سوناتا الغياب المركب للشاعر غازي أبو طبيخ الموسوي ورؤية الناقد جمال قيسي
وبعد اليأس من مثول النص الشعري المعنون (سوناتا الغياب المركب)
اضطررنا للبحث والتنقيب وجمع الشتات حتى اصبح حال القصيدة ينطبق عليه
قَولي :
(ضاعتْ ولما استجمعتْ كلماتها ... نَطقتْ وكنتُ اظنها لاتنطقُ)
ـ هذا النص يحتاج رعاية خاصة ، وادخاله غرفة الانعاش السريري كونه
كان مفقودا في (غيابات الجب) (الفيسبوكي) ولو ابدل ابانعمان عنوان النص
ليجعل منه عقوبة على نصٍ هارب متمرد شارد .
ــ قد نتناوله هذه المرة من ابواب اخرى ، ليختلط علم النفس في بعض ثناياه
، لاننا وكما نعلم ان الشعر هو وجدان وروح وفلتات لسان . فلا شيء يأتي
من فراغ . ولنعجنه بشيء من اللطف والملاطفة الادبية ، كي نزيح عنا
الحرّ واللفح والسُعار في شهر آب .
ــ لنسبر غور ابانعمان ، تلك الشيبة التي غَنَّتْ للعشق يوماً ما ، وتغنَّتْ به
في اكثر من قصيد حتى غزا الشيب مفرقه الرطيب . ( وليعذرنا ابا نعمان
في كشف المستور) لانه هو صاحب الفضاء المتحدث .
ــ استخدم شاعرنا لفظة (سوناتا) وهي لفظة لاتينية قديمة استخدمت لتعطي
معنى المقطع الموسيقي المكتوب لاية آلة موسيقية . واستخدام الاستعارة هنا
جعل من (الغياب) قطعة موسيقية مركبة . من هنا تبدأ الانطلاقة الوجدانية
للشاعر ، ليبوح بما قد أضمر ــ لا اقصد الاضمار العروضي الشعري ــ بل
بمايخبيء في النفس من آهات وغايات وغيابات .
ــ نجد الشاعر ينطلق من مشكلة . والمشكلة في علم النفس هي (عائق في
سبيل هدف منشود ) وهذه المشكلة تدعى في علم النفس بـ (العقدة او المركَّب) ،
وعقدة (الغيرة) هي الانفعال المفرط والشديد تجاه الاخرين ، ولها دوافع
نفسية عميقة ، حتى صنفت من المشاكل الاجتماعية . وهذه العقدة في النص
الماثل امامنا ، ولَّدَتْ خصاما عنيفا ومن جانب واحد هو (الرجل) ، وصميم
المشكلة هو عنصر (الاتهام).
لذا نجده يستخدم اسلوب التحفيز الوجداني للأجابة ، ليبعد الذنب عنه ،
ويحيله الى الفضاء المقابل وهي (الانثى).
ــ المتطلع الى النص سيجد المؤلف قد ابتدأ نصه بفعل الامر (قولي) ، ويأتي
بعده بسؤال (من منا قابع في غيابة الجب ، أنا ام انت) هنا ومن خلال طبيعة
تركيب العبارة وديباجتها ، وخاصة عندما يستخدم عبارة (انا أم أنتِ) ويبدو
انه عارف جيداً بأنه أمام كائن صلب عنيد لايتعاطى الاجابات بسهولة حتى
وإن كانت القيادة التأليفية بيده . فلما أيقن وتيقن (لاجواب) ، استخدم ابانعمان
بمساعدة شيطان الشعر ، مفردات والفاظ الاستفزاز وما يسمى بـ ( أدب
الاثارة ) ، لغرض انطاق الكائن الانثوي الصامت الذي امامه ، فرسم
صوراً شعرية بعبارات ابتدأت بوصلات النداء التنبيهية ( ايتها المسكونة
بالقلق الاحمر) (ايتها التترية الرغبات ) وهنا يصل الى قمة الانزياح
العاطفي حيث يُشبّه رغبات الحبيبة بـ (التترية) كل هذا ليزرع ركائز
الاثارة ، ولكن دون جدوى ، فما زال الصمت المهيب هو سيد الصراع . (يتبع لطفاً)
ــ وبعد اليأس والقنوط ، تنهال علينا عبارات (التنازل العاطفي) مستخدما
اسلوب العزف على (الوتر النفسي) مبطناً بـ (الدبلوماسية)، فَنَحَتَ عبارات
وتراكيب ابتدأها بلفظة (ها انذا) مرتين ، ثم يردفها بشكوى الحال الذي
وصل اليه ، محاولا استرحام معشوقته ( ها انذا ارزحُ تحت ركام الازمنة)
و(اكسر خطوط الضياء عنوة ) ثم يتنازل بقوة حين يستخدم عبارة (الدم
الازرق) فيقول : (واسكب قوارير دمي الازرق) وهو كناية الى دم النبلاء
وهو مصطلح انكليزي . ليفهمها بانني انا النبيل ذو الدم الازرق مازلت
اتنازل لك ، فلابد من النطق والاجابة . وبعد ان يئسَ من الجواب ، إستخدم
اسلوب الترهيب والتنكيل ، عسى ان ينفع في فك عقدة الصمت فأخذ يهدد
(ها انذا اقلب ظهر المجن ) ، وهنا كنت اتساءل لماذا يكتب علامة الاستفهام
بالشكل المقلوب (?) هل هو ضعف البصر ام كبر السن ...؟؟
لكنني وجدت شيء آخر ، انه أراد بذلك الايحاء السيميائي بأنه قاصد لما
يفعل ، فقد قلب ظهر المجن ، ثم يبدأ بالانتقال الى اسلوب آخر لتحفيز
النطق فيكثر من عبارات التشبيه بالغدر والخيانة وتأطيرها بقصص
واساطير العالم القديم (يامن قطفتِ ثمرة عشتروت ــ واينعتِ بين شفتيك
فتنة هاروت وماروت ) . ثم يأتي العسل الممزوج بالسم فيقول : (يامليكة
العالم القديم) ، وهنا اراد ان يرفع من شأن محبوبته بصيغة إفهام القصد لما
سبق من تشبيه ، علّها تستفيق من الصمت .
ولكن (لا جواب) .
فيهتف نائحاً (أجيبيني) ويجعلها شطرا لوحدها ، ويبوح بمكنونه القاتل وهو
(الشك) وهذه المفردة هي القاتلة بلا سيف ولا رصاص ، هي الهالكة
الماحقة الساحقة في اية علاقة اجتماعية ، فكيف اذا نبتت بين قلبين عاشقين؟
ويكشف شكوكه ( لا تخبئي عني تغريدات انليل ليلة كنتما معا في قمقمك
المسحور ، هل تذكرين) فقد اشار باسلوب مبطن الى العاشق المشكوك في
امره بـ (انليل) وهو الشخصية المذكورة في الأساطير السومرية القديمة
الذي طُرِدَ من بيت الآلهة الى العالم السفلي عندما اغتصب فتاة صغيرة .
فشاعرنا إذاً كان يعني مايقول وما يراوده من شكوك . وبعد التي واللتيا ،
ونفض كل الغبار، و(كشف المستور) ، يذعن شاعرنا ويخنع ويرضخ بكل
ما أوتي من قوة ، امام عالم الانثى الحبيبة المعشوقة ، ويصل الى مرحلة
(الانهيار العصبي) والذي يدعى في علم النفس بـ (الإصتكاك) ومن احد
اسبابه تشنج العلاقات العاطفية . فيبدأ بعبارات تخفي بداخلها فحوى التوسل
، فيذكّرها بماضي الليلي والايام فيقول : (ان كنت لاتذكرين أذكّركِ) ، ويبدأ
بالاستعراض الوجداني الكبير وهو صريع الغرام ، ليطلق صرخاته الأربع
والتي يبدأها بـ (انا) اربع مرات وهو مُقِرّاً مُعترفاً بوهنه وذبوله :
" انا طريد مملكتك الحمراء
انا شريد الرصاص الأعمى
انا هدف الاسلحة الهمجية
انا كأس جميع الدراكولات "
ــ وبعد هذا الوجد والصراع مع (الأنثى الجبل) ، وبعد إن لم يستطع
من زحزحة جهاز النطق الانثوي او تحريك اوتاره ، نجد شاعرنا يتخذ
قرارا خطيراً فيه هروب من الواقع ، والتي يراها علماء النفس حاله من
عدم الرضا مخزنه فى عقل الفرد الباطن . فيقول :
" ساهرب الى جهة مجهولة
جهة لاتعرف
اين موقعها
من جغرافيا هذا العالم الكسيح "
ــ ثم يبدأ الشاعربالخطاب التجريحي ، بعد ان نفذت كل ذخيرته وعتاده ،
فينهال على محبوبته بجمل تحوي عبارات الازدراء والاستخفاف بذاك
الحبيب :
" فترفقي بذكرياتك
مع ذبيح المستقبل الجديد
ترفقي بما تبقى لديك
من آثار خائف ،
عاش كل عمره يترقب "
ــ ثم يشبهها بـ ( البطلة الخارقة ) استخففاً بها وبموقفها الصامت :
" او ..
كوني مثله بطلة خارقة
في اقاصي الغياب "
ــ ويختم شاعرنا قصيده بهذه الاعترافات الموجعة للذات ، المفترسة للوجد
، وبهذه العبارات الجارحة ، والتي لايرجو بعدها لقاء ، بقي لم يحصل حتى
هذه اللحظة على اجابة ولو بـ (حرف) ... فياله من سوناتا وغياب مركب ،
والغياب هنا شعوري ، اما الجسد ، فهو المُخاطَب الصامت .
.........
سوناتا ،،عشق مسفوح اخر قراءة في قصيدة سوناتا الغياب المركب
يطل علينا الموسوي،،بواجهة اخرى،،في القطع المهجور،،من عواطفه الناضبة،،نداء استغاثة ،،ولكن هيهات ،،وكيف يستغيث الحمل،،من جزاره ( معشوقته ) ،،،يتذاكر معها لحظات التأوهات الرغوة،،ويتناسى،،وكيف وهي سليلة هاروت وماروت،،،الذين امتصى،،دماء المغلوبين ( هاروت وماروت: هما اكبر إقطاعيين في بابل،،كانا يشتريان حفاري الآبار ،،وبذلك تموت الاراضي الزراعية،،من قلة الماء حتى يشتروها لاحقاً بأبخس الاثمان،،ويعلمان السحر،،والسحر هنا بمعنى القلة القليلة،،،والشاة المسحورة ،،قليلة الحليب ،،وقد نقل اليهود طريقة تعاملهما الى فلسطين بعد تحررهم من السبي البابلي ،،انها اول صورة استغلال بشعة )
يتذاكر معها ايضاً غيابة الجب،،،يخبرها انه نجم ساطع،،،وهي في قعر الجب،،هو متفوق ،،بالمكانة ،،ولكنه يأبى ان يعترف بهشاشة ،،دواخله،،والا ،،ماكانت قد تلاعبت،،بمشاعره،،،انها. النتيجة الطبيعية ،،للحب في النزع الأخير من العمر
لكنه العشق،،وماذا لدينا ضده،،،حتى وان كان المعشوق همجي،،،وتتري الرغبات،،،برداء دموي احمر،،يستشعر الخيانة،،ولكنه لا يمتلك سبباً قوياً ،،حتى يفرض حقوقه ،،الا خيوط واهنة ،،من مشاعر تقطن في غربته المغلفة ،،بصفيح ،،البعد،،
وعلى عادته،،يتفوق الموسوي بأمكانياته الشعرية،،،انه مهوال كبير،،،وعاشق مهزوم كبير،،،ومعشوقة جاحدة ،،يلفها القلق،،،انا،،أتحسس جغرافية المكان،،،وأشم خطوط الطول والعرض ،،الهرمونية،،،التي ينشران عليها ،،رسائلهما الكونية ،،ابجدية جديدة للحب،،،اشبه بالشفرة الحربية،،،
تقديري الكبير ....
تعليقات
إرسال تعليق