PNGHunt-com-2

شهادة ثقافية للناقد غازي أحمد أبو طبيخ في (البحور المؤتلفة) للأستاذ شاكر الخياط

شهادة ثقافية:
""""""""""""""""
ألأخ والزميل  الشاعر والكاتب الأستاذ شاكر الخياط Shakir Al Khaiatt  المحترم..
لفت نظري أنك ولثلاثة أعمال شعرية نزلت بها خلال برهة وجيزة تجمع فيها بطريقة إيقاعية أخّاذة بين طرازين شعريين رائعين هما العمود والحرّ تحديداً..
كما ولفت نظري أيضا أنك كنت حريصاً على جانبين مهمين هما:
* أنْ تكون القصيدة بشقيها المذكورين من بحر واحد في جانب..

*وأنْ يكون الولوج والخروج من أحد الطرازين إلى الاخر بطريقة مقنعة وغاية بالسلاسة الايقاعية في جانب اخر..

وأنا أُدرك تماماً صعوبة هذا التعاقب الموسيقي بأشراطه التي ألزمْتَ نفسَكَ بها في أعمالك الاخيرة-مدار البحث-ومن الجدير بالإشارة إنّكَ لم تتركْ هذه المزاولةَ هَمَلًا بِلا عنونةٍ مميزةٍ وإنما ذكرتَ في معرض ردِّكَ على إحدى التعقيبات مُصطلحاً خاصاً يعبر كما يبدو عن هذا النوع من المزاولة الابدعية اسميته على ما اتذكر ب(المؤتلفة)..

فقلت في نفسي:  يبدو أن الاستاذ شاكر حميد الخياط يؤسس لمشروع شعري معين تحت هذا العنوان..وإلّا فلا معنى للتسمية الآنفة مالم يكن تحت الاسم مضمون بنيوي ما..أليس كذلك؟..

وطبعاً لا أكتمكم أنَّ تركيزي على المستويات الجمالية الاخرى لهذه النصوص فضلا عن مضامينها النبيلة كان أقل بكثير من تركيزي على هذه السبيكة العروضية  اللافتة..

ولا أكتمكم أيضاً شعوري بوجود نوعٍ من الإقتران قد قدح في ذاكرتي باتجاه إطروحةٍ سابقة كان قد طرحها سابقاً الزميل الأديب صفاء محمد علي التميمي(الفرات بن علي فنياً)من(بغداد /العراق) ..
وكانت فكرة مشروعهِ ذاك تحت عنوان النص الشامل..أو ما اسماه حينها ب(النظرية الشاملة)..
وكان سبب هذا الاستذكار هو إحساسي العميق بأمكانية مشروعكم وسلاسة تحققه ويسره على أصحاب الآذان الموسيقية المرهفة..
وصعوبة وعسر إمكانية تحقق النص الشامل بأشراطه التي ترسخت في ذاكرتي خلال محاولات انجاز نماذج نصية شاركتُ فيها شخصيّاً مع اخي وصديقي الاديب الفرات، صفاء محمد علي التميمي..

ولكي تكون صورة العمل الابداعي الشامل - وليس (القصيدة الشامله )كما أُشيع خطأً-واضحة للعيان ساذكر هنا مختصراً للمنظور الذي طرحه الزميل  الفرات أستاذ صفاء من منطلق الأمانة الثقافية فأقول:
إنّ "النص الشامل"،كما يقترح الزميل الفرات، يمكن أن يسهم في كتابته  أكثر من شخص - ولم يُحدّد العدد- ولو اقتضى الحال ان يجتمع لغاية تحقيقه جملة فنانين وادباء يتفقون على موضوعة واحدة ويوزعون المشاهد والمقاطع بحيث يؤدي كلّ شخص  دوره الخاص والمُتّحد في ذات الوقت، لتخليق نوع جديد واسع من أنواع البانوراما الابداعية..
فهو يقترح تنويع الطرازات والاشكال والفنون في ذات الإطار.. وهذا يعني ضرورة وجود الرسام التشكيلي والشاعر الحر والشاعر العمودي في ذات أوذاتين والكاتب المسرحي وكاتب المقالة والخطيب والناثر الشاعري وكاتب الخاطرة والقاص،كلهم جميعاً بحيث يؤدي كلٌّ منهم  دوره في هذا العمل الشامل من منطلق اختصاصه او اختياره الإبداعي..

وفوق ذلك كله يؤكد صاحب هذا المنظور على وحدة الموضوع منذ نقطة البداية وحتى مسك الختام..

وذلك يعني أن مثل هذا النص الشامل يمكن أن يبدأ بلوحة معبرة أو يبدأ بمشهد مسرحي او بمقطع شعري حديث اوعمودي كما ويمكن أن يبدأ بمقطع قصصي أومقالة أوخطبة..
هذا في جانب..
ومن الجهة الأخرى لا يفترض الأستاذ التميمي أية حدود جغرافية بين التنويعات الشعرية حرّاً كان أم قصيدة دوائر عروضية أم قريضاً عموديًّا .. الخ،كلها جميعاً يمكن أن تكون في البدء أو في الوسط اوفي مسك الختام او أن تكرر كما يشاء الكُتّابُ أنفسهم بحسب الاتفاق الاجمالي..
كما وليس عجيباً عند الأستاذ التميمي أن تجتمع كل هذه المواهب قي شخص مبدع واحد..وهو أمر نؤكد من طرفنا صعوبته او ندرته..
والدليل الأكبر ان الأستاذ صفاء كان يقبل مني شخصيّاً ما أرسمه له من لوحات مبسطة فنيّاً ،كوني في الحقيقة واحد من أسوء الرسامين في العالم ،يقبلها لمجرد أنها تحمل فكرة معينةتصب في اتجاه النص الشامل..ويقبلها أيضا لانه لا يجيد فن الرسم مثلي ولربما اكثر لانه في الواقع يحمل  جرحاً في يده اليمنى يمنعه حتى من الكتابة أصلًا..

ألخلاصة نحن نفتتح النص الشامل على قص تمهيدي ، أونص عمودي أونص حديث ،وحين نقلب صفحاته تصادفنا اللوحة والمقالة والخطبة أو أي نوع فني مكتوب أومنقوش يتجهون بخطوات  يفترض ان تكون راسخة الى نفس الغاية في اطار موضوعي واحد!!..

ولصعوبة تنفيذ كل هذه الاشتراطات المتعسرة جرت العادة عند البعض من الزملاء على تنفيذ الجزء الشعري المحدود من هذا المقترح..مع انفتاح النص الذي زاولوه على جميع الدوائر وكافة البحور من دون حدود جغرافية معينة سلفاً،ونعني كتابة النص الجامع بين العمود والحر فقط..
ولكن من يظن أن هذا النوع من الممارسة هو النص الشامل فأنه على وهم كبير،وأنا شاهد على ذلك..
ألنصّ الشامل في حقيقته هو ما فصلته بكثافة لجنابكم الكريم آنفًا..
والأستاذ صفاء حيٌّ يرزق والحمد لله تعالى..
أمّا ما أراه وألمسه عندكم الان يا أستاذ شاكر
فهو أمر مختلف تماما وميسور تماما بشرط الموهبة والإحتراف..فأنت في(المؤتلفة)كما يظهر جلياً تعبر عن قصيدة البحر الواحد عموداً أوحرّاً تحديداً، وتشترط من  بين جميع الشروط شرطين لا ثالث لهما كما فهمت من جنابكم الفاضل:
أولهما وحدة الموضوع..
وثانيهما وحدة البحر،مُراعياً سلاسة الدخول وسلاسة الخروج من شكل الى اخر..وهذا امر أجد فيه لمسة مختلفة  واضحة الخصوصية..سهلة التنفيذ..جميلة الشكل..فالنص الطالع من رحم المؤتلفة نص شعري ليس غير..بقي أمر طبيعة الموضوع  ونوع وعمق الرؤى ومستويات الخصب الجمالي والقدرات الحرفية عائداً إلى مستوى طاقة المبدع وقدراته الشخصية..

ولا بد من التاكيد على أن الجمع بين العمود والحر في بوتقة واحدة قد تم الإشتغال عليه تطبيقياً،من قبل أكثر من شاعر عربي،قبل سنوات من مقترح النص الشامل أو المؤتلفة،اذكر منهم الشاعر محمد علي شمس الدين والشاعر سعدي يوسف،بل وحتى السياب في بعض انتقالاته الاولى،ولكن التنظير العروضي له بمعنى (الجمع بين العمود والحر بحدود البحور الثمانية التي اشتغل عليها رواد الشعر الحر أنفسهم )،فقد تمّ على يد الاستاذ شاكر الخياط،وهذا هو حقه،نسجله هنا كشهادة ثقافية،كما شهدنا على النص الشامل ..
فإن وجدتم -جنابكم الكريم- أنني لم أصل الى فهم المؤتلفة مثلما قدّرتم لها فلا أجد بأساً من الإيضاح الضروري لي شخصياً وللمتابعين في نفس الوقت ..

هذه هي حدود "المؤتلفة" كما وصلتنا..

بينما يتسع الحديث حول الإستفاظات المتكاثرة التي كانت تمثل المتن الأساس لمنظور الزميل الفرات استاذ صفاء التميمي،كونه كان يقصد بالأساس استنباط نظرية إبداع عربية في جانب،بما فيها تنظير يتعلق  باستنباط فلسفة جمال تنطلق من الموروث الحضاري للأمة (وادي الرافدين "من خلال جلجامش ،وقصيدة الخلق السومرية،وفلسفة الجمال الفرعونية المرتبطة بهندسة الأهرام ،ثم الأدب العربي بعصوره المعروفة جميعاً "ماقبل الاسلام والراشدي والاموي والعباسي والفترة المظلمة ثم العصر الحديث )،وذلك حديث واسع لا علاقة له بموضوعنا الخاص بتوليف نص شعري (يتألف) من  الطرازين العمودي والحر وحسب،فتلك هي حدود المؤتلفة،مع التقدير..
غازي احمد ابوطبيخ الموسوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي