صديق( في زمن الحرب) :الأديب برهان حربا
صديق في زمن الحرب
التقيا صدفة لإتباع دورة تخصصية بعمل هام قبل حصول الحرب الكارثية السورية
وخلالها توطدت علاقتهما كثيرا، وفي نهاية الدورة وحيث أن رواتبهما كانت قليلة كمدخول شهري لايكفيهما نصف شهر وبسبب عدم تبقي المال معهما لشراء طعام يكفيهما، قررا أن يذهبا لزيارة خال محمد ،والذي يقطن بمنطقة دمر وهي على مسافة أكثر من نصف ساعة عن قلب مدينة دمشق (العاصمة)،
وبقي في راتب الإثنين معا مبلغ يكفي إما لشراء سندويشتي فلافل (أكلة شعبية سورية) أو يدفعا أجرة الذهاب بالسرفيس لدمرالبلد ويعودا سيرا على الأقدام ،ولكنهما قررا المغامرة مهما بعدت المسافة على أمل الحصول على غداء ولو بسيط من منزل الخال والذي أقل مايوصف به هو الشح الشديد والبخل العتيد وقبلا بتلك المغامرة، وفي طريقهما صادفا ثلاث فتيات يعملن بالشحاتة وطلبن منهما مبلغا ماليا عجزا عن إعطائه لهن مما سبب لهما حالة من الضحك الشديد الهستيري وأخذا يغنيان طوال الطريق ويضحكان على نفسيهما وعلى ظروف الحياة المقيتة وبعد عناء شديد وصلا إلى منزل الخال المنشود حيث بادرهما بالترحيب المخادع والذعر يملأ قلبه متسائلا : (ماذا أتى بهما في وقت الغداء ) وحاول جهده أن يتجاهل ذلك عبر تقديم المشروبات الساخنة ولكن حميد الضيف القادم تأكد أنه يجب أن يطلب الغداء بأسلوب أقرب منه إلى الوقاحة من اللباقة، وعندما شعر الخال بالإحراج قدم لهم والمكدوس مع اللبن ليتخلص منهما قبل الإقتراب من موعد العشاء وكي لايستضيفهما حتى الصباح وعندها أيقن الإثنان أنهما سيعودان سيرا الى موقع العمل ليصلا قبل حلول الليل وبالفعل غادرا المنزل وهما يضحكان بشكل هستيري على الحال الذي وصلا إليه بسبب الذل و الحاجة .
وبعد إنتهاء الدورة تفرق كل منهما إلى موقع عمله المحدد في مدينة حمص ومحمد بمدينة دمشق ، على أمل اللقاء وتبادل الزيارة
وقد مضت أكثر من سنة قبل أن يتعرفا على أسر بعضهما حيث توطدت الصداقة أكثر، وبقي الاثنان يتواصلان هاتفيا إلى أن حصلت الحرب وكل منهما في مدينة مختلفة وشاءت الأقدار أن يمرض محمد بمرض نقص النحاس بالدم وهو مرض يصيب شخص من أصل مليون وكان ذلك بعد زواجه بعام واحد رزق خلالها بإبنة صغيرة وكذلك تزوج حميدهو الآخر ورزق بولد وبنت ولكن أحواله المادية تحسنت بشكل كبير وبسبب وضع محمد المادي والصحي السيء كثرت شكاويه من عسر المعيشة وطلباته للمساعدة المالية من حميد وبإلحاح بات مزعجا مما إضطر حميد لقطع الإتصالات الهاتفية بينهما بشكل متعمد وليس من باب الكراهية ولكنه إبتعد عنه أكثر من سنتين بسبب ظروف الحرب الداخلية التدميرية بكل المقاييس وصعوبة التنقل بين المحافظات عموما،وبعد مضي سنتين أو أكثر تصادف وجود شخص من أهالي قرية صديقه محمدوتربطه قرابة ما وقريته (الكافات..سلمية)والتي تتميز ببساطة سكانها وقلوبهم الطيبة وذلك في لقاء مصادف وبادر حميد بالسؤال عن محمد متهكما عليه بأنه لايتصل به إلا لمصلحة مادية أو معنوية، ولكن الرد جاءه صاعقا بل مؤلما حيث تسائل الشخص : إن كان حميد يمازحه بكلامه هذا أم يعنيه حقا ؟ ولكن حميد أجابه : إنه يعني ما يقول حتى لو كان صديقه المحبوب ،عندها جاءه الرد : ألا تدري حقا بأن صديقك توفي منذ سنتين ونيف على أثره مرضه السابق ...وعندها غصت عينى حميد بالدمع غير مصدق لماسمع عما حصل لصديقه وبات يلعن الحروب بأشكالها وكم تسببت بقتل أبرياء كثر ومما زاد الحزن حزنا أن الشخص أخبره باستشهاد صهرهم وأخت محمد وخالهم الآخر بهجوم أرهابي على القرية الآمنة وعندها شعر حميد بقسوة الحياة وماتفعله بأبنائها وهي تشتتهم وتدمر ماتبقى عندهم من أمل في حياة آمنة وندم كثيرا على قسوة قلبه إتجاه صديقه الذي توفي وهو بأمس الحاجة إلى دعمه الكامل مهما كان شكل هذا الدعم في زمن وضيع وهذا أقل ما يقال عنه ولكن هيهات ينفع الندم .
تعليقات
إرسال تعليق