شوق ومرهم وجرح أخضر : الكاتب المصري أحمد الخليلي
القصة التى حيرنى أمرها من جراء الطاقات السلبية ويحزننى أنها حبيسة الأدراج لا يستطيع أحد قراءتها
شوق ومرهم وجرح أخضر
فوق المُعتاد هما معاً ، يعشقان الشوق للمُعتّق ، لخصوصية الملامح عند كل منبَسط توحّد ، حتى النخاع يحتسيان عشقهما الواحد فى اثنين ، يتفرد ، رائقة كالسماء لهجته فى باكورة منظومته الشعرية يردد عند رموش عشيته ، " مصريتى فى إيدك أمانه ... أصلها منّى ومنك إبتدت أول سؤال ع اللى قالوا مصر عاشقها الزمان جات فى هواه من مبتداه لمنتهاه " ، يردد منظومته تدق العشية خيمتها فى سعة اللا محدود فى لون اللاشىء ، تنادى السُّمار على مختلف أهوائهم ،
يتوّحد الحميمين ولقائهما العفوى المفعم بالعبق ، تمرُّ .. مُزنة تهطل أياماً زخّات زخّات ،
يتفرّد ، يحتضن المذياع فالتلفاز يغمره بالرغوة ، يضغط زر المذياع ، أغانى وطنية بشكل مكثف ،
- قطع لأهم الأنباء السيد الرئيس يعطى إشارة البدء لتدفق مياه النيل إلى سيناء وتقرير عن موقع العمل فى توشكى وفى فترة المساء يذاع برنامج خاص عن أهمية إنجازات العصر - ، يطير فرحا ، يغتّم ( دى أوضاع تعقّد النمّلة ، نفسنا نفرح مش قادرين متحيّرين الفكرة الواحدة بفكرين الكُل سايب سكّته ، الكلمة هربانة والصدور معظمها خربانة ، الشارع مليان ودان وعنين ، الجاى بيقول للرايح على شطنا شرقا حيقوم زلزال ، أنا شفت بعينى أكتر م البيبسى الخمرا والرجال عريانة والبنانيت سكرانة ؟! ) يلقى المذياع ، يكتب على جدار وداعاً لرفيق عمره ويرحل ، هناك فى قلب العراقة التليدة يقف ، الآخر أمامها ملفتةً كُل الحواس أمومتها وهى تحتضن أزهار ( الشَّمام ) كالكتاكيت ذات الشعر الأصفر ، يتساءل فى عجب لماذاً زهرة الشمام لا يتحدث عنها التاريخ لماذاً لا يحسبه الناس مع الأزهار ؟ ما وجه الفرق بين اللوتس والشمام ؟!
ليرتاح يتّهم الأذواق ، تأخذه المُخضّرة بأوراقها وأكياس بذورها المعروفة ( بالطرطاق ) بأفراح القمرى والرتم العصفورىّ المغسول فى ذاك المزج الأغصانىّ المجدول ، يُحدّد من بين الأشجار هويتها هى اللّبخة عنوان خصوبة تُربتنا ، تؤكد أنّ لجدّى منحاً موصولاً وتشهد أنّ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم شرقى غربى يُمناه ويسراه وأنّ الرسل جميعاً محدودون ، تبعثر رائحة الشمام لا تنتظر مقابل ، والولد الأحمق يضربها بالمنجل يخرقها بالمسمار وبالمنشار يسمع صوتا ينهره - أسكت يا حمار - ، لهاتيك الشجرة حدّان ، شأنك أو العار : يفيق من شروده رويدا يتهلّل وجههُ للشمام وللعصافير ، يُقبّلها ويخطو نحو الكثافة والضباب .... هاهى ملامحُك يا حبيبتى محفورة على لحمى باتساع الأفق وشوق الذى رحل ولا أدرى غير أنه يملؤنى اشتياقه بطعم الجُرح عندما يسكت عنه الألم ، والذى يفصلنا شاسع لا يندمل كبحر شاطئيه جرح باتّساعى يتكاثف الضباب أفقدُ بعضاً من قُدراتى كل شئ هنا يحضُّ على الرذيلة ،
الكُرةُ تلتهب كل شئ صارخ ومشتعل دوامة مسعورة مجنونةٌ مجنونة ، يرزحُ فى بحران من أمره كالعهن والعاصفة والشوق و التيه ! .. تغرفهُ من نوباته من ذاكرته من كُرته الملتهبة صفعة أهدته النوم ، ثم حمله وصار به نحو عشقه ، قفز به جدولاً قديما فاستيقظ ، فسأله : من ذا يحملُنى ؟ أنزله عند غابة من أشجار اللّبخ والسَّنط وساقية قديمة ، سار معه وهو يُغنّى فى تهجُّد بُكائىّ ( زى الأمارة كان القمر والليل كما العاشق صلاة النبى وقت السحر ) يقبض على يده طوال المشوار ، يأتنسان بوشوشة السعف المتناثر على سكة المشوار الطويل ، يتمتم ، أشواك السَّنط تُذكّرنا بالشّيب ، أشتاق لشكشكة الأشواك لاجتباب العشب الأخضر ، للتمرّغ فى النّدى ، لوجع القدمين عندما يتّخمان بالبَرَد ، يقبضُ على يده حتّى فوق العشق الكّف والكّف صارا فالكفّان حنايا يوقدان إلى الدفء نارا تؤنسهما ، يتحدد زمن الإثنين : يسأله الأديب ، أَتذكر البداية ؟ فيجيب القروىّ البسيط فى لوعة ،
( أيوه أذكر ، كام بيت وحفنة طيبين سهرتهُم لحدّ العِشا متبشبشه بالخير متّمسكين بالطين وبالقميص الأبيض وبالشباب الزّين زادهم لبن بقرة وجاموسة وغلّة الجِلّبان الأخضر وفرشِتهم فـ غيط الدوم والخيمة والجامع وحيرة حيرة ميّة النيل ما تكفى الشقوق الكتيرة ) ثم سَعَل حتى انسدل طرف عمامته ، سأله الأديب كم كان عمرك آنذاك ؟ قال القروى (قبل ما آجى بتسعين سنة ، سأله الأديب وكم عمرك الآن ؟ قال القروى ( تلاتين ونصها التانى بتلتمية !!!!) ضحك الأديب فرمقه القروى قائلا
(بتضحك أنا أزعل قوى من اللى أحكيله ويضحك ) قال الأديب اذاً يرضيك البكاء ، فسأله القروى وكم عمرك أنت ؟ فأجاب : عشرون عاما ، فقال القروى (عمر البكا من عمرك ) جلسا غير متفقين أخرج القروى كيساً من جلبابه به ( مدغة ) وطفق يملأ فمه حتى برز نتوءً تحت شفته السُفلى وأخرج حجرا مِلحيّا من جيبه وأخذ يقضمه ويدُّسه فى لفافة المدغة بفمه ثم بصق على الأرض فى لذّة واسترخى قليلا ،
سأله الأديب عمّا تفعله المدغة ، فأجاب (معرفش المدغة بتعمل إيه ) ثم ردّد موالاً معروفا بين ( المُدغيّة ) ( أتريكى يا مدغة تردّى الراس وليكى عطرون حُر زاقى ، لقدّك مطبّق ولا قراص ، ولا فطير عليه التساقى ) سأله فى انفراجته النادرة ، ما وجه الإختلاف فى نهج ما وجدت وما تجد فى يومك و أمسك ، فلفظ ما بفمه وقال (إمبارح زى الأمارة كان القمر والليل كما العاشق وقت السحر ، ودلوقتى كما البيضة صار القمر والليل زى العروسة فـ لون الخَجل ) ثم بكى ملء خُفّيه ، الأديب مُداوراً ، أنا لا أفهمك ، أفصح ، فردَّ (من قدّ عمرك مرتين خيمّت كما الخيمة طيور زرقا وعجفانه وعفقانه من ساعتها من الرجْلين ، كما البيضة صار القمر والليل زى العروسة من غير خجل ، راحوا الطيبين وراحت معاهم الشوفه من الغربال ونشف الزيت على الصاج الحزين وفاح النتن والخمرانين ثمليين تبتين ، غيّمت رعدت مطّرت بلبطتنا طين كله صبح متعاص كله متغيّر ومتبدّل نخرت قلوبنا نخرت فى رووسنا عشّشت فيها شوّمت ياللى كتب ياللى قرا كّوموا اكوام التّرى فوق العتب والحيط متجييش يا ليل قالت لنا كبارنا خلّو الولاد ع السبيل بالنبلة والمقلاع يهشّوا الطير بشويش يا ليل كام النهاردة الكيل قالت لنا الحُرّاس إيش تكون جحشتك مع اللى يركب خيل؟ الناس داست فوق الشَرَف والعُرْف داست على خدود الحواجز على شعور القصايد وع السنين وع الأسابيع كسّرتها بقت أيام دهستها بقت دقايق فى باط الريح ، الريح اللى ناعس فوق شواشى الجبل فوق النخيل
بكام النهارده الكيل
صرخ النخيل وين الخجل
لمّا العروسة تميل ؟ )
ثم يشهق شهقة كزَّج خرِبةِ جابيةٍ تشنَّج
فاحتنضه
كانهمار السّيل بكى .
تعليقات
إرسال تعليق