ررؤية الدكتور مشتاق عيدان اعبيد لقصيدة الشاعر غازي أحمد ابو طبيخ /خاطر مستمر
رؤية تحليلية ثانية لقصيدة
(خاطر مستمر)
د.مشتاق عيدان اعبيد
D.Mushtaq Edan
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، 11-4-2020
لقد وجدتُ نفسي- بوصفي قارئا - وأنا أحاول أن اكشف عن جماليّات شاعر معاصر( غازي احمد الموسوي) دون ادعاء، أو تحيّز إلى الشعر أو للشاعر في ممارسةٍ همّها اكتشاف الشعر بعيدا عن (سلطة) الشاعر، إنّ كثرة رموز الشاعر بما تحمل من إيحاءات جعلتني انساق وراء تشكيلاتها لغرض الكشف، والتحليل، أو التأويل، للبحث عن تساؤلات الشاعر الكثيرة التي تركها بلا إجابات، ويبدو ذلك التساؤل سيستمر وهذ ما اوحت به عتبة النص" خاطر مستمر" .
لأنه يمتلك الحروف جميعها، يخبرنا بفض بكارة الفكرة لكي يخبرنا بمولود جديد يسمى النص، فما من شيء محسوس الا وله فكرة مكنونة في رأي "شوبنهاور" . ويؤنسن الكلمة يستدرجها ليصوغها فكرة قد تكون عارية أحيانا لكنها جميلة ومثيرة ومؤثرة وهذا هو هدف الشعر ورسالته أن تحرك الأشياء وتعرضها للتذوق، لكن الفكرة "شفتها السفلى المتدلية" توحي الى الاضطراب وتدلّ على الإهمال واللامبالاة.
"لم تكُ
ولادةُ الفكرةِ
عاريةَ الحروفِ
حتى اللحظةِ الراهنةِ
كانت
شفتُها السفلى
مُتدلّيةً وحسب!!"
كان الموسوي جزءاً من منظومة إنسانيّة ترى وتحسّ، وتتعامل مع الحياة تعاملا يشوبه الإحساس بطراوة ملمس الأشياء، انه يرى ويحاول إعادة تشكيل الصورة في منظوره الخاص؛ بعيدا عن فنتازيا الانتظار،ذلك لأن “غودو” هو ( الذي لايأتي ) والذي يمثل نزعة سوداوية وسخرية ترمز لمسرح الحياة العبثي ، لذا فهو لم ينكر "تنمره" و "شهوته" أمام تحديد موقفه من مشكلة اعترت حياتنا امام دخان الحروب الذي غدى افقا يحجب الرؤيا .
"لستُ انكر
أني ارى لمْعاً
من بعيد!!
ولا أنكر
أن غودو
ما ٱنفكَّ يوشوشُ في أذني
من قريبٍ
ولا أنكرُ شهوتي الماكرةَ
تلك المتنمرة
على دخانِ الأفقِ"
لقد استطاع الشاعر ان يصور صراعه الداخلي ويستمده من ابطال رواية "دوستويفسكي" الموسومة "الإخوة كارامازوف "، وبعد أن هيمنت عليه جميع المتناقضات في جدلية مركبة قائمة على محنة الذات والكون معًا، وهذا التكوين يقتضي بدوره موقفا معرفيا ، وقد نجح الشاعر بشحن همومه الحضارية، من خلال تلك الشخوص، فـ "اليوشا" هو راهب في الكنيسة الروسية الأرذوسكية. و يعتبر إيمانه بالله هو نقيض إلحاد "إيفان"، و "ديمتري" المنصرف بحب النساء و جميع الملذات ، ويعترف الشاعر، هنا، بأزمته الخانقة عبر رحلة حياته التي تقهقرت سبلها، وأصابها الضعف والوهن، وتطايرت شظاياه بسبب يفسره المقطع التالي :
"حين غادرني ,,اليوشا,,
ردحاً
ما عدتُ مقتنعاً
بكلِّ دعواتِ السلامِ
من أيّةِ جهةٍ صدرتْ؟!
حتى من نفسي!!
......
وهذا,,ايفان
,,يُلمِّحُ لي
بضرورةِ ركوبِ الموجةِ
-كن مثل ,,ديمتري ,,
ايها المُثقلُ بالرغباتِ الثقال..!!"
وبالتفاتة مدهشة استعان الشاعر برموز تاريخية سياسية تلك التي عدت عدوة للسلام وهي "بروتس" و " نيرون"، الاول كان عضوا في مجلس الشيوخ الروماني الذي اشترك في مؤامرة اغتيال يوليوس قيصر، وزادت شهرته بعد أن جعله وليم شكسبير شخصية محورية في مسرحيته يوليوس قيصر، خصوصاً بعد أن قال شكسبير على لسان قيصر عند اغتياله إحدى أشهر جمل المسرحية، ألا وهي "حتى أنت يا بروتس؟". والثاني" نيرون" أشهر جرائمه كان حريق روما، ولكن، وكما يقول محمود درويش"(نيرون مات ، ولم تمت روما) ، اذاً كيف يرجى السلام من سياسي , وهذا ما اراده الشاعر:
"أيّ سلامٍ
هذا المطعونِ بخنجرِ "بروتوس"
والمدهونِ
بهواجس , نيرونَ,,
لم يك قادرا على الإضاءة ابدا
كان مطعوناً بالربْكةِ
محتشداً بالقلقِ"
ولكن رغم الرؤية التشاؤمية لعدم وجود السلام وهي وليدة الوضع المأزوم، والمطوق بالعقل الأداتي، ، وانكسار الوعي الحضاري ، يبقى الشاعر حالما يعايش تجربة السعادة بالوجدان، نتيجة تكوينه الموروث من نشأته التي ارتشف منها الحب والسلام وولَّدت لديه مثل هذه القوة في الخيال الشعري والقلب الحاني
"ولا انكر أنني مازلت حالما
ربما ...
هي طبيعتي الموروثة!!
او .......
ربما هذا ما يجب ان يكون؟!"
لكن بالرغم من الشعور بالحيرة والقلق السمة الراجحة التي رافقت القصيدة ، الا ان الشاعر بقي اقرب الى "اليوشا" لأنه يمثل الايمان الشباب في ربيع العمر وطراوة الايام ، الذي صار دليل الشاعر وهو يبحث عن الخلاص .
و,,إليوشا ,,
رغم كل ماجرى
مايزال حيا
...
اليس غريبا
ان يظل ,, إليوشا ,,
حيا حتى الآن ؟!..
--------------------------
النص:
……..
خاطر مستمر..........................
لم تكُ
ولادةُ الفكرةِ
عاريةَ الحروفِ
حتى اللحظةِ الراهنةِ
كانت
شفتُها السفلى
مُتدلّيةً وحسب!!
لستُ انكر
أني ارى لمْعاً
من بعيد!!
ولا أنكر
أن غودو
ما ٱنفكَّ يوشوشُ في أذني
من قريبٍ
ولا أنكرُ شهوتي الماكرةَ
حين تهرب مني إلى الغد
تلك المتنمرة
على دخانِ الأفقِ
يؤرقني تمردها على خط الاستواء
كثيرا كثيرا..
وحين غادرني ,,اليوشا,,
ردحاً
ما عدتُ مقتنعاً
بكلِّ دعواتِ السلامِ
من أيّةِ جهةٍ صدرتْ؟!
حتى من نفسي!!
أيّ سلامٍ
هذا المطعونِ بخنجرِ "بروتوس"
والمدهونِ
بهواجس,,نيرونَ,,
لم يك قادرا على الإضاءة ابدا
كان مطعوناً بالربْكةِ
محتشداً بالقلقِ
رغم خفقاتِ القمر
وعجباً عجباً!!
كيف كانَ نسيّاً
كمن أُصيبَ بالذهان!!
كانَ يجفلُ
حين يراهُ
يشهقُ في كل مرّةٍ
كغريقٍ وهواءٍ
حتى إذا أصبحَ الصباحُ
كان "الزهايمر" العُضالُ
أولَ الحاضرينَ
من الصحابِ
ولم يتركْني اليوشا
خالي الوفاض
ترك عندي شيئا يشبه الوعي
ليس انا من يُحمّلُ الربَّ
خطايا الخليقةِ؟!
وهذا,,ايفان
,,يُلمِّحُ لي
بضرورةِ ركوبِ الموجةِ
-كن مثل ,,ديمتري ,,
ايها المُثقلُ بالرغباتِ الثقال..
ولا انكر أنني مازلت حالما
ربما ...
هي طبيعتي الموروثة!!
او .......
ربما هذا ما يجب ان يكون؟!
شيء يشبه الوعي
كان هناك؟!
شيء يشبه وجهَ القصيدة
يصعبُ وصفه
كان يتجلى
على هيئة امرأة حبلى
اقرب ماتكونُ
الى هيئةِ قبّةِ الصخرةِ
كنت اتقرّى على مرآته
وجه دخيلتي!!
بينا ،امتعني كثيرا
وقوفي على ساحل التدلي!!
وانا اقهقه بلا صوت
وحدي من يسمعني
وتلك الصخرة تُبعث فيها الروح
مما تناثر مني
غريب اني لازلت ارفض التسليم
بأني المرآة والصوت والفكرة المتحولة
وخط الاستواء ،،كلهم أنا
مدهشةٌ دورةُ الزمنِ!!
أخيرا
صار الموت باعثا على السخرية!!
و المعركة الفاصلة
ماتزال مستعرة,,
و,,إليوشا ,,
رغم كل ماجرى
مايزال حيا
" هذا أمر عُجاب"
تلك خفقةُ قمرٍ
مرّ على مقربة
ثم غاب!!
اليس غريبا
ان يظل ,, إليوشا ,,
حيا حتى الآن ؟!..
تعليقات
إرسال تعليق