PNGHunt-com-2

لست نادمة :بقلم الكاتبة القاصة فاطمة محمد

" لست نادمة "
#السلسة_الثانية #الجزء_الأول

- مراد !! لا تمت ! مراد أرجوك لا تمت !
- أثيل ما بكِ؟ أنا هنا .. خذي واشربي الماء.
- أنتَ هنا الحمدلله ..
- ذاك الحلمُ مجددًا؟
- تقصد الكابوس ..
- نامي عزيزتي واطمئني .. أنا هنا بجانبك ..
مرةً أخرى يتراءى لي ذلك الكابوس بأن مراد يخونني مع تلك الحمقاء فأقتله وأموت بعدها .. لا أعلم لماذا تأتي في بالي هذه الهواجس .. ونهى تلك الفتاة المتطفلة، على الرغم من أنها متطفلة ومزعجة لكنها فتاة حسنة السمعة ولا تفعلها .. لماذا هي بالتحديد ؟ لا أعلم .. ربما لأنني كرهتها منذ الصغر ..
أيعقل لأنني أخشى أن يضجر مراد بدون أطفال ويفعلها حقًا؟ لكن حتى لو فعلها أتمنى أن يفعلها أمام عيني ولا يتحقق حلمي .. وإن تحقق لن أقوم بقتل حبيبي !
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من هذه الأفكار سأعود للنوم أفضل لي ..
ما أجملك وأنت نائم !
الصباح .. مراد يذهب إلى عمله وأنا إلى أعمال المنزل، حياتنا الروتينية المملة .. ومن بعدها لمشاهدة التلفاز .. حبذا لو يعرضون برامج تقدم نصائح تهدئ النفسية وتريح قلوب من هم في وضعي .. لعلي أخفف قليلًا من حدة طباعي مع مرادي ..
يعرضون برنامج ديني وأتابعه كل يوم، اليوم الموضوع هو عن كفالة اليتيم ..
كفالة اليتيم !! والله إنها فكرة عظيمة !
لماذا لا نقوم أنا ومراد بالتكفل بأحد الأيتام الذين خلفتهم الحرب ! وما أكثرهم ! فبلادنا التي كانت زوجة أبٍ ظالمة .. الآن لفظتنا من منازلنا وغدت ملجأ أيتام !
طفل يملأ علينا حياتنا .. يناديني أمي .. ينام بحضني كل ليلة .. ألبسه ثيابه .. أراقبه وهو يكبر بجانبي .. وأقوم بترميم الغرفة المجاورة لغرفتي وأطلي جدرانها بألوان زاهية لأجله وأرسم فراشات ونجوم .. أدخله مدرسة خاصة من تلك التي يرتادها أبناء الأثرياء حتى لو اضطرت للعمل أنا أيضًا لأتحمل تكاليفها .. يا الله لو يحدث ذلك !
لارتوى قلبي الذي أقحطته سنو الحرمان .. الحرمان من العائلة .. من الأمان .. من الحنان .. من الجبل الذي كنت أستند عليه .. كم أشتاقهم !! أتمنى أن يكونوا بخير ويتذكرون اسمي على الأقل .. الحمدلله على كل حال ..
سأخبر مراد عند عودته !
أكملت يومي وأنا أبحث عن الموضوع وأستفسر .. رسمت صورة لطفلي .. أسميه طفلي منذ الآن ! بل إنني أفكر فيه عندما يصبح شابًا وأختار له زوجة ! هههه كم أنا سريعة الانفعال والتأثر ..
- أثيل حبيبتي لقد عدت ..
- مراد .. أهلًا بك كنت بانتظارك ! لدي أخبار مهمة ..
- عساه خيرًا .. تفضلي ماذا هنالك؟
- ما رأيك بأن يصبح لدينا طفل؟
- كيف؟ لم أفهم؟ هل أنتِ حامل؟ لكن هل يمكن؟!
- ليته بالإمكان .. لا، لا يمكن .. لكن هناك طريقة .. أن نكفل يتيمًا من أحد الملاجئ ..
- نكفل يتيمًا؟
- نعم .. نعم .. تخيل أن ننقذ طفلًا من حياة الملاجئ ونعوضه عن والديه .. كم سيكون هذا عظيمًا .. سننقذه من الضياع وننقذ أنفسنا .. وسيكون لدينا ملاك صغير ينادينا " أبي وأمي " الكلمتان اللتان لطالما حلمنا بسماعمها .. ومن ثم أنني قد بحثت كثيرًا وسألت عن الموضوع ويمكننا فعلها !! ما رأيك ؟؟
- أثيل ..

قال اسمي وصمت .. إنه ينظر لي ويفكر بعمق .. لا أعلم سبب كل هذا الصمت والتأني ..
- مراد هيا تكلم ما بك؟
- اممم ماذا سأقول؟ يبدو أنك اتخذت قرارك وانتهيت ..
- لا أنا أنتظر موافقتك وأتمنى ذلك !
- لكن يا أثيل الطفل مصاريف ومسؤوليات .. ماذا لو لم نكن أهلًا لتربيته؟ ماذا لو لم نستطع تلبية احتياجاته؟
- بل سنكون كذلك .. نحن تجاوزنا الكثير معًا .. لقد نجونا من حرب ضروس وتقول لي لن تستطيع تربية طفل صغير ! أرجوك وافق وقم بهذا الشيء لأجلي أرجوك ..
- سأكون صادقًا معكِ .. أنا لا أريد ذلك .. لكنني لا أريد أن تجرحي مرة أخرى ولن أمنعك ..
- حقًا ؟؟ هل أنت موافق؟
- نعم يا أثيل موافق لأجلك فقط .. لكن لن أعدك بأن أحبه كطفلي ولا تلوميني ..
- ستحبه صدقني .. كما سأحبه ! متى سنذهب إلى أحد الملاجئ؟ فلنذهب غدًا !
- متسرعة كعادتك .. ليس غدًا .. أمهليني بعض الوقت لأستفسر جيدًا وأعرف ما هي الإجراءات المطلوبة .. وإلى ذلك الحين لا تصدعي رأسي بالموضوع أرجوك ..
- حسنًا سأصبر فمن صبر ثماني سنوات لن يضره القليل بعد ..
موافقة مراد جعلتني أسعد امرأة في العالم وكأنني ملكته كله .. وكأن كل الماضي البشع تم محوه .. سيصبح لدي طفلي بعد أن اقتربت من سن الرابعة والثلاثين .. متأخر قليلًا لكنه سيأتي وأخيرًا !!
حل الصباح وأنا في قمة نشاطي وسعادتي .. ابتسامتي عادت .. طهوت الطعام وقمت بتنظيف المنزل بأكمله .. ذهبت في زيارات .. قمت بوضع مساحيق التجميل وجهي مشرق .. أنتظر عودة مراد بحب .. وينتهي يومي بالحب أيضًا ..
هكذا أصبحت أيامي تنقضي .. لم أعد ألاحق مراد أو أزعجه .. حتى لم أسأله عن موضوع الطفل كي لا أخل باتفاقنا .. مضى شهران وأنا هكذا .. لقد عدت أثيل القديمة .. المبتسمة .. المليئة بالحياة .. أثيل التي فارقتها الابتسامة منذ العام /٢٠٠٢/ وها هي تعود إليها في أواخر العام /٢٠١٧/ .. ابتسامة استلزمت عودتها خمسة عشر عامًا ..
في أحد الايام قرر مراد مفاجئتي وابتاع لي هاتفًا محمولًا .. فأنا لم أشتري واحدًا سابقًا وحتى عندما كنت أبحث عن حسابات لإخوتي كنت أستخدم هاتف إحدى الصديقات .. لا زلت إلى الآن أكره التكنولوجيا لكنها ظروف الحياة وعلينا التماشي معها .. علمني مراد كيفية استخدامه وأنشأ لي حسابًا في برنامج الفيسبوك .. الليلة الأولى التي أمتلك فيها هاتفًا قررت أن أخذ العديد من الصور أنا ومراد .. لأبدأ معه شيئًا جديدًا كما اعتدت على تجربة كل شيء معه للمرة الأولى ..
في اليوم التالي وعندما جلست وحدي .. أول ما قمت به كان البحث عن أسماء أشقائي .. كنت أظن أنني تخطيت وتجاوزت .. لكن محال أن ينسى المرء عائلته .. ظهر لي حساب باسم أخي عامر .. شقيقي الذي تركته مراهقًا صغيرًا والآن أرى صوره وهو شاب عمره أربعة وعشرون عامًا .. لقد تخرج من الجامعة .. يالجماله ! وأبي يقف بجانبه، يبدو أكبر من سنه، شعره أبيض الآن .. وأمي، الجميلة، أيضًا هي تغيرت .. آه يا أمي .. لو تعلمين كم اشتقت إليك !! يا حسرة قلبي على فراقكم، لم أتمالك نفسي، بكيت من كل قلبي قبلت الصور .. تأملت ملامح شقيقيّ الآخرين " عمر وعلي" أصبحوا شبانًا أيضًا .. ليتني أراكم ومن بعدها لأموت وأفنى ولن يهمني شيء بعدها .. وعلى الرغم من كل العواطف والمشاعر لم أجرؤ على محادثته .. أعلم أنه سيرفض محادثتي كما فعل سابقًا ..
مسحت دموعي وأعددت فنجان قهوة .. أرغب بالنسيان، سأتابع شيئًا آخر .. سأبحث عن الملجأ الذي أخبرني عنه مراد، ماذا كان اسمه؟ ربما ملجأ "الأمل والحب" اسم غريب حقًا .. لا يهم المهم أن يكون فيه طفل صغير أستطيع جلبه إلي .. أدخلت اسم الملجأ في محرك البحث ولم يظهر ! عاودت إدخاله وبدلت بين الكلمتين .. بحثت عن أسماء الملاجئ في مدينتنا ولا يوجد اسم كهذا !!
لقد كان مراد يكذب علي ! لكن لماذا !

أيعقل أنني أخطأت وبحثت عن اسم آخر؟ لا أريد أن أظلمه، محال أن يفعل ذلك، ثم وإن كان لا يريد ذلك منذ البداية لماذا وافق؟ ربما أنا مخطئة .. سأسأله عندما يعود وأتأكد .. لم يتبقَ الكثير لعودته ..
شغلت نفسي بأي شيء لحين عودته وعندما عاد لم أسأله مباشرة وتصرفت بشكل طبيعي كي لا يظن أنني أضغط عليه ..
- مراد .. أود سؤالك، ما كان اسم ذلك الملجأ الذي أخبرتني عنه؟
- لماذا تسألين؟ ألم نتفق أننا لن نتحدث بالموضوع إلى حين حدوثه؟
- لا يوجد سبب فقط فضول يا عزيزي، فقط لا تغضب ..
- حسنًا سأرضي فضولك .. يدعى ملجأ "الأمل والحب" هل ارتحتِ الآن؟
- نعم لقد ارتحت ..
لقد كان يكذب حقًا !! داريت خيبتي بابتسامة مزيفة، لم أعرف ماذا أتصرف .. ضغطت على نفسي ولم أسأله عن سبب كذبه، أريد أن أتصرف بحذر هذه المرة .. ذهبنا للنوم وغصت في أعماق أفكاري .. أبحث عن سبب لتصرفه، أي سبب منطقي ! ولكن ما الذي يدفع رجلًا مثل مراد ليكذب على زوجته؟؟ رجلٌ بصدقه وبعاطفته وإخلاصه .. لكن لماذا؟
رميت بنفسي في دوامة من الأفكار .. فكرة ترميني وأخرى تعود بي .. لكن لم أصل إلى إجابة .. هل أسأله غدًا وأكشف كذبه؟ أم أتركه فترة ليعترف بنفسه !
استيقظت في اليوم التالي وتصرفت بشكل طبيعي ومراد كذلك، لا زلت محتارة بين المواجهة والانتظار، لكنني لا أريد العودة إلى سلسلة المشاكل والمشاجرات السابقة، بقيت أيامًا على هذه الحال إلى أن جاء يوم ووجدت رسالة من مراد بأنه اضطر للذهاب مبكرًا .. هذه المرة الأولى التي يفعلها !
مغادرته هكذا وتلك الكذبة أثارا داخلي الشكوك وبعد كل الصراعات التي عشتها تلك الليلة التي كذب بها علي قررت أن أراقبه فلو كان يرغب بالاعتراف لما كذب منذ البداية !
اتصلت به لأسأله عن سبب ذهابه .. لكنه لم يجب، انتظرت ساعات ولا يوجد رد منه، عاودت الاتصال ولكنه لم يجب أيضًا !
النيران تشتعل داخلي ! ما الذي يحدث هنا؟
وبعد انتظار دام ساعات .. الهاتف يرن! إنه مراد!
- مراد أين كنت؟ لماذا لم تجب؟ ولماذا ذهب مبكرًا لقد قلقت عليك!
- اهدئي اهدئي قليلًا، حبيبتي لقد تعطلت إحدى الآلات الضخمة والباهظة الثمن في المعمل ولم نستطع أن نقوم بشيء اليوم إلّا محاولة إصلاحها، لا تقلقي سأتأخر قليلًا اليوم وعندما أعود لديّ مفاجئة لكِ، أحبك ..
-حسنًا ،لا تتأخر .. أتوق شوقًا لمفاجئتك .. وأنا أحبك ..
أغلق مراد الهاتف وصب الزيت على نيراني، ما شأنه هو بإصلاح الآلات؟ إذا كان مجرد عامل عادي وشهادته أصلًا في الحقوق؟ إنّه يكذب مجددًا !!
لم يعد بإمكاني التحمل أكثر .. عندما سيعود سأواجهه بكل شيء ولن أصبر وأنتظر اعترافًا بل وربما كذبة جديدة ! يا الله متى سيعود هذا الرجل ويطفئ تلك النيران !
الوقت يمضي ببطء على غير العادة .. حائرة بأمري .. أسير من غرفة إلى غرفة .. التوتر يكاد أن يقتلني .. أجهز الكلمات وأجهز نفسي للمواجهة !
إنّه صوت الباب يُفتَح، لقد أتى وأخيرًا !
- أثيل أين أنتِ تعاليّ بسرعة!
- قادمة .. ماذا هنالك؟؟
ركضت بسرعة نحو الباب، يبدو مراد متوترًا وقلقًا ولا تبدو عليه علامات الاتساخ من تصليح الآلة كما قال! إنه يتصبب عرقًا وكأنه كان في معركة وليس شخصًا يحضر لمفاجئة !
- أغمضي عينيكِ أولًا ..
- لماذا؟ بدأت تخيفني !
- لا تكثري الكلام هيا أغمضي وسترين بعد ثوانٍ !
أغمضت عينيّ وأنا خائفة مما سأراه عندما أفتحهما ! اجعله خيرًا يا الله خيرًا !
- افتحي عينيكِ .. وقولي مرحبًا !
ما أن فتحت عيناي حتى وجدت طفلًا صغيرًا، ربما بعمر الخامسة، عيناه خضراوان وشعره أسود، جميل سبحان الخالق، إنه ملاك صغير!
- لكن من هذا يا مراد؟
- هذا فؤاد، عمره أربعة أعوام ونصف .. تُوفِي والداه وهو بعمر السنة وقد جلبته من الملجأ نفسه وأحببت أن أفاجئك وأحقق لكِ حلمك !
- من الملجأ نفسه !

استقبلت هذا الطفل البريء وقبلته على الرغم من الصدمة الكبيرة التي أصابتني، لكنه يبقى ملاكًا بريئًا ولا ذنب له في أي شيء، أطعمته وشعرت بكثير من الحب تجاهه،  لم أستطع كبح عطش الأمومة داخلي، تأملته كثيرًا، لكنه كان خائفًا، مسكين يستغرب المكان، لم يطمئن حتى جاء مراد معنا وأخذناه سويًا لينام، وهذا أيضًا ما أكد لي شكوكي .. هذا الطفل يعرف مراد !
لكن من هذا الولد؟ ومن أين أتى به؟ إذا كان الملجأ نفسه لا وجود له؟ وكيف لمراد أن يظن بأنني سأصدق أنه قام بالإجراءات وحده ومن دون أن يروا الوالدة ويزوروا منزل، وحتى من دون أوراق ثبوتية، أعتقد أن الزمن أنساه أنني قد درست الحقوق أيضًا وأعرف بالقوانين جيدًا !
لكن مراد ليس غبيًا ويعرف أنني لست غبية وبإمكاني أن أكتشف الأمر بسهولة !
هناك لغز كبير خلف هذا الطفل ومراد اضطر أن يأتي به إليّ !
بعد أن نام الطفل جلست أنا ومراد وحدنا وعلى غير العادة كان لا ينظر إلي، إنه خائف أن تلتقي عيوني بعيونه !
- مراد أريد التحدث إليك بشيء ما ..
- أثيل أنا مرهق حقًا .. أجلي أحاديثك للغد، سأذهب للنوم الآن وأنتِ راقبي الطفل فهذه ليلته الأولى هنا ..
لم أناقشه أو أضيف أية كلمة .. تركته يذهب للنوم وأنا ذهبت لأفتش بين ثيابه، وكما توقعت لا يوجد أية أوراق تتعلق بالطفل ! ماذا سأفعل؟
بقيت هذه الليلة إلى جانب الصغير .. مشاعري متضاربة ما بين عاطفتي تجاهه وما بين الألغاز خلفه ..
في اليوم التالي استيقظنا كعائلة حضرت الإفطار .. أطعمه وها هو يبتسم لي .. شعور جميل لم أعشه سابقًا ..
لكن منذ مجيئه بدأت ألاحظ تصرفات غريبة عند مراد .. يتأخر في عمله .. يخرج في أوقات متأخرة .. مكالمات سرية .. وعندما يرن هاتفه يغادر فجأة ! فضلًا عن أحاديثنا القليلة ومحاولاته التهرب مني دائمًا .. ونظرة الندم في عيونه، أحس بأنه يريد إخباري بشيء لكن هناك شيء يمنعه .. هذا الصغير قلب حياتنا رأسًا على عقب !
وفي إحدى الليالي نهضت إلى غرفة الصغير ورأيت مراد هناك فوق رأسه، يتأمله ويمسح على شعره، أهذا هو الطفل الذي قال لي مراد لن أحبه كابني لا أعدك بذلك ! أراه يحنو عليه أكثر مما فعلت ! إنه يمسك الهاتف .. مع من يتحدث في هذا الوقت المتأخر؟
- نعم إنّه عندي الآن، لا أريد من أحد شيء، سيقى عندي ولن أجعله يحتاج شيئًا ! لا تتصلي إلى هنا مرة أخرى !
عندما سمعت هذا الحديث دخلت مباشرة وقطعت عليه اتصاله، من هذه التي يتحدث إليها؟ وعن فؤاد !
- مراد ما الذي تفعله هنا؟ قلت أنك تريد الذهاب للنوم؟
- أفزعتني ما بك؟
- مع من كنت تتحدث في الهاتف؟
- لا أحد .. أنا فقط كنت أراقب الصغير .. مستغرب قليلًا من وجوده .. تصبحين على خير ..
الكذب مجددًا !! جلست واستجمعت كل قوتي، أعدت ترتيب الأفكار، كل شيء كل الكذب، والتصرفات الغريبة والمكالمات السرية، وفؤاد صاحب العيون الخضراء كلون عيون مراد ! هذه هي ! ربما كان الحلم الذي رأيته حقيقة وإشارة ! ربما يكون هذا ابن مراد من امرأة أخرى ! لكن أريد دليلًا .. ولماذا أبحث عن أدلة؟ الدليل بين يدي ! سأوقظه من نومه وأواجهه بالحقائق .. لم يعد بإمكاني الصبر ! لقد ذقت ذرعًا من كل ذلك !
صعدت إلى غرفتنا وأنا أستشيط غضبًا وإذا بي أجده مستيقظًا ..
- لقد كنت أنتظرك .. أعلم أنك لم تصدقي .. وستأتين إلي ..
- هل هذا الطفل هو ابنك؟
- علمت أيضًا أنك ستفكرين هكذا .. أثيل .. لا أعرف ماذا يجب علي أن أفعل ..
- بماذا؟؟ ماذا تخفي عني؟
صمت مراد واغرورقت عيناه بالدموع .. إنه يتنهد وينظر إلى عيوني ومن ينظر للأسفل .. وكأنه يشعر بالخجل والعار ..
- أخفي الكثير .. وأخاف أن أتكلم .. أخشى أن أفقدك .. إن صمت الآن سأخسرك وإن تحدثت سأخسرك أيضًا .. أثيل أنا أحبك وقبل أن أقول أي شيء تذكري أنني أحبك أكثر من أي شيء آخر في العالم .. ولم أحب في حياتي كلها امرأة مثلك .. أنت حب طفولتي ومعك كبرت وبك بدأت وإليك أنتهي .. اسمعيني وتذكري هذا الكلام جيدًا ..
- أخبرني ما الأمر ..
- فؤاد ليس ابني .. ولكن ..
" لست نادمة "

- لكن ماذا؟ لماذا كل هذه المقدمات هيا تكلم!
- أثيل .. حبيبتي .. الأمر أصعب من أن يقال هكذا .. لا أعرف من أين أبدأ .. فؤاد يكون ابن صديقي الذي توفي هو وزوجته منذ مدة ولا أحد له غيري الآن ولهذا أتيت به إلى هنا ..
- ومن تلك التي تحدثت إليها؟ لا أصدقك!
- اسمعيني حتى النهاية .. تلك السيدة كانت مربية دلني أحدهم عليها وضعته عندها .. لكنها وقعت في حبي ولأنني رفضتها أصبحت تبتزني به فخشيت عليه منها ولهذا أخذته .. وهي إلى الآن تحاول استراجعه لتحصل علي ..
- ما الذي يؤكد لي كلامك؟
- حسنًا، لأنه .. لأنني .. ساعدني يا الله .. لأنه لا يمكنني الإنجاب حاليًا والمشكلة منذ البداية كانت بي وليست بك ..
قال مراد هذا وأجهش بالبكاء .. أما أنا هذه المرة فقد صمت، إنها الصفعة الكبرى، بل هي صدمة حياتي !
- أثيل تحدثي .. قولي أي شيء أرجوكِ .. لا تصمتي .. اشتميني اضربيني .. أي شيء!
- ما هذا الذي قلته يا مراد؟ قل لي أنك تمزح! قل لي أنك تكذب! قل أن فؤاد ابنك من امرأة أخرى وأنك تكذب علي!
- إنها الحقيقة يا أثيل .. كل ما سمعته هو الحقيقة .. أنا آسف ..
- آسف؟ آسف؟!
هل ستمحو هذه الكلمة كل الألم الذي عشته طوال تلك السنين؟ هل ستنسيني كل لحظة عشتها وأنا أتمنى الموت وألعن نفسي لأنني لم أستطع منحنا طفل؟ هل ستطفئ تلك النيران المشتعلة منذ تلك الحين إلى الآن؟ هل ستمحو كذبك وشناعة فعلك؟ لقد قتلتني وسرت في جنازتي، طعنتني في عمق قلبي ورثيتني، لا يمكنني الاستيعاب، لماذا خنتني يا مراد؟ لماذا؟
- أنا لم أخنك ..
- بل خنتني .. خنت الثقة .. خنت الحب .. خنت المبادئ .. هذه أعظم خيانة تعرضت لها في عمري كله، أتعلم أنها فاقت خيانتي لأهلي معك؟ ليتك خنتني مع امرأة أخرى ولم تخني مع نفسك!
- أثيل أتوسل إليك .. دعيني أتحدث قليلًا .. اسمعيني قليلًا فقط ..
- عن ماذا ستتحدث؟ لا أريد سماع شيء منك لا أريد رؤية دموعك الكاذبة هذه .. قل فقط لماذا؟ ما السبب فقط !
- يوجد أسباب كثيرة ولن أستطيع إخبارك الآن، لكن أرجوك أرجوك صدقيني لقد فعلت ذلك لأجلنا أنا وأنت، ثقي بي فقط هذه المرة أرجوك، انظري إلي الآن أبكي، أنا لم أبكِ في عمري من أجل شيء سوى لأجلك، لا يمكنني تخيل شيء من دونك، أقسم أنك لو تقولي مت لأموت لأجلك، قلبي لك وأنا لك وكل ما أفعله لأجلك، حياتي كلها لأجلك، أقسم أنني أحبك أكثر من نفسي ومن عائلتي ومن الكون كله، حتى أنا تركت عائلتي وكل شيء وجئت وانتظرتك عامًا بأكمله هنا حتى عدتِ، أثيل أرجوكِ صدقيني! أتوسل إليكِ!
- لم يعد بإمكاني تصديقك بعد الآن .. اخرج من هنا لا أريد رؤيتك .. اخرج حالًا ! اخرج !!
صرخت بأعلى صوتي، لم أستطع سماع المزيد، وكأنني أرى شيطانًا أمامي وليس مراد .. يا الله .. حين ينهار كل شيء دفعة واحدة .. حين تطعن من الخلف، حين يغدر بك من كنت تعتبره الأمان، حين يصبح السلام نارًا تحرقك، حين يصبح بلسم جروحك جمرًا يكويها، حين يختل كل شيء وتقلب كل الموازين .. يا الله ما أقسى هذه الليلة ! ما أشنعها ! ما أقبح هذا العالم ! مراد يفعل هذا بي يا الله ! مراد !
لا يمكنني البقاء معه بعد الآن .. سأرحل من هنا، لكن إلى أين؟
إلى عائلتي ! لكن ماذا لو لم يستقبلوني؟ ماذا سأفعل؟ سأحاول .. سأحاول إلى أن أموت ولن أتراجع .. لن أبقَ هنا .. لن أبقَ معه ..
ملايين الأفكار والأسئلة في عقلي .. لا أجد سببًا لما فعله وكيف فعله .. هل ظن أنني سأتركه؟ هو يعرف حق المعرفة أنني لن أفعلها .. ولماذا إلى الآن يخفي السبب، إذا كان لا يريد أن يخسرني لماذا لم يخبرني؟ مهما كانت الأسباب لا يوجد مبرر لما فعل!
مضت هذه الليلة ولم أستطع النوم أو الخروج من غرفتي وكل ما أفكر به هو الرحيل من هنا في أسرع وقت يمكن، كل الأفكار أدت إلى تصميمي أكثر وأكثر على قراري، وعندما حل الصباح خرجت ورأيت الطفل الصغير، قلبي يؤلمني عليه الآن أكثر مما سبق لكن لا يمكنني فعل شيء له، لبست ثيابي ووجدت مراد في الصالة، لم أنظر إليه ولم أسمح له بالكلام فقط قلت له انتبه للطفل ريثما أعود، ذهبت إلى المطار ومن ثم إلى السفارة، وقمت بكل الإجراءات اللازمة، ولأنه لدي جنسية تلك البلد التي تقطن فيها عائلتي فلا يوجد مانع من سفري إلى هناك !
قمت بحجز تذكرة في رحلة الغد وعدت إلى المنزل، وجدت مراد جالسًا مع فؤاد ويدخن بشراهة، إنّها المرة الأولى التي أراه يدخن بها!
- أين كنتِ؟
- لا شأن لك !
- كنتِ في المطار أليس كذلك؟
- نعم كنت هناك وسأذهب في رحلة الغد .. لن أسألك كيف عرفت فلم يعد يهمني شيء تقوله .. فقط كلمة واحدة تهمني الآن .. طلقني !

#فاطمة_محمد
#لست_نادمة
#فاطمة_محمد
#لست_نادمة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي