عين على النسغ في الأدب الوجيز قراءة بقلم الناقد أحمد اسماعيل في نص (نسغ) للكاتبة خديجة السيد
عين على النسغ في الأدب الوجيز
النص
نَسْغْ
انتفضَ جسدُها على وقع خلخالٍ يغازل خطواتها؛ خرج الشيطان من وكره. اختلطت الأنساب، وتشابكت أغصان شجرة العائلة.
خديجة السيد
سوريا
مقدمة
النسغ هو الغذاء الذي يحصل عليه النبات و يكون على شكلين نسغ ناقص و مكانه الجذور
و نسغ كامل و مكانه في مصنع الورقة
وهنا في هذا النص أقف أمام هذه العتبة العنوانية لأجد نفسي أمام سؤال
ماهي أنواع الغذاء التي يحصل عليها الإنسان حتى وضعته الكاتبة كعتبة عنوانية تستحق التفكير
الجواب هنا يمكن أن نفصله بشقين مهمين هما الجسد و الروح
و غذاء الجسد كثير لتنوعه ويمكن اسكاته حتى بالماء.
لكن غذاء الروح متعلق تعلقا كبير بالحالة النفسية و التربوية للذات و يؤثر سلبا أو إيجابا على الذات و الذات الجمعية و الواقع و الوطن.
وعلى هذا الوتر الحساس عزفت الكاتبة لحن العتبة العنوانية
فالغذاء هنا له أبعاد و مساحات في نوافذ المجاز.
تعالوا لنتأمل مطلع النص
مشهد يمثل مدخلا مهما لأي فيلم يبحث مخرجه عن الإثارة والتشويق و الفضول
أو حدث يقف عنده أصحاب الدراسات النفسية و السيكولوجية فالذات هنا تأخذ أبعادا في طريقة اندفاعها للواقع وكيفية مشيها و كيفية نشرها لإيقاع يتنفسها فقط بالمحيط
هنا الكاتبة كمخرجة سينمائية تقصدت إخفاء ضجة المكان و رفعت صدى إيقاع خطوات الفتاة و رنين خلخالها.
طبعا ليس فقط الإنسان يتأثر بهذا الإيقاع بل حتى الحيوان.
وهنا يقف علماء النفس عند تلك الذات الإنسانية و يقسمونها إلى قسمين
قسم يعتز بإنسانيته و يدرك كيف و متى و أين يمارس شهوته.
وقسم آخر يترك نفسه للعبث و لا يهمه الزمان و المكان و الكيفية.
وهنا الكاتبة رفعت ببلاغتها وعميق معجمها اللغوي و وصفته بالشيطان وهذا التناص المستخلص من كثير من الأيات والأحاديث فيه براعة في الصياغة و دقة في الوصف
لاحظوا المكان الذي أخرجت منه الشيطان إنه الوكر وهو ليس المكان المألوف الذي يكون فيه البشر....
هو عادة سكن و ملجأ و مخبأ للحيوانات.
وهنا يمكن أن يكون مجازا الشيطان حتى داخل تلك الفتاة
طبعا وضع الشيطان وكيفية خروجه يفتح نوافذ للتأويل وليس فقط أن يكون ذكر ينتظر أن يشتعل بلحظة الغواية
وهنا عودة للدراسات النفسية التي تعري الذات من إنسانيتها
والكاتبة هنا تجعلنا نقف عند مفرق طرق والغواية لحن يعلو إيقاعه في الطريق
والآن لنسأل أنفسنا كما نفعل عندما نرى حدثا مشابها في الواقع
على من يقع الحق و المسؤولية؟
البعض يضع الحق على الأنثى ويقول أنها سبب وأنها محرض مهم على فكرة الانحراف
والبعض الآخر يضع الحق على الذكر و يشير إلى التربية و المحيط البيئي.
و أنا بدوري أطرح سؤالا مهما و قضية أصبح الرأي العام الدولي يأخذها على محمل الجد بين مؤيد و معارض
(قضية المثليين)
فالشيطان هنا لا يمكن حصره بالذكر فالأنثى أيضا لديها شيطان...
والبيئة حين تكون مناسبة للفساد تصبح هذه القضايا أمرا مهما، لذلك العتبة العنوانية تستوقفنا في كل مفصل من مفاصل النص.
طبعا هذه الحاجة لانراها فقط في الواقع بل وردت في القرآن كقصة كاملة ( قوم لوط) و الكل ليس بعيدا عن أحداثها،
وكل ذلك لماذا....؟
الجواب في قول الكاتبة لأن ذلك يؤدي لاختلاط الأنساب
لكن إلى ماذا يؤدي اختلاط الأنساب
الجواب
إلى الضياع
ضياع في الهوية
الضياع في المجتمع
الضياع في الدين و التفكير و العقائد
لا شك أننا نحتاج الوقوف هنا مطولا لأن الفكرة تفتح نوافذها على الشذوذ
ولو جمعنا حالات الضياع نجد أنها تؤدي إلى الاختناق...
فالأوراق على الأغصان تصبح في رحلة بحث عن النور وعن حقيقة الغذاء الذي تتناوله.
لذلك يقوم الفلاح بتقليم الأشجار حتى يمنع تشابكها وحتى تثمر بشكل جيد و صحيح.
و التقليم هنا يمكن أن نقاربه في المعنى بالتربية
فالتربية الصحيحة تعطينا ثمارا نفاخر بجمالها ونوعيتها وجودتها.
والتربية لاتستثني الذكر او الأنثى
فالشيطان داخل كل ذات بشرية و الرابح من كبح جماحها و روضها.
و هنا في هذه القصة القصيرة جدا تبعث الكاتبة الكثير من الرسائل الهامة
1_ العقل هو الميزان الذي يفصل بين الإنسان و الحيوان و سائر المخلوقات و جدير بنا استخدامه بما يحسسنا بإنسانيتنا.
2_ الذكر و الأنثى كل منهما سكن للآخر و الإنسان العاقل هو من يتعامل مع مسكنه بما يليق به في الزمان و المكان المناسب له.
3_ الغذاء كحدث فيزيولوجي أيا كان نوعه في الجسم هو عمل يخضع للنظام و أي شي خارج هذا النظام يكون له ضرر على الذات و الذات الجمعية و المجتمع و الوطن
والأمراض الجسدية و النفسية و واقع المجتمعات شاهد على ذلك.
4_ مسؤولية الحصول على الغذاء لاتنحصر فقط بالذات بل هي أيضا مسؤولية المجتمع بأكمله.
اللغة و تصوير المشهد القصصي
1_ يعد النص من أجناس الأدب الوجيز ضمن مسمى ق. ق. ج
واستطاعت الكاتبة من خلاله اختزال المشهد بطريقة الجمل الومضية المكثفة و العميقة بأبعادها و دلالاتها.
2_ استخدام الكاتبة للتناص في رسمها القصصي.
3_ ضخ الشاعرية في الجزر الومضية التي سردتها الكاتبة و جعل شواطئها مليئة بالفضول و الترقب و خاصة في المطلع و الحبكة.
4_ الخاتمة العميقة بمجازها و التي رصدتها كنتيجة حتمية من خلال تشابك الأغصان وفتحها نوافذ للتأمل و الدلالات.
في النهاية أقول
سعيد هو الصباح حين يبدأ بهذا الفكر العميق الفاتح لشهية المعنى
طبت و طاب مدادك أ. Khadija Alsayed
بقلمي أحمد اسماعيل / سوريةعي
تعليقات
إرسال تعليق