سر الغرام : الشاعرعقيل حاتم الساعدي
سرُّ الغرام
كأنَّها الدّرُّ والياقوتُ قد صهرا
والشَّعْرُ تبرٌ على أكتافها انهمرا
تدنو وتعزف ألحانًا تراقصني
قِيثارةٌ داعَبَت أحلامها الوَتَرا
تكاد تخطف روحي حين تسألني
قالَت: أتَعشَقُ وجهًا عنكَ قد سُتِرا؟
فقلتُ: عشقي بقلبي قبل باصرتي
وللفؤادِ عيونٌ تُحسنُ النَّظرا
جمالهُ مِثْلُ ورد مزهرٍ عبِقٍ
وعطرهُ نبع ماءٍ في الجِنانِ جَرَى
كالطفل قلبيَ مدهوشٌ بروعتهِ
وهل يُلامُ عليلٌ في الهوى سُحِرا؟
قالَت: فصِفْهُ، لعل الشِّعرَ يوصلني
فالرُّوحُ تَقطَعُ في أبياتهِ سَفَرا؟
فقلتُ: لو أنَّ بنتَ الجنِّ تَخدِمُني
في نَظمِ قافيتي ما كنتُ مُنتَصِرا
فحسنُ أحمدَ سرٌّ لا يُحيطُ بهِ
شِعرٌ لإنسٍ وجنٍّ قلَّ أو كَثُرا
نجم تربع في هام السماء ولا
يتيه سارٍ إذا يقفو له أثرا
مِصباحُ هَديٍ وربُّ العرشِ أَوقَدَهُ
سبحانَهُ صاغَ مِن أنوارِهِ بَشَرا
سبحانَهُ بجميلِ الخُلْقِ كمَّلَهُ
وخطَّ في الذِّكرِ مِن أوصافِهِ دررا
وقد دنا وتَدَلَّى والحبيبُ رأَى
وما سواهُ بحُبٍّ غامرٍ ظفِرا
مِعراجُهُ لغةُ المعنى تَلوذُ بهِ
وذاكَ سرٌّ عظيمٌ أَعجَزَ الشُّعَرا
هب أنني النسر من عالي السَّماءِ أَرَى
هل كانَ للطَّيرِ أن يَستَكشِفَ القمرا؟
حارتْ حروفي وتاهتْ فيهِ قافيتي
فالشعرُ عن سبرِ غَورِ المُصطَفَى قصُرا
قالَت: فقلْ ما ترى وارحل بمن سألوا
أَراهُ في واحةِ العشّاق قد حضَرا
أَطبَقتُ جَفني وطيفُ الحُسنِ يَسكُنُهُ
وعينُ ذاكرتي لم تَبرَحِ الصُّورا
لقِبلةِ النُّورِ قلبي كالفَراشِ سعَى
كناسكٍ طافَ حولَ البيتِ واعتَمَرا
رأَيتُ طفلًا يَخيطُ الصَّبرَ أشرعةً
يُصاحبُ الرِّيحَ والأمواجَ والمطرا
يَبنِي السَّفينةَ إنقاذًا لمَن ظُلِموا
برحمةٍ لضفافِ النُّورِ قد عبَرا
وما لهُ مِن رفيقٍ في تَغَرُّبِهِ
سوى كتابٍ وشيخٍ يُطعِمُ الفُقَرا
مرَّت ليالٍ وصمتُ الغارِ يُؤنِسُهُ
ليَبزُغَ الفجرُ في الطِّفلِ الذي كَبُرا
مهاجرٌ وعيونُ الطَّيرِ تَتبَعُهُ
نهرُ السَّكينةِ مِن أحداقِهِ انحَدَرا
حمامةُ الغارِ أَمسَت وهي تَحرُسُهُ
شعارَ دِينٍ أَنارَ البِيدَ وانتَشَرا
كأنَّها وأنينُ الوَجدِ يَعزِفُها
مِزمارُ عشقٍ تلا الآياتِ والسُّوَرا
قالَت: أرني به أصبحتُ مغرمةً
فالسَّمعُ يَسبِقُ في تصديقِهِ البصرا
قلتُ: الحبيبُ عطاءٌ كالغِياثِ همَى
أو جدولٍ في حقولِ الياسَمينِ جرى
حديثُهُ النُّورُ في صمتِ المساءِ سرَى
وصمتُهُ لؤلؤٌ في النَّفسِ قد نُثِرا
كم كانَ يَصبِرُ عن إيذاءِ مَن جحَدوا
لكنَّهُ عن بكاءِ الطِّفلِ ما صبَرا!
تُرجَى الشَّفاعةُ مِن كفَّيهِ مكرمةً
يمسَى بها الذَّنبُ مَمحُوًّا وقد غُفِرا
صلِّي عليهِ صلاةَ المغرمين بهِ
فالكونُ يَزهو طَروبًا كلما ذُكِرا
عقيل حاتم الساعدي
تعليقات
إرسال تعليق