PNGHunt-com-2

قراءة تأويلية بقلم الناقد هشام صيام لنص (لن أكتب) للشاعر برهان حربا

قراءة تحليلية تاويلية لنص ( لن أكتب ) للأديب المبدع برهان حربا .

النص
................

لن أكتب:
عن ماذا أكتب.؟
عن رغيف خبز تمنى أن يعود سنبلة قمح كما كان
عن قلبي الذي أصبح كجدار حائط يمتلئ بسواد الحروف
عن جراح لم يتوقف نزيفها منذ دهر ونيف
أم صرخة جوع وأم مشردة
عن حلم يستيقظ كل يوم وسط ضباب
لن أكتب .. كلاما عجافا لن تغني عن كفر وجوع
سأكتفي برؤية العاشقين ولا أعشق
وأحسد الممتلئين ولا أشبع
سأبقي صفحتي ناصعة البياض
مستفعلن لا أدري و فعولن لست أدري

القراءة
...................

( لن )
حرف نفي لحق به حرف إستفهامي النكهة " ماذا " مع تكرار نفس التعبير وفعل في زمن الأمر  مع التخصيص للمتكلم ـ ناسج الحروف ـ " أكتب " لنصبح أمام تحوير لحرف " لن " ليأتي في ظرفية حضور ما نتمناه ولا نستطيع الإمساك بحلوليته ، ليصبح الأمر إستفهام عن ـ ذا ـ الشيء الذي يتوارى خلف المرايا نستشعره ولا نتلمسه لنتوقف ما بين نفي مطارحة الفعل ومحاولة لمراودة الولوج في يم المسير إليه ،
كمن يتمنع عن شيء ويترك الباب في معية المواربة حتى ينال مقاصده منه عبر عكاز سؤال يعني حس المخاطب المجهل حضوره على التفوه بإجابة قد تعني الجسر الذي يمر منه إلى بغيته ،

تلك هي عتبة السردية التي نحن بصدد الخوض في فضاءات عروجها ،
عبر تأرجح ما بين المنهي عنه بفعل فعال الزمان والمراد وإن حاول الولوج به على إستحياء ،
يؤكد هذا التأويل التحليلى للرؤية تعبير " تمنى أن يعود سنبلة " والذي سبقه لفظ " رغيف " وكلاهما في معية رمز لا يمكن إتمام سبره برؤية ظاهرية للمعنى المعجمي ، فالرغيف رمز يعود على ناسج الحروف وحلقات العمر حسب الترتيب الخاص بتأريخ الرغيف ـ سنبلة ثم درسها لحبوب ثم طحن واختلاط بالماء فنضج ـ المتعارف عليه ، هنا تبزغ رؤية المرء في المعتاد من الحنين للعودة لنزق وبراءة الطفولة ـ سنبلة ـ في محاولة حسيسة للهروب من واقع حياتي يصفد تلك الأنا ، عبر ترميز تصويري تم تحوير المجسد المؤنسن به لنباتي في تحوير مستتر للعوائد الحياتية المعنوية صاحبة التأثير المادي إلى تأثير مستتر ولكنه ترك الأثر ـ رغيف ـ لفح النار والشواء للدقيق المعجون بالماء ،
في بديع تصويري لا نتلمسه في السطور ولكن نستشعر سعيره من خلال المعنى وتلك من الصور التي تتنامى وحدها وتبزغ عبر ما يصنعه الدفق من خيال في ذهن المتلقي ،
لنعد ونحن مازلنا نسير في تلك العنعنة لنصل لمحطة " القلب " والذي كما هو معتاد ومتعارف عليه في موروثنا يتم إسقاط المشاعر عليه رغم أنه مجرد أداة تظهر التأثير الخاص لمؤثر ـ مركز الشعور والعاطفة في المخ ـ هو حادي تلك الخفقات التي تظهر مع ضخ عضلة القلب للدم إبّان تلك الانفعالات ـ حقيقة علمية لا تقبل الشك ـ ومن تلك الفرضية الموروثة في ضميرنا الجمعي عن القلب نلمح هذا المشهد المصور الذي تم تحوير القلب من جزء مؤنسن إلى جدارية نضع عليها علامات تبويب تشي بفقرات من حلقات العمر وكأنها شاهد على لحد الأماني مُهر بسطور من الحبر الأسود في إسقاط على تلك الحلقات المشجنة من حياة ناسج الحرف في مشهد يحمل الحلول الحركي والصوتي الذي نستشعره  ، فالكتابة على الحائط تتم عبر حركة والنقر على الحجر ينتج عنه الحضور الصوتي لازميل ، وحضور لوني واضح المثول حمل ديجور عوائد تلك الحقب ،
ليتنامى الخطاب المُعنعن ليصل لمحطة تعقب حدوث الفعل وتفيد اجترار الأثر ـ الجرح ـ والتي تم تدشينها في ماهية الجملة الفعلية المضارعة التي تفيد في شمولية حضورها استمرار الحدوث وما يترتب عليه من أثر ـ نزيف ـ مع وضع اللفظ في معية الجمع ـ جراح ـ في تمهيد لصنوف من تلك المكابدة ـ صرخة جوع ... أم مشردة ـ في ثنائي يحمل في طيات مثوله الكثير من القصص التي يمكن أن تروى في خروج شاهق العروج من عباءة الخاص إلى العام في لمحة سريعة كومض البرق يسقط على نفوق أحلام عامة لمجتمع كامل ،
وفي ختام حادي للدهشة يتحول شراع النص الذي توقف في عتبة مثوله أمام ضلفة باب تم مواربتها ما بين التمنع ومحاولة الولوج إلى لي عنان الرؤى والمغادرة نحو امداء التمنع التام ،
لتظهر جلية في الرمق الاخير من صعصعة العنعنة وتعبير
" عن حلم يستيقظ كل يوم وسط ضباب " يعقبه نهي تام وتعبير " لن أكتب "
في رؤية واضحة لهذا الحلم المهيض المتكرر والذي لا يملك خارطة عبور في كَفّ يملك خطوط أثره الضباب ، في تشكيل بديع التصوير وضع الحلم في توأمة تامة مع الحالم ليتحول المعنوي لمجسد عبر لفظ " يستيقظ " في الزمن المضارع الذي منحه تجسيد وأيضا مطارحة مستمرة للحدث تفيد ما وَشَّى المساءات من آمال وما تم اقتلاعه من النفس الحالمة في الصباحات المتتالية في إسقاط تام على تلك الأحلام المهيضة التي لا تنعم بدفاتر حضور واقع حقيقي ملموس فهي مجرد أمل موؤود ،
لنصل لقرار يعد نتيجة لتلك المقدمات الحياتية وهو الخروج التام في سوداوية شديدة الظلمة من ملعب الحياة إلى هوامشها ويكتفي بدور المتفرج مع قطف بديع حمل من خلال تركيبة خاصة بعروض فراهيدية تم حلولها من تناصية القانون الفراهيدي الصارم في وشم القصيدة للإسقاط على قانون الحياة من خلال تورية لفظية " مستفعلن " و " فعولن " والتي تم وضعها هنا كمفعول به أي تأثر بنتيجة هذا المؤثر الذي اعترض مجرى حياته ـ أي متلقي لعوائد الدهر ـ وكفاعل ـ مشارك في تلك الفعال ـ مع حضور تعبير " لا أدري " الذي يحملنا نحو هذا التلعثم الذي يتمخض عنه هذيان المرء عندما يتوقف في لجة من الآه وهو لا يدري أكان الأمر بيده أم بيد عمرو ـ هو الجاني أم المجني عليه ـ في ختام بديع رغم سوداوية اللحظة التي وضعت حروف The End لهذا النص عميق الحلول الرؤيوي  .

مودتي وضوع نيل دياري أخي وصديقي الأديب المبدع .

هشام صيام ..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي