PNGHunt-com-2

قراءة تحليلية للناقد محمد ابو اليزيد في نص صومعة انفرادية للشاعرة تغريد بومرعي

قيمة أدبية سامقة نقدر إبداعه ونحترم فكره ونقدر قلمه النقدي البناء
الصديق العزيز الأديب الأستاذ محمد ابواليزيد  شكرا من القلب على هذه القراءة العميقة الرائعة في نص " صومعة إنفراديّة" ، لقد قدمت فسحة تأملية ومساحة للتحليق في فضاء الدلالات التاويلية أمام المتلقي ، وقد راقني جدًا هذا التناول الذي ينم عن تجرد روح الناقد والشعور بالمسؤولية تجاه نفسه ومن ثم القارئ ، مضيئًا كاشفًا مكامن الدهشة والإبداع وموضوع النص وثيمته العامة والمشاعر التي اعترت الكاتبة.
شكرا وألف شكر على ما أفضت علينا من جمال وأدب وفكر ، دمت بكامل السمو والبهاء
تحياتي وباقة عطر 🌺🌹

الإنشاصية جميلة الجميلات .  

نظرة - ربما - على مغايرة فى رائعة الأديبة القديرة متعددة  المواهب  /  تغريد بو مرعي " صومعة انفرادية " . 

                                        بقلم : ابن المحروسة

                                         محمد أبو اليزيد صالح

تغريد بو  مرعي :  أكابوسية " كافكا " أم كابوسية الإشراق ؟؟

                         (    1    )

              هل الكل في الكابوسية سواء ؟؟

نزعم أن كل أشكال الأدب الحقيقي الإيجابي وصنوف الإبداع الأخرى المعتبرة لعلى كابوسية مذ كان الهم العام دافعها ، أو الهم الشخصي الذى يصب فى مجرى الهم العام فى الأخير ؛ فهكذا هى هموم المبدعين . إن الهمين ؛ العام والشخصي غالبًا ما يبلغ بهما الأمر عند المبدع إلى أن يصبحا فى حكم الكابوس المؤرق بل المزلزل . كابوس تسببه الظروف غير المواتية التى يجابهها المبدع كل يوم ، بل كل ساعة  لأحوال ليست على أي حظ من سواء . إن الجهل وتداعياته هما الباعث والدافع لكلا الهمين المسببين لهذا الكابوس . ونزعم أيضًا إنه لولا تلك الحالة من الكابوسية ، لما وجد أدب حقيقي ينفذ إلى روح المتلقي ؛ فكأنما هى الكابوسية اللذيذة على فداحتها لأصحابها من المبدعين  !!! إنها الكابوسية الحية المنتجة !!! ؛ والتى يمكن أن نعرفها بارتياح على أنها المعاناة الحادة المزمنة التى تميل بصاحبها إلى الكوابيس الحقيقية فى المنامات أو ما يشبه فانتازيا الكوابيس فى اليقظة والتي مع هذا يظل لها إشراقها لأن المبدع برغم عذاباته المضنية يغلب الخيار الإنساني على ما عداه فى الأخير فلا جروح أو ندوب غائرة أو استسلام يقوض شخصية المبدع ، وتبقى تلك الشخصية على سواء لسماتها المقاومة وتركيبتها الفريدة ؛التربوية والفكرية الممتزجة بالتأمل واستيعاب دروس الحياة . بل قد تدخل الشخصية ( شخصية المبدع ) فى حالة من صوفية حقيقية عجيبة تترقى بها أكثر فى مدارج الإنسانية الرحيبة !!!
نعم من حق المبدع أن يئن ويتشكي ولكن المراقب الجيد يرى أن نفس المبدع الحقيقي توجه قسطًا قد يكون على قلة من هذه الأنات وذلك التشكي لتطييب خاطر المبدع عينه والتخفيف عنه كعلاج ذاتي بينما القسط الأكبر يوجه للتوجع من أوضاع سلبية ؛ تربوية وفكرية وسياسية واجتماعية ونفسية ... إلخ يعمل المبدع على مقاومتها ؛ أي أن عزيمته تستمد وقودها من آهاته وأناته وهمومه وتوجعاته . وبناء على ما سلف فالكابوسية هنا إيجابية .

  إن الكابوسية المتقدمة ليست ككابوسية " كافكا " الكاتب التشيكي الأشهر التى استخدمها فى أدبه ليعبر عن دواخل نفسه المهترئة . كابوسية مدلهمة هادمة ليس فيها من بارقة لأمل ، ولا من أشعاع لتنوير . كابوسية تشير إلى سوداوية و عدمية ذلك الكاتب الذى أوصى صديقه قبيل موته بحرق كل أعماله ولولا أن صديقه لم ينفذ وصيته ، لما وصلنا نمط أدبه ذاك ولأصبح فى غياهب النسيان . وأظننا لسنا ببعيدين على نحو ما عن تشاؤمية أبي العلاء فى أدبنا العربي وكذا عن تشاؤمية ابن الرومي التى استرعت انتباه أستاذنا العقاد فأفرد لها كتابًا من كتبه .
ولنستطرد قليلًا ونقول إن سيرة " كافكا " الذاتية تعكس كاتبًا
" ميلانكولي" أي سوداوي النزعة كرس أدبه للتنديد فقط بأحوال معينة اعتبرها فادحة الخطورة ، فما فى أدبه من عاطفة تؤجج أو تفلسف يشغل العقل ، وهو يحمل رسالة سلبية إلى القارئ بعامة ولذوى تقبل الإيحاء بخاصة . . إنه بحسبنا من نموذج الأدب المنكفئ المنطفئ الذى ربما ضج صاحبه به لأنه حتى لا يبعث على جبر لخاطره ؛ هذا الكسير أو يبحث عن تسرية لقلبه ذاك الأسيف . أدب لا إغناء له ولا طائل من ورائه حتى للدارس والناقد سوى الوقوف على نفسية صاحبه اليائسة وربما بعض أحوال مجتمعه البائسة . أدب تمتنع فيه أي نأمة لبشرى أو إشارة لبشارة أو شحذ لهمة . . و تكفينا بعض عناوين " كافكا " لنرى على أى حال كان هذا الكاتب وكم كانت سوداويته  : المسخ / الدودة الهائلة / مستعمرة العقاب / المحاكمة / القلعة / أبحاث كلب / الجحر .
ولنجمل فى هذا الجزء قائلين إن الكابوسية فى الأدب على صنفين : الأول وهو الذى تضرب السوداوية بأطنابها فيه فلا جدوى حقيقية منه لكاتب أو متلق لأنه يصدر أصلا عن نفس محبطة ؛ و أما الثاني فإنه وإن تك به الكابوسية إلا أن به فيض إشراق لطيب منبعه . ويبقى تساؤل : ترى على أي ضرب يكون أدب /تغريد  بو مرعي فى " صومعة انفرادية ؟؟؟

                          (   2   )

يحاصرنا عنوان الأديبة منذ البداية الباكرة فما من مفر وقد استولى على عقولنا و أخذ بمجامعنا هاتفًا : تأمل وتساءل !!!
فترانا نقدح زناد التفكير لنقف على مرماه فيهبنا بعضًا من مكنونه لعل فيه إفادة .
إن الصوامع فى الأدبيات الدينية لهي خلوات للتعبد والتنسك والتريض الروحي والتأمل ، وتسمى أيضا فى أدبيات دينية أخرى القلايات . واللفظة الأخيرة " القلايات " تحمل معنى الإختلاء أيضا لذات الأغراض آنفة الذكر ؛ أي أنها ( الصوامع والقلايات ) أماكن سكينة وهدوء وسلام ؛ فلم تذكر الأديبة لفظة " صومعة " فى العنوان  ونحن نعرف الصوامع ؟! ولم لفظة "انفرادية "  ونحن نعرف أيضًا أن من يرتاد الصوامع غالبًا ما يكون على انفراد ؟!  أهو التكرار والاجترار أم أن هناك جديد ؟!
إن الدهشة مثيرة للتساؤل ، والعنوان مثير لدهشة المتلقي ومن ثم تساؤله وبذا تضمن الأديبة تحركه نحو النص لاستطلاع أمر الصومعة الإنفرادية هذه .
تعاجلنا الأديبة فى مستهل خريدتها برشقة أولى من الهم المتمازج بالغم والصور البلاغية المؤثرة :  " دون سبب اقتادني الليل إلى صومعته الإنفرادية ، و أوصد بابها برتاج الصمت " .  سجن وسجان ومسجون وزنزانة انفرادية وإحكام ومظلومية وبشاعة بلا ذنب  . هكذا ينكشف المستور شيئًا بفضل كلمات قلائل ... يا له من تكثيف جمع فأوعى !!!! إذن هى قضية يلزمنا التجرد حين الاطلاع على حيثياتها وملابساتها والشهود قبل الإدلاء برأي فيها ، وإن تلمح لنا الأديبة بمظلومية لكي نؤازرها حين تقول : " دون سبب " . ثم تعرج الأديبة على ذكر ترصد الليل أكثر بها :  " على مدار الوقت بدأت أشعر أنه يأذن لعتمته بالدخول إلى الثقوب التى تتكدس برأسي . وعلى غفلة ، احتشدت فى أذني كالدمامل المتراكمة فوق وجه الضمائر والإنسانية . مددت يدى ، عادت إلي بمزيد من العتمة ، مختلطة برائحة الخوف والضياع . " إلى أن تقول : " أحاطني كابوس شديد " :
إن فيما نقتبس لغاية الآن جملة من المفاتيح التى إن نقف عليها فسينداح بها شطر كبير من العتمة التي تلف الأديبة والمشهد . من تلك المفاتيح رمزية الليل والصومعة . فالليل - بحسبنا - يرمز إلى أوجاع الحياة التى لا مفر منها ثقيلة الوقع علينا وربما المردية ، والصومعة محكمة الغلق إنما هى العالم الذى نحيا فيه والذى على رحابته فهى الضيق ضيق الصومعة التى تعرضها الأديبة على أنها ليست مكانًا للهدوء  والسلام كما ينبغى أن تكون ؛ بل هي - كما العالم - مرتع لشقائنا و خوفنا وعبوديتنا وضياعنا والفقد . وبهذا تحيلنا الأديبة إلى قضية الوجود عمومًا ومستقبل البشرية فى ظل الحياة المادية واللاروحية التى نحياها ؛ وهي قضية فلسفية شغلت الفكر من قديم ، وتشغله الآن بشدة .
ومن المفاتيح التى تعيننا على استجلاء النص أيضًا تحدث الأديبة باسناد المفردات إلى " ياء " المتكلم مثل يدي / أحاطني ... إلخ ، ثم قولها : " كالدمامل المتراكمة فوق وجه الضمائر والإنسانية . " ، وأيضًا قولها وهى تتحدث عما فعله الكابوس بها : " كأني فى كهف مظلم، لا يربطني ببوصلة الروح ."
إن هذا المفتاح من الأهمية بمكان عندنا ؛ فالاسناد إلى ياء المتكلم يدل على أن الأديبة لاتزال على حياة وشعور ومقاومة ومالكة لإرادتها برغم ما يحيق بها من مهالك ، وذكرها تعبيرات من مثل " كالدمامل المتراكمة فوق وجه الضمائر والإنسانية " ، وكذا ذكرها " كأنى فى كهف مظلم لا يربطنى ببوصلة الروح . " الحاوية لمفردات الضمائر / الإنسانية / الروح .تدل أيضًا على روحانيتها المفعمة وإنسانيتها الفواحة وضميرها الناجز . مبادئ لم تغادرها كإنسانة نقية و تتأسى على افتقداها فى العالم أجمع وتنادي باستعادتها كما يشي بذلك منطوق النص فى معناه الواسع . نعم تنادي وتعمل على استعادتها فى عالمنا ؛  عالم الموت بما فيه من حزن وخوف وانكسار وضياع وعجز ووجيعة ودفن للأحبة ( دعنا نخصصهم ونقول : الأحبة في الإنسانية العريضة )
بقي أن نقول إن النص به تفلسف وفكر للمتمحص ، وبه تكثيف ملفت ولن نحدثك عن بلاغياته فهى واضحة غير منكورة ويبقى سؤال بعد الذي عرضناه : ترى إلى أي صنف تنتمي كابوسية تغريد بو مرعي ؛ أإلى كابوسية " كافكا أم إلى كابوسية الإشراق ؟؟؟؟؟؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي