PNGHunt-com-2

بين جبلين : الناقد العراقي كريم القاسم

( بين جيلين )
ـــــــــــــــــــــــــ
إتصل بي بعض الاخوة والاخوات للاستفسار عن سبب عدم تقديم مقال يتناول ماصرَّح به الشاعر(عمر السراي) حول المساس بشخص الشاعر(عبد الرزاق عبد الواحد) او على الاقل بيان رأيي الشخصي في ذلك، فأجّلتُ هذا الامر الى مابعد العاشر من محرم الحرام .

أقول:

-إني أجد الذهاب صوب(بيان رأيي الشخصي)هو الاكثر صواباً والاكثر إطمئناناً.

وأقول كذلك :

- واهمٌ مَن يتصور بأن الشعر يُحَدُّ ويُقاس بشخص انسانٍ بعينه مهما كان منصبه أو مرتبته الاجتماعية.
فالشاعر لاتقاس مرتبته بجودة قصيدة او قصيدتين ولا حتى بعشر قصائد ، بل يقاس الشعر بمقدار جودة النص أو ردائته، بغضّ النظر عن خلفيات ناظمه.

فلربَّ شاعر فحل سقطَ نظمه بقصيدةٍما أو أكثر  ، ولربَّ شاعر لم يصل مراتب أهل الصنعة والخبرة لكن تتولد بين يديه قصيدة جيدة قد يكون لها صدىً يطير في الافاق.

نعم هكذا هو القياس في الشعر .
فالنقد ينظر الى النص لا الى صاحبه. ولا يوجد كذلك مقياس محدد يُحدد الدرجة لبيان درجة الجودة أو الرداءة .

يقول الامام علي بن ابي طالب -كرم الله وجهه- لما سُئل:
- مَن أشعر الشعراء ؟
قال:
- (إن القوم لم يَجروا في حلبةٍ تُعرَف الغاية عند قصبتها ...)

إذاً حتى في الجودة الشعرية هنالك محطاة تباين.

وعلينا ان لا نستهين أو نزدري أو نستخف بشخصِ الشاعر  بسبب قصيدة أو قصيدتين ، ولا ان يتخذ الناقد موقفاً شخصياً منه ، بسبب موقف قد أتى بمثله الكثير ، فالعاطفة لامكان لها في المواقف النقدية.

يقول الجرجاني في مثل هذه المواقف:

(فإن عثرتَ له من بعد على زَلّة، ووجدتَ له بعقب الإحسان هفوة، إنتحل لـه عـذرا  صادقا ً، أو رخصة سائغة..)

اذاً هنالك شاعر حافظ على بريقه يمتلك الموهبة ويعرف أسرار الصنعة فيأتي بما لم يستطع غيره. وهذامايجعله شاعراً مُجيداً يشار  اليه كالمتنبي في عصره وماتلاه.
ولكن السؤال:

• هل عُقم شعر المتنبي وغيره من كبار الشعراء عن السَقطات والهفوات ؟

- بالتأكيد لا.
فهناك وقفات نقدية بشأن ذلك، يستطيع من أراد زيادة المعلومةالاطلاع عليها.

وتقاطع الافكار ليس بالامر الغريب، إنما الغريب هو ان لانأتي بالدليل لاثبات التعارض
وهذا الجاحظ يقابل بالدليل فكر ارسطو،  ويقابل العقل بالعقل لامقابلة التلميذ للاستاذ، حتى أوجد الكثير في مدرسة ارسطو مما لايوافق العقل ، بينما إتخذ الاخرون أرسطو إستاذاً ومثالا ، ونقلوا عنه حتى وإن لايوافق تفكيرهم ، خاشعين لسطوته الفكرية .

بعد هذا التقديم المقصود، نأتي الى ما نطق به (السراي) وسأقدم وجهة نظري كمتابع وناقد .
(السراي)قال عن ( عبدالرزاق عبدالواحد):
هو شاعر  ومُبدع ، ويكتب نصاً جميلاً ، ويكتب في منطقة العاطفة (الميسانية) الجنوبية العظيمة، التي قلَّما يمتلكها شخص، وهو يفوق كثير مِن أقرانه وأبناء جيله)
وهذا كلام ووصف دقيق جداً، ولو بُعِثَ عبدالرزاق حيّاً لشَكره. ولم اسمع انه تلفَّظ بلفظ (مجرد شاعر) واعتقد انها أُضيفت من قبل مغرضين لإثارة الرأي العام.

ولكن عندما سُئِل عن مقارنته بالجواهري هنا بيَّن رأيه كذلك ، وكان مصيباً ، فالجواهري ظاهرة لن تتكرر في العصر الحالي، كونه ابن مدرسة ضالعة في البلاغة والجزل والفصاحة والبيان .

وقد أفاض السراي مدحاً على ضفتي الشاعر (سعدي يوسف) وهذه وجهة نظره الشخصية كذلك، رغم اني اختلف معه تماماً عندما اضعه في الميزان مع (السيّاب) من ناحية عقوقه للوطن ، وقد قدَّمتُ مقالاً بذلك، ونُشر في اكثر من موقع ، لكن لم أثلم او أستهين ببناء سعدي يوسف الادبي ، وقدرته التأليفية، إنما هناك موقف وطني رصدناه لايناسب مقامه وبالدليل والبرهان. ويبدو ان السراي مغرم جداً بأسلوب سعدي يوسف التأليفية ، لكنه لم يتناول مثلبة له ، وهكذا تفعل العاطفة.

إذاً يجب ان تتقاطع الاراء ضمن فضاءنقدي عقلي رصين فسيح .
أما ان يكون الفضاء الازرق مادة تسقيط وإسفاف وإنتقاد دون دراية او دليل ، أو أن نكرر آراء ومنشورات تحمل طابع الغلظة والشكاسة ، فهو تقليد غير مرضي وغير نافع بالمرَّة.

ثم لايمكن ان نغلق ابواب الحوار والنقد (لا الانتقاد) فالعقل والفكر هما اساس بناء الحضارات المتقدمة وعنوان مدنيتها ، ومَن تخالفه فكراً عليك بمجابهته فكراً، لا شتماً وقذفاً وطعناً وقذعاً وقدحا.
فالتلاقح النقدي والفكري يتعامل به أرباب المعرفة والصلاح للوصول الى حقائق كاشفة دامغة.
والعاطفة لم ولن تنجح يوماًما في أن تكون بوصلة تحكيم وإرشاد حقيقي للفكر المُتزن الرصين، أنما هنالك سُبل كثيرة للحوار المُسند بالبرهان والمحصَّن بالدليل. والمناظرة هي خير سبيل على ذلك.
-كنت ومازلت اتمنى شخصياً ان لايصمت لسان (السراي) بل يُدحض الحجة بالحجة والدليل ، فالصمت في مثل هذه الاحوال لايفلح.
وقد قال لي البعض :
• هل يقصد السراي بأنه اكثر كفاءة نظمية وابتكارية من عبد الواحد أم ماذا يقصد؟
-إذاً هكذا فَهمَ المشاهد والمستمع قصد السراي في تصريحه.
وهذه اسئلة مشروعة تحتاج بيان وايضاح من لَدُن المتكلم.

واعتقد ان موقف السراي من عبد الرزاق عبدالواحد هو في شعر وقصائد الثاني في مدح النظام السابق ، ولكن هذا يشمل الكثير مثله في تلك الحقبة الحالكة وكذلك الزمن الذي نعيشه الان .

•فهل يملك الاخ السراي الجرأة لانتقاد الردّاحين والمدّاحين من شعراء اليوم لنخبة فاسدة؟
•وهل أتى السراي بقصائد تناطح قصائد عبدالواحد ؟

علما ان مواليد السراي (١٩٨٠) اي إنه لم يبلغ النضج الشعري أبان فترة الرَدح والمَدح آنذاك.
ولا أدري لو عاش السراي تلك الفترة ماذا سيكون موقفه من الردح والمدح ، فلكل مقام مقال.
ولو كان عبد الرزاق عبد الواحد على قيد الحياة هل نسمع ماسمعناه؟

• واخيراً يبقى الموقف هو رأي السراي الشخصي وعليه الدفاع  لاقناع الجمهور بما ذهب اليه.
ومن يجد في نفسه الشجاعة فليعلن عن إستعداده لهذا الامر وكفى الله الادباء شر التنابز والتأويل.

•  احترامي وتقديري
      
(كريم القاسم)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي