القس المبدع- بتواضع العظماء- شعره رغم كثرته المتفردة بالجدول(أيْ كـ«نُهير» أو نهر صغير)؛ في افتتاحية قصيدته الرائعة:
«جدولُ شِعري وقدِ انسابا
هل لاقى منكم إعجابا؟»!
'٢' أول ما استلفت نظري في أشعار معالي القس المبدع قدرته على الكتابة على أوزان بحور الشعر التي اختفت من دواوين أغلب الشعراء المعاصرين في مصر والدول العربية الشقيقة، بعد أن باتت الكتابة بها شاقة على الشعراء لعدم وجود نماذج كثيرة منها ترنَّ بأذن الشاعر المعاصر، مما حرم آذان العشاق المعاصرين من الاستماع في القصائد لإيقاعات موسيقى الشعر العربي، والتي يبلغ عددها 16 بحراً؛ ولكن شاعرنا العبقري بموهبته الفذَّة، ورغبته في الحفاظ على كامل التراث الإيقاعي لموسيقى أوزان الشعر العريقة، وإسعاد المتلقين بإبداع الجديد فيها من الشعر؛ لم يستسلم للاستسهال وأقدم- ولا يزال- على كثير من المعاناة ليقدم لنا درره الشعرية المتفردة في أوزانها الصعبة النادرة.
'٣' الرُضاب «بضمِّ الراء»: رغوة العسل(معجم المعاني الجامع).
تعليقات
إرسال تعليق